الوقت- يحاول الكيان الاسرائيلي وبدعم من الدول المطبعة معه تسويق فكرة أن الدول العربية ستلتحق بقطار التطبيع واحدة تلو الأخرى، ويتم تقديم وعود وآمال وإغراءات للدول التي ترغب بالتطبيع، وكل دولة لديها ملفات شائكة بشكل عام، وهنا تدخل أمريكا وتستغلّ ثقلها لتقديم بعض المزايا المؤقتة لهذه الدول لجرها نحو التطبيع، وكانت السودان آخر الأمثلة من خلال شطب اسمها من قائمة الارهاب، وفك الحظر الاقتصادي عنها، وحالياً تتجه الأنظار بعد السودان نحو المغرب ومعضلة الصحراء المغربية والاعتراف العالمي بها على اعتبار أنها منطقة متنازع عليها.
الأخبار المزيفة كثيرة حول قيام المغرب بخطوات عملية للتطبيع، منها اجتماعات مع دبلوماسيين أمريكيين واسرائيليين في أمريكا لوضع بنود التطبيع، لكن حتى الآن كل ما يشاع هو مجرد معلومات غير صحيحة، وخاصة أن الجانب الرسمي والشعبي المغاربي لايزال رافضاً للتطبيع.
الإمارات دخلت قبل مدة على خط تطبيع المغرب مع إسرائيل وبدأت تلوّح بأن الاعتراف الأمريكي والعالمي بمغربية الصحراء مرتبط باعتراف المغرب بإسرائيل، وكبادرة للمضي في هذا الاتجاه افتتحت دولة الإمارات قنصلية في الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، وذلك في محاولة من أبوظبي لإقناع ملك المغرب بتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، بزعم أن الطريق إلى الصحراء الغربية سيكون عبر "تل أبيب".
فبعد أيام قليلة من إعلان السودان القبول بإقامة علاقات مع "تل أبيب"، عقب مفاوضات أدت فيها أبوظبي دوراً ملموساً، أعلن الديوان الملكي المغربي أن دولة الإمارات ستكون أول دولة عربية تفتتح قنصلية لها في الصحراء الغربية المتنازع عليها.
ولفت البيان الصادر، الأربعاء 28 أكتوبر، إلى أن القنصلية ستكون في مدينة العيون، أكبر مدن الصحراء الغربية، وأن القرار جاء بعد اتصال هاتفي بين العاهل المغربي الملك محمد السادس، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وعلى الرغم من الحديث الدائر بشأن اقتراب المغرب من الانضمام إلى قطار التطبيع الذي يستهدف عدّة محطات عربية وخليجية برعاية أمريكية وبدعم إماراتي، فإن الموقف الشعبي من هذه الخطوة قد يدفع البلاد نحو اضطرابات لا يعرف مداها، وخاصة أن قضية فلسطين لا تقل مصيرية لدى المغاربة عن قضية الصحراء، كما يقول البعض.
ويمكن تلمّس هذه الحقيقة في موقف الشارع المغربي من التطبيع الإماراتي، والذي كان مختلفاً بشكل جذري مع الموقف الرسمي الذي آثر الصمت ولم يبد موقفاً واضحاً من الخطوة الإماراتية.
ورغم أن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني أكد تحت ضغط شعبي رفض بلاده التطبيع مع الكيان الصهيوني، فإن هناك من خرج ليقول إن العثماني لا يتحدث باسم المغاربة، وإن السياسة الخارجية المغربية وقف على الملك وحده.
وحتى كتابة هذه السطور لا تزال تتواصل ردود الفعل الشعبية والحزبية المنددة بتطبيع دول عربية مع إسرائيل، بعد الإعلان عن انضمام السودان إلى كل من الإمارات والبحرين في إقامة علاقات مع تل أبيب، ففي مطلع هذا الاسبوع أعرب مشاركون في مؤتمر عبر منصة زووم بعنوان "مغاربيون ضد التطبيع" السبت، عن رفضهم لضغوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الدول العربية من أجل التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدين استنكارهم لخطوات التطبيع.
وشارك في المؤتمر الداعم للقضية الفلسطينية، هيئة علماء فلسطين في الخارج وعدد من المؤسسات بدول المغرب العربي (موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا).
وقال البيان الختامي للمؤتمر: إن "الاعتراف بحق الكيان الصهيوني في أرض فلسطين باطل شرعاً وقانوناً، ويتنافى مع أبسط قواعد الأخلاق وحقوق الإنسان"، مستنكراً تطبيع بعض الأنظمة العربية مع الاحتلال.
وطالب البيان بعدم الاستجابة للضغوط التي تمارسها أمريكا، مؤكداً أن "وقوف الحكومات مع شعوبها الرافضة للتطبيع، هو الضمانة لها والحماية لوجودها".
وشدد البيان الختامي على أن فلسطين هي قضية الأمة جمعاء، وأنها في قلب كل مواطن مسلم وحر، مشيراً إلى أن لفلسطين في قلوب المغاربة مكانة لا تطاولها أي مكانة على الإطلاق.
وفي وقت سابق أعلنت الحكومة المغربية رفضها لأي تطبيع للعلاقات مع إسرائيل، ورفض أي عملية تهويد أو التفاف على حقوق الفلسطينيين والمقدسيين وعروبة وإسلامية المسجد الأقصى والقدس الشريف.
وأدان كتاب ومثقفون من المغرب خطوة الإمارات التطبيعية، معلنين عن رفضهم للخطوة، وقال بيان صادر عن كتاب ومثقفون، إن هذه الخطوة تمثل خطراً على القضيَّة الفلسطينيَّة، وعلى مصير الأُمَّة العربيَّة.
وقال البيان: إن "هذا الإعلان من قبل دولة الإمارات، يأتي في سياق دور تخريبيٍّ طالما لعبته في المشهد السياسي العربي، لم ولا يخدم سوى المصالح الصُّهيونيّة في المنطقة، عبر العمل على تحطيم وإضعاف عواصم عربيَّة ذات إرث ثقافيّ عريق
من خلال ما تقدم ، نجد أن احتمالية تطبيع المغرب مع اسرائيل شبه مستحيلة، وبالنظر إلى رهانات التطبيع، نجد أولها هو تمرير القدس عاصمة لإسرائيل، واستكمال الوعد البلفوري الجديد الذي قدمه ترامب بحسم العاصمة "الأبدية" لإسرائيل على حساب الحل الأممي المتوافق عليه بجعل القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو القرار الذي لم يتردّد ملك البلاد، محمد السادس، في رفضه، في رسالة واضحة اللغة والمضمون إلى الرئيس ترامب نفسه، وعدم الاكتفاء بتصريحات أو بلاغات دبلوماسية، تكاد تكون مكرورة في العالم العربي. وملك المغرب يترأس لجنة القدس، إرثاً وامتداداً والتزاماً، وبالتالي، كان قرار نقل السفارة امتحاناً أولياَ، ولم يترك المغرب فترته تمرّ بأي التباس، وكان واضحاً، وقدر المغرب أن القضية محفوفة بأسئلة كثيرة وألغامها، وكان لافتاً أن محمد السادس تحدث في رسالته في كانون الأول 2017، بصفته "رئيساً للجنة القدس، المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، التي تضم 57 دولة تمثل أكثر من مليار مواطن"، كما تحدّث عن عواطفه الشخصية، في الوقت ذاته، بالحديث عن "انشغاله الشخصي العميق.."، وذكر بثوابت الحل، ورفض تغيير معايير القضية في المحفل الأممي، بالتأكيد على أن "القدس، بحكم القرارات الدولية ذات الصلة، بما فيها على وجه الخصوص قرارات مجلس الأمن، تقع في صلب قضايا الوضع النهائي، وهو ما يقتضي الحفاظ على مركزها القانوني، والإحجام عن كل ما من شأنه المساس بوضعها السياسي القائم". ومن البديهي أن التطبيع لن يساعد في الحفاظ على المركز القانوني للقدس، ولا وضعها في صلب الحل النهائي للقضية برمتها.