الوقت- منذ بداية العدوان السعودي الإماراتي على أبناء الشعب اليمني قبل خمس سنوات ونيف، بذلت تركيا الكثير من الجهود للدخول على خطّ الأزمة من بوابة عدن، والزعم بحرصها على مصالح الشعب اليمني، لكن العديد من دول المنطقة ترى أن تركيا تعمل على تنوّع في أساليبها ومساعيها للتوغل في اليمن، تحت غطاء تقديم المساعدات الإنسانية، والسلال الغذائية للفقراء والمحتاجين. وتزعم تركيا أنها تريد الدخول إلى اليمن من أجل مساعدة الشعب اليمني والوقوف إلى جانبه في محنته جراء ظروف الحرب التي يعيشها منذ أكثر من خمسة أعوام، والتي تسببت في تشريد الملايين من منازلهم وارتفاع المجاعة بشكل غير مسبوق.
وعلى صعيد متصل، كشفت العديد من التقارير الإخبارية أنه وفي تطور لافت لسلسلة التدخلات التركية في المنطقة، تجاوزت مساعدات أنقرة خلال السنوات الماضية لجناح الإخوان في اليمن مرحلة التمويل المادي، إلى إرسال ضباط دخلوا بشكلٍ سري لمساعدة ميليشيات إخوانية تنتشر وتنشط في محافظات تعز ومأرب وشبوة وأجزاء من محافظة أبين، تحت الغطاء الإنساني، وبهويات بديلة تخفي هوياتهم الأصلية وأسماءهم، وتسهّل لهم الوصول من دون لفت الأنظار، والهدف هو السيطرة على منطقة "باب المندب"، وإيجاد قدم لها في تلك المنطقة المهمة. ولفتت تلك التقارير الاخبارية إلى أن أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية تمكنوا خلال الاشهر القليلة الماضية من دك حصون الإخوان المسلمين في اليمن وعدد من الجماعات الإرهابية في عدد من المحافظات ولا سيما في محافظات البيضاء ومأرب وتمكنت من طردهم من المناطق التي كانت خاضعة تحت سيطرتهم وتحريرها.
وقبل عدة أيام كشفت العديد من وسائل الاعلام الغربية والعربية أن أنقرة تحاول اللعب بورقة جديدة يبدو أنها تسعى بها إلى صب الزيت على نار الحرب المتأججة أصلا في اليمن، وإنقاذ جبهة الإخوان والعناصر الإرهابية، من خسائر تكبدتها في محاور القتال مع أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية، وذلك عبر نقل الإرهابيين الذين يقاتلون معها في سوريا ،يرى مراقبون أنه لم يعد سرا تزايد حجم الدعم التركي لحزب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن، إذ زادت أنقرة من وتيرة تهريب الأسلحة والأموال إلى الإخوان في الفترة الأخيرة. كما كثفت من إرسال عناصر الاستخبارات التركية إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الإصلاح، وتدريب مئات عناصر الجماعة داخل أراضيها، وسط تزايد حجم الخطاب الإعلامي الداعم للجماعة من خلال القنوات الإخوانية التي تبث من إسطنبول.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير أن الرئيس التركي عمل خلال السنوات الماضية على تحريك بوصلة الفوضى والخراب والتقسيم، راسماً خارطة أطماعه التوسعية في الأرض والثروات، من بوابة دعم الأيديولوجيات. فبعد فشل محاولاته لإيجاد قدم له في اليمن، يتجه "أردوغان" إلى إرسال إرهابيين من مرتزقته السوريين، للتدخل في هذا البلد الذي يشهد حرباً منذ عام 2015. ولقد كشف موقع "أحوال" التركي، أن المخابرات التركية تسعى لتكرار السيناريو الليبي في اليمن؛ عبر إرسال آلاف المقاتلين المرتزقة والإرهابيين من سوريا إلى اليمن، لدعم حزب الإصلاح، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن.
ومن جهته، أكد موقع صحيفة "الشروق" المصرية، أن الدور التركي في اليمن يشهد تصاعداً لافتاً، خلال الآونة الأخيرة، عبر استغلال أنقرة نفوذها المتزايد في فرع التنظيم الدولي للإخوان في اليمن، الذي يمثله حزب الإصلاح المسيطر على مفاصل حكومة الرئيس المستقيل "عبد ربه منصور هادي". وفي الاطار نفسه، ذكر المرصد السوري لحقوق الانسان عن مسار جديد لأنقرة في اليمن، متحدثا عن بؤرة تركية جديدة داخل اليمن، عبر إرسال مرتزقة للقتال مع حزب الإصلاح. ووفقاً لما قاله مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان "رامي عبدالرحمن"، فإن "هناك غرفة عمليات تم تأسيسها في أنقرة طلبت من الفصائل السورية، التي تجند مرتزقة، 300 مجند من كل فصيل مقابل 5 آلاف دولار للفرد، لإرسالهم لليمن لدعم حزب الإصلاح".
ومن جانبه، أشار الباحث السوري "خورشيد دلي" المتخصص في الشؤون التركية والكردية، إلى الدعم العسكري والمالي والإعلامي الذي تقدمه أنقرة لجماعة الإصلاح في اليمن وقال: إن "أنقرة تواصل انتشارها في المناطق الواقعة تحت سيطرة الإصلاح من خلال هيئة الإغاثة التركية، إذ إن الدعم الإنساني أصبح ستاراً للتدخل التركي عبر عناوين إقامة مستشفيات ومدارس وتقديم المعونات الغذائية"، وأكد "دلي" على أنه في حقيقة الأمر، تحول هذا النشاط إلى جهد استخباراتي بامتياز، ولعل مثل هذا النشاط في العراق وسوريا وليبيا والصومال وغيرها من المناطق، يؤكد هذه الحقيقة، ويترجم طبيعة المتاجرة بالشعارات الإنسانية والأخلاقية لمصلحة أجندة توسعية لها علاقة بالسيطرة والهيمنة من خلال إنشاء جماعات عسكرية تابعة لها، وتمكين هذه الجماعات من السيطرة وامتلاك عناصر القوة، تطلعا للوصول إلى السلطة. وأضاف "دلي"، قائلا: "تعتقد أنقرة أن الفجوات الأمنية التي خلفها تنظيم القاعدة بالمحافظات اليمنية، خصوصاً تلك المجاورة لشبوة وأبين، توفر أرضية ملائمة يمكن من خلالها استنساخ سيناريو تدخلها في ليبيا عبر تجنيد ونقل فصائل متطرفة، لكنها تتبنى فكراً وأيديولوجيا قريبة من جماعة الإخوان، علاوة على المرتزقة".
وعلى وقع هذا التهديد، بدأت الأصوات اليمنية تتعالى رفضاً لتلك المؤامرات، وتطالب بتعبئة وطنية شاملة ضدها. وفي اليمن، يقول مراقبون إن تركيا تترك بصمتها التخريبية في مناطق التوتر الغنية بالنفط، كما حدث في سوريا حيث تعاونت مع تنظيم داعش للحصول على نفط رخيص، ولاحقا في ليبيا. وقالت مصادر سياسية يمنية إنّ النظام التركي ما زال يتلمّس طريقه نحو الملف اليمني، ويعزز وجوده السياسي والإعلامي والاستخباري في الساحة اليمنية، انتظارا للتحولات التي قد يشهدها اليمن مع تلويح قيادات إخوانية مرتبطة بأنقرة بفتح باب التدخل التركي على مصراعيه نكاية بالتحالف العربي الذي تقوده السعودية. بشكل عام، يبدو أن تركيا لديها العديد من الأهداف الرئيسة من دخولها الملف اليمني، والتي تعتمد فيها بشكل رئيس على وكالة الأمن التركية وهي كالتالي:
الف) تعتزم تركيا زيادة وجودها ونفوذها في مضيق باب المندب من خلال دعم الجماعات القريبة منها في اليمن، وبالنظر إلى توافر وإمكانية استخدام قاعدة عسكرية في الصومال، وهي أقرب قاعدة عسكرية تركية لتلك المنطقة، فإن ذلك يسهل الأمر للأتراك.
ب) تنوي تركيا تعزيز جبهة الإخوان المسلمين في الملف اليمني، من خلال اتباع ذات الاستراتيجية السياسية التي اتبعتها في السنوات الأخيرة، لفتح جبهة جديدة ضد المحور السعودي الإماراتي، بسبب قربها الجغرافي من البلدين حيث لديها فرصة جيدة لإلحاق الأذى بهم، ومن ناحية أخرى، فإنها تزيد من قدرة تركيا على المساومة في ملفات أخرى في المنطقة، حيث تواجه بطريقة ما هذا المحور.
ج) في السياق الحالي للأزمة اليمنية، وخاصة التطورات في جنوب اليمن، التي تدخل في وضع حرج وحاسم، لا تنوي تركيا من خلال اتخاذ موقف سلبي، التأخر عن منافسيها الإقليميين الآخرين، الذين يلعبون دوراً مهمّاً في هذه المنطقة الاستراتيجية، لذلك لا تركز اعتبارات تركيا فقط على السعودية والإمارات.
وفي الختام يمكن القول إن تبعات تورط تركيا في ملف اليمن كبيرة جداً في حد ذاتها، وهذا سيؤدي إلى مواجهة أكثر خطورة بين محور الإخوان في المنطقة والمحور السعودي الإماراتي المصري، وهذا سيزيد من حساسية مصر والسعودية والإمارات فيما يتعلق بتحركات تركيا، التي يشار إليها باسم التحركات التي تهدف إلى تقويض الأمن العربي. وفي هذا السياق، سيكون لتدخل تركيا الأكثر جدية في الأزمة اليمنية مع قطر، تأثير كبير بلا شك على علاقات قطر مع الدول المحاصرة، إضافة إلى التأثير وتعقيد معادلات القضايا الأخرى، بما في ذلك الملف الليبي.