الوقت- بعد الإعلان عن اتفاق لتطبيع العلاقات بين دولة الإمارات والكيان الصهيوني الشهر الماضي، شدد مسؤولون أمريكيون وصهيونيون على ضرورة استمرار عملية التطبيع بين مختلف الدول العربية، وبالفعل يوم الجمعة الماضي، تم الإعلان عن انضمام مملكة البحرين كدولة أخرى إلى عملية التطبيع. ومن المتوقع الآن أن تنضم بعض البلدان الأخرى في الأيام والأسابيع المقبلة إلى قطار التطبيع مع الكيان الصهيوني ويعتقد العديد من الخبراء السياسيين أن سلطنة عمان هي الدول الأكثر ترجيحًا التي سوف تقوم بتطبيع علاقاتها مع تل أبيب خلال الفترة المقبلة. وحول هذا السياق، أفادت تقارير إعلامية أن مسقط رحبت قبل عدة أيام بتطبيع العلاقات بين البحرين والكيان الصهيوني، وهو ما يعني على الأرجح اقتراب موعد إعلانها لموقف رسمي مماثل للتطبيع مع الصهاينة.
الجدير بالذكر أن رئيس الحكومة الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" زار سلطنة عُمان والتقى السلطان "قابوس بن سعيد" في عام 2018 ولقد بث التلفزيون العماني مشاهد استقبال السلطان "قابوس" لـ"نتنياهو" والوفد المرافق. وفي ذلك الوقت أوضحت وسائل إعلام إسرائيلية أنه تم دعوة "نتنياهو" وزوجته لزيارة السلطنة بعد اتصالات متواصلة بين الطرفين العُماني والإسرائيلي وشارك في الزيارة رئيس الموساد الإسرائيلي وهيئة الأمن القومي ومدير عام الخارجية الإسرائيلية، وقد تناول اللقاء سبل دفع عملية السلام في الشرق الأوسط.
ورغم إقامة سلطنة عمان علاقات دبلوماسية واستخباراتية خفيفة مع إسرائيل بعد التوقيع على اتفاق أوسلو عام 1993، إلا أن تلك العلاقات لا تعود إلى هذا التاريخ في الواقع، بل إلى نحو 40 عاما مضت. فجذور فكرة التطبيع العماني بدت واضحة عندما كانت السلطنة الدولة العربية الوحيدة التي اعترفت باتفاق السلام المصري الإسرائيلي في "كامب ديفيد" عام 1979 في وقت اتجهت فيه العديد من الدول العربية إلى مقاطعة القاهرة احتجاجا عليه. وتحولت الفكرة إلى واقع رسمي عندما قام رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "إسحاق رابين" بزيارة إلى عمان عام 1994؛ حيث استقبله آنذاك السلطان "قابوس بن سعيد". ورغم كونه اللقاء الأول بينهما، إلا أنه اتسم بطابع استراتيجي؛ حيث ناقشا قضايا مثل تبادل المياه وكيفية تحسين إمداداتها، ما بدا حينها مؤشرا على اتجاه عماني قوي للحاق بركب أوسلو. وعزز من ترجيح هكذا اتجاه، استضافة رئيس الوزراء الإسرائيلي المؤقت "شمعون بيريز" لوزير الخارجية العماني "يوسف بن علوي" في القدس بعد عدة أيام من اغتيال "رابين" عام 1995، وتوقيع اتفاق بين الجانبين في كانون الثاني 1996، يقضي بافتتاح متبادل لمكاتب تمثيل تجاري.
لكن العلاقات العمانية الإسرائيلية عادت إلى التجمد مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في تشرين الأول 2000، ولم تعد إلى سابق مسارها إلا في عام 2008، عندما التقى "بن علوي" وزيرة الخارجية الإسرائيلية "تسيبي ليفني" خلال زيارتهما لقطر. وظلت علاقات التطبيع تراوح بين اتصالات سرية ولقاءات علنية لـ"بن علوي" ومسؤولين إسرائيليين؛ حتى التقى "نتنياهو" وزير الخارجية العُماني عام 2017، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي مثل نقطة تحول مهدت لثاني زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي إلى مسقط. ووفق بعض التقارير الاخبارية، تمثلت نقطة التحول في تطوير للاتصالات بين إسرائيل وعُمان في نيسان 2017، تحت إشراف جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي "الموساد"، وصولا إلى ترتيب لقاء "نتنياهو- قابوس". وجاء إعلان الزيارة في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2018، مفاجئا؛ إذ أورده التليفزيون العماني الرسمي وأفرد له مساحة تغطية خاصة.
ولكن وعلى الرغم من وجود هذه الأسس لإعلان السلام بين سلطنة عمان وإسرائيل، إلا أن مسقط تدرك جيدًا أن الكيان الصهيوني لم يتخذ أي خطوات نحو المصالحة السياسية مع الفلسطينيين في العقود الأخيرة فحسب، بل إن تحالف حكومة "نتنياهو" اليمينية و"ترامب" يسعى إلى القضاء على القضية الفلسطينية من خلال تهميشها وإزالة فلسطين من الخارطة الجغرافية للمنطقة، وهذا الامر لا يعتبر خطوة نحو السلام ولن يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة، ولكنه سيشعل أيضًا النار التي تشتعل تحت الرماد في علاقات إسرائيل مع الفلسطينيين.
ومن ناجية أخرى تدرك مسقط جيدًا حساسيات طهران (محور المقاومة) كمحور مهم في المعادلات الإقليمية من وجود الصهاينة في منطقة الخليج الفارسي، ولهذا فإنه من الطبيعي أن ترى طهران هذه الخطوة العمانية بأنها مخالفة لمبدأ الحياد وهذا الأمر تؤكده التدريبات والمناورات العسكرية الأخيرة التي قامت بها إيران وردود الفعل الغاضبة لكبار المسؤولين الإيرانيين فيما يتعلق بتصرفات الإمارات والبحرين وتطبيعهما للعلاقات مع الكيان الصهيوني؛ كما أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين والصهاينة حول هدف التطبيع، وهو إنشاء تحالف مناهض لإيران بين حّكام وأمراء الخليج الفارسي والكيان الصهيوني، تؤكد واقعية وجهة نظر طهران. وهنا ينبغي علينا أن نكون أكثر دقة، يدرك القادة في عُمان حقيقة أن الاتفاق مع إسرائيل يعني الاصطفاف مع التحالف الإقليمي ضد إيران الذي تسعى إليه الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة الدراماتيكية جاءت لتقليص قوة محور المقاومة، إلا أن العديد من المراقبين يرون بأن هذه الخطوة لن يكون لها أدنى تأثير ميداني على تغيير المعادلات الإقليمية لمصلحة السعوديين والصهاينة - لأن هذا التعاون موجود منذ عقود في جميع المجالات ولكنه تم الكشف عنه مؤخراً. ولهذا فإن طهران سوف تعتبر هذه الخطوة بأنها خطوة غير ودية من جانب عُمان.
وعند قياس ودراسة ثقل الإنجازات والتحديات، يبدو أن دور سياسات مسقط الاستراتيجية في الإعلان عن دعم السلطنة للتطبيع أو حتى الانضمام إلى قطار التطبيع في الأيام المقبلة، تؤثر على عمل حكّامها وأن هذا الدور يُعد أقل بكثير من دور الضغوط الخارجية التي يتم فرضها على عُمان للإسراع بإعلان التطبيع. ومما لا شك فيه أن سياسة عُمان في التعامل مع الضغوط الخارجية من الإمارات والولايات المتحدة تؤثر وتتأثر بالوضع الاقتصادي للبلاد ونقاط الضعف التي تعاني منها مسقط في هذا المجال. وفي هذا الصدد، أعلنت مجموعة مخابرات "سوفان" في الولايات المتحدة (التابعة لعلي سوفان ضابط مخابرات الأف بي أي السابق) عن مؤامرة يقودها ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" ضد سلطان عمان "هيثم بن طارق". ووفق هذه المجموعة، تعتبر الإمارات من أكبر المستثمرين في عمان، وقد ضغط "بن زايد"، إلى جانب إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، على سلطان عمان لتطبيع علاقات بلاده مع الكيان الإسرائيلي.
ومنذ عام 1992، عندما بدأت العلاقات التجارية بين مسقط وأبو ظبي، أصبحت الإمارات أكبر شريك تجاري لسلطنة عمان في مجلس التعاون الخليجي وبلغ حجم التجارة غير النفطية بين الإمارات وسلطنة عمان في عام 2017 حوالي 36 مليارًا دولار. ولكن هذه العلاقات المتنامية طغت عليها الخلافات بين البلدين خلال العام الماضي، ومع تصاعد التوترات بين البلدين، أفادت مصادر عربية بجهود سلطان عمان الجديد، "هيثم بن طارق"، لتقليل الاعتماد الاقتصادي على الإمارات. وفي هذا الصدد، ألغت عُمان في يوليو من هذا العام مشروعًا مهمًا مع الإمارات بقيمة مليارات الدولارات وخلال الفترة الماضية أشرفت شركة "داماك" الدولية المملوكة لدولة الإمارات على عدد من المشاريع المهمة في عمان، بما في ذلك تطوير ميناء السلطان "قابوس". وفي عام 2017، حصلت دولة الإمارات على عقد لتحويل المنطقة إلى وجهة للاستثمار السياحي وتقّدر مصادر عربية أن الشركات الإماراتية ستخسر أكثر من 400 مليار دولار لإلغاء عقودها في سلطنة عُمان.
ولقد أدى إلغاء الاتفاقية بين "داماك" الدولية و"عمران" (الذراع الاستثماري لوزارة السياحة العمانية) إلى ظهور بعض التكهنات التي تفيد بأن السطان "هيثم بن طارق" يريد تعزيز موقفه المحايد بشأن القضايا الجيوسياسية الإقليمية. ومع ذلك، فإن انخفاض أسعار النفط خلال العام الماضي وتفشي فيروس "كورونا" قد وجه ضربة كبيرة لاقتصاد البلاد. وسلطنة عُمان هي الدولة الـ 25 المنتجة للنفط الخام في العالم، وتنتج حوالي مليون برميل في اليوم. ويعتمد اقتصادها، مثل اقتصاد العديد من دول الشرق الأوسط، على عائدات النفط وأكثر من 67٪ من دخل البلاد يأتي من صناعة النفط والغاز.
وفي أبريل من هذا العام، توقع معهد "موديز" أن يصل عجز الموازنة العمانية إلى 13٪ ويقّدر المعهد أن عُمان والبحرين، منتجي النفط الأكثر ضعفاً من حيث الائتمان بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي. كما صنفت وكالة التصنيف الائتماني عمان بين المنتجين الذين قلّلت ميزانياتهم المالية الضعيفة من قدّرة حكوماتهم على الاستجابة لانخفاض أسعار النفط. ولهذا السبب، أعلن معهد "بلومبرج" في يونيو الماضي أن عُمان تجري محادثات مع دول خليجية أخرى حول احتمال تلقي مساعدات مالية ويبدو أن هذا هو السبب الرئيس لاتجاه مسقط لدعم تطبيع الإمارات والبحرين مع الكيان الصهيوني.