الوقت- في الذكرى الـ 32 لاعتلاء الزعيم الفلسطينيّ الراحل، ياسر عرفات "أبو عمار" منصة اجتماع المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ في دورته الـ19 بالجزائر، وإعلانه بحماسة "وثيقة استقلال دولة فلسطين، تصدر وسم (الاستقلال - 32) مواقع التواصل الاجتماعيّ، تخليداً لتلك الذكرى، ورغم اعتراف العشرات من دول العالم بحق الفلسطينيين في هذا الاستقلال، إلا أنّ تطبيقه على الأرض ما زال حلماً.
وثيقة الاستقلال
أعلن الرئيس عرفات دولة فلسطين وعاصمتها القدس في الـ 15 من تشرين الثاني 1988، بعد الإعلان الأول للاستقلال في تشرين الأول عام 1948 من قبل حكومة عموم فلسطين في غزة خلال انعقاد مؤتمر المجلس الوطنيّ.
ونص الإعلان حينها على تحقيق استقلال دولة فلسطين على أرض فلسطين وحدد القدس عاصمة أبدية لهذه الدولة، وقامت 105 دول بالاعتراف بهذا الاستقلال، وتم نشر ما يقارب الـ 70 سفيراً فلسطينياً في عدد من الدول المعترفة بالاستقلال، حيث كتب الشاعر محمود درويش وثيقة الاستقلال، وألقاها الرئيس الفلسطيني الراحل.
وتستند الوثيقة على الحق الطبيعيّ والتاريخيّ والقانونيّ للشعب الفلسطينيّ في وطنه، وقرارات القمم العربيّة، وقوة الشرعيّة الدوليّة، وممارسة الشعب العربيّ الفلسطينيّ لحقه في تقرير المصير والاستقلال السياسيّ والسيادة فوق أرضه.
وفي هذا الصدد، استندت الوثيقة الفلسطينيّة إلى الانتفاضة الشعبيّة التي اندلعت في الأراضي المحتلة قبل عام من هذا الإعلان، وقالت إن الفلسطينيين بهذا "التراكم الثوري النضاليّ" يؤكدون على حقوقهم الثابتة وممارستها فوق أرضهم، لكن الرسالة السياسية التي أرادتها القيادة الفلسطينية حينها تتلخص في توجهها نصا إلى "الأمم المتحدة لتتحمل مسؤوليتها تجاه الشعب الفلسطيني"، وإلى دول العالم "أن تعينها في تحقيق أهدافها بوضع حد لمأساة الفلسطينيين وتوفير الأمن لهم وإنهاء الاحتلال الصهيونيّ لأراضيهم.
اتفاق أوسلو
حددت الوثيقة أن تكون 42% من الأراضي للدولة الفلسطينيّة وفق قرار التقسيم "181" الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن منظمة التحرير وقعت بعد 5 أعوام اتفاق أوسلو عام 1993 واعترفت بالكيان الصهيونيّ وطالبت بدولة على حدود الأراضي التي احتلها العدو الغاصب في حرب 1967، التي نشبت بين العدو الغاشم وكل من مصر وسوريا والأردن في 5 حزيران 1967 واستمرت لعشرة أيام، وأدت إلى احتلال العدو لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربيّة والجولان وصنفت على أنّها ثالث حرب ضمن الصراع العربيّ الصهيونيّ.
ورغم فشل المفاوضات، حاولت السلطة تبني الخيار الدبلوماسيّ كاستراتيجيّة في عملها السياسيّ، وفي عام 2012 نجحت في الحصول على اعتراف أمميّ بفلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة، وفي عام 2015 حصلت على عضوية المحكمة الجنائيّة الدوليّة، ثم رُفع العلم الفلسطينيّ بين الدول الأعضاء في المنظمة الأممية، إلا أن هذا كله لم يسمح بتكريس الاستقلال على الأرض أيضاً.
ويعتقد بعض المحللين أنّ التراجع عما جاء في وثيقة الاستقلال بدأ منذ المشاركة الفلسطينيّة في مفاوضات مدريد للسلام عام1991، ثم اعتراف قيادة منظمة التحرير بالكيان الصهيونيّ ونبذ ما أسمته "العنف والإرهاب"، في إشارة إلى "الانتفاضة".
وبناء على ذلك، ولد اتفاق أوسلو على جثة وثيقة الاستقلال، وهو الذي انتهى بالفلسطينيين إلى حكم ذاتي محدود يدعو إلى دولة على 22% من أراضيهم، بعد أن طالبت وثيقة الاستقلال بضِعفي هذه المساحة وفق "قرار التقسيم، وأنّ القيادة الفلسطينية فقدت السند الداخليّ بالتنازل عن الانتفاضة الشعبيّة مقابل التسوية السياسيّة، وهو ما أضعف التضامن الدوليّ وشجع أنظمة عربيّة على التطبيع العلنيّ مع تل أبيب، وفق قناة الجزيرة القطريّة.
علاوة على ذلك، فإنّ الدول التي اعترفت بحق الفلسطينيين لم تتوافر لديها الإرادة السياسيّة لاتخاذ خطوات، كفرض العقوبات على العدو الغاشم لإجباره على دفع ثمن احتلاله وجرائمه بحق الأبرياء، بحسب الأمين العام للفدراليّة الدوليّة لحقوق الإنسان شعوان جبارين.
إضافة إلى ذلك، يعتقد جبارين أنّ أهم أسباب إفشال الاستقلال هو العامل العربيّ الذي لم يعد مفككا وضعيفا في موقفه من الحق الفلسطينيّ فحسب، بل أصبح في جزء منه متآمرا على الحقوق الفلسطينيّة باتفاقات التطبيع، إلى جانب أن الاحتلال الصهيونيّ ليس كأيّ استعمار في العالم، موجود على قاعدة إنهاء الآخر ويحظى بدعم عسكريّ وقوة اقتصاديّة، مقابل تسلح الفلسطينيين بحقهم دون أدوات فعالة لحمايته.