الوقت- أعلن نجم الجبوري، مُحافظ نينوى العراقي ، مؤخراً، عن إنشاء خط سكة حديد بين الموصل وتركيا، وأوضح الجبوري أن الخطة تهدف إلى تقليص الحركة البرية على حدود خابور - إبراهيم خليل ، وأكد على جهود الجانبين للإسراع في تنفيذ المشروع، كما وصفت تركيا جهود بناء خط سكة حديد مع العراق بأنها عملية "إعادة إعمار كبرى".
إن بناء خط السكك الحديدي هذا، جاء في الوقت الذي أولت فيه إيران، كجار آخر كبير للعراق والشريك التجاري الأول لبغداد، اهتماماً خاصاً في السنوات الأخيرة لربط السكك الحديدية في البلدين.
محافظة الموصل.. محل توجه النظرة العثمانية المتجددة
تعتبر ولاية الموصل، التي تضم محافظات أربيل ودهوك ونينوى وكركوك والسليمانية وأجزاء من صلاح الدين وديالى الحالية، من أهم الأراضي التي طالما تحسّر عليها القادة العسكريون الأتراك في السنوات التي أعقبت انهيار الخلافة العثمانية، وكانت هذه الولاية، وهي واحدة من أغنى المناطق في العالم من حيث احتياطيات النفط، قد انفصلت عن الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى وأصبحت جزءاً من الحكومة العراقية الناشئة تحت الانتداب البريطاني.
فيما يتعلق بخط سكة الحديد التركية الجديدة مع الموصل، يمكن أيضاً اعتبار هذه النظرة التاريخية، إحدى الممهدات التاريخية لهذا القرار الاستراتيجي، وفي الواقع، في سنوات انحدار الدولة العثمانية ، التي صاحبتها القوة المتزايدة للأوروبيين في العالم ، منذ بداية القرن التاسع عشر ، عندما لفتت السكك الحديدية والقطارات انتباه القوى العظمى، سعى حكام هذه الإمبراطورية إلى إنشاء خطوط سكك حديدية للدول القابعة تحت سيطرتهم لإنشاء شبكة اتصالات واسعة النطاق على جدول الأعمال.
واتُخذت إجراءات واسعة في هذا الصدد، وكان ربط مدينة القدس الفلسطينية بسوريا والحجاز والمدينة المنورة حلم الملك العثماني، وفي هذه الأثناء، في عهد الإمبراطورية العثمانية، تم بناء خط سكة حديد اسطنبول - بغداد في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني.
ومع ذلك، فإن الظروف التي فرضت نفسها ما بعد الحرب العالمية الأولى، والانهيار العثماني، والأحداث التي تلت اتفاقية سايكس بيكو وتأسيس العراق وسوريا، تركت جزءاً كبيراً من مرافق السكك الحديدية في العهد العثماني خارج سيطرة الجمهورية التركية.
في الواقع، مع انهيار الإمبراطورية العثمانية واقتسام أراضيها، أصبح جزء كبير من خطوط السكك الحديدية، يقع خارج تركيا وأصبح غير نشط، وحتى الآن على ما يبدو، يعتزم أردوغان تحقيق هذا الحلم التاريخي المتمثّل في بناء خط سكة حديد بين تركيا والعراق.
أهداف أردوغان الاقتصادية لبناء خط سكة حديد
يمكن تقييم جانب مهم آخر للحكومة التركية في بناء خط السكك الحديدية، هو فيما يتعلق بالأهمية الاقتصادية الخاصة لهذا المشروع بالنسبة للحكومة التركية، وفي بداية الأمر، من الضروري الانتباه إلى حقيقة أنه بسبب الضعف المالي للحكومة العراقية، يبدو أن الشركات الخاصة التركية ستنفذ هذا المشروع، وهذا يعني أن نوعاً من الإيرادات يتم إنشاؤه تلقائياً لشركات إنشاء الطرق التركية ويتم إيداع جميع الأرباح من إنشاء هذا المشروع في جيوبهم.
بالإضافة إلى ذلك ، يبلغ حجم التجارة السنوية بين تركيا والعراق حوالي 16 مليار دولار، ويمكن لخط سكة الحديد بين الموصل وتركيا أن يزيد هذا المبلغ. كما أن تركيا تُصدّر بضاعاتها إلى العراق عبر معبري إبراهيم خليل وخابور الحدوديتين في إقليم كردستان.
ودائماً ما يعترض التجار الأتراك على دفع الجمارك مرتين، أحدهما على الحدود مع اقليم كردستان والآخر على الحدود مع العراق. والآن يبدو أن خط سكة الحديد هذا يسهل تبادل البضائع والسفر بين البلدين ويُخرج إقليم كردستان من دائرة الضرائب ، ويمكن لخط السكة الحديد هذا تسريع السفر من جهة وتسهيل وزيادة مستوى العلاقات الاقتصادية بين الحكومة المركزية من جهة أخرى بين العراق وتركيا من خلال إبعاد اقليم كردستان عن عملية استلام الجمارك من التجار الأتراك.
الدخول في تحدي التنافس مع طهران
على صعيد آخر، قرأ العديد من المراقبين بناء الخط الحديدي، أنه جزء من التنافس بين تركيا وإيران في العراق، فمن ناحية، تعتزم تركيا الوصول إلى مياه الخليج الفارسي دون الحاجة إلى الاتصال بإيران، ومن ناحية أخرى، تعتزم أنقرة استخدام خط السكة الحديدية هذا كأداة للتنافس مع النفوذ الثقافي الإيراني في العراق.
تأتي جهود أنقرة في وقت تتمتع فيه إيران بمكانة خاصة أكثر بكثير من تركيا في استغلال مزايا السكك الحديدية، إذ مع وجود ما يقارب 1،458 كم من الحدود المشتركة مع العراق، لم يتبق سوى 32 كم حتى اكتمال خط سكة حديد الشلامجة - البصرة مع ايران، لذا فإن الاستثمار في خط سكة حديد مباشر بين إيران والعراق يمكن اعتباره ضرورة لا يمكن إنكارها لطهران في الوضع الحالي.