إن الخيار الوحيد الذي ترضى به التيارات السياسية لمحور المقاومة هو انسحاب القوات الأجنبية والأمريكية من العراق بشكل كامل. ومن المؤكد انه ، إذا لم تجلِ الولايات المتحدة قواتها من العراق، فإن البلاد ستشهد وضعاً مأساويا وصراع عسكري محتدم مثلما حدث في العراق بعد عام 2003.
الوقت- أحدثت التطورات التي أعقبت عام 2011 ، والتي رافقتها ثورات شعبية في بعض الدول العربية، مرحلة جديدة من المعادلات أدت إلى إضعاف الحكومات المركزية وظهور الجماعات الإرهابية نتيجة الفجوات الأمنية والصراعات الداخلية، وفي غضون ذلك، كان العراق من أكثر البلدان التي عانت من هذا الاضطراب.
منذ أوائل عام 2014 ، سيطر تنظيم داعش الإرهابي، المدعوم من الدول الغربية والعربية ، وخاصة السعودية والكيان الصهيوني ، على حوالي ثلث مساحة أراضي العراق. ونتيجة لذلك ، انتشرت في عام 2014 ، قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة بقوام 5000 جندي في قواعد عسكرية عراقية مختلفة. لكن بعد هزيمة تنظيم داعش والقضاء على خلافة أبو بكر البغدادي المزعومة، شهدت الساحة السياسية العراقية انبثاق أجواء سياسية جديدة.
في ظل هذه الظروف الجديدة، طالبت الحكومة العراقية ومختلف الأحزاب السياسية ، بانسحاب القوات الأجنبية ، وخاصة القوات الأمريكية من العراق ، لكن خلافًا لهذه المطالبات ، طالبت واشنطن باستمرار وجود قواتها في مختلف القواعد العسكرية. وأدى ذلك الى شن هجمات عسكرية من قبل جبهة المقاومة العراقية في السنوات القليلة الماضية ، وخاصة في الأشهر الأخيرة ، ضد قوات الاحتلال الأمريكية.
وفي ظل الوضع الراهن ، وعلى الرغم من إصرار مسؤولي البيت الأبيض على عدم النزول عند رغبة الشعب العراقي وخلافًا لقرار البرلمان العراقي القاضي بطرد القوات الأجنبية، تظهر الأدلة أن البنتاغون في مأزق كبير بعد سلسلة الهجمات الأخيرة على القوات الأمريكية في العراق ، حيث تشير التقارير إلى أن القواعد العسكرية الأمريكية في العراق تقلصت اعدادها من 20 إلى أربع قواعد فقط.
عودة كابوس العراق للجيش الأمريكي
على مدى السنوات القليلة الماضية، ولا سيما أثناء وجود تنظيم داعش في العراق ، صبّت فصائل المقاومة العراقية جل تركيزها على محاربة هذا التنظيم الإرهابي وصرفت النظر عن التعرض للقوات الأمريكية المحتلة ، وأصبحت أولوية الزعماء السياسيين والرأي العام هي تحرير البلاد من دنس داعش بشكل أساس والمناطق التي احتلها التنظيم الارهابي هذا.
لكن في ظل الوضع الجديد، وخاصة بعد الضربة الأمريكية بطائرة دون طيار العام الماضي على قادة المقاومة قرب مطار بغداد، فإن الرأي العام العراقي الداعي إلى الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية وإنهاء الوجود الأمريكي في العراق، شرعن العمليات المناهضة للقوات الامريكية في العراق ويراها أولوية لاستقرار العراق وسيادته.
والحقيقة أن القوى المنضوية تحت لواء جبهة المقاومة تقاتل قوات الاحتلال دون خوف او ملل ، وخاصة القوات الأمريكية. إذ لم تسلم السفارات والقواعد العسكرية الأمريكية من هذه الهجمات ، ووفقا لقادة عسكريين أمريكيين في العراق ، لا يوجد ملجأ أو مقر أمريكي الا واستهدفته قوات المقاومة، بعد أن كانت هذه السفارات والقواعد العسكرية ملاذًا آمنًا للأمريكيين سابقًا الى حد ما.
في الواقع ، إذا كانت بعض التيارات السياسية في الماضي مترددة بشأن الهجوم على القوات العسكرية الأمريكية ، فإن قوات الجيش الأمريكي بات عليهم مواجهة المقاومة العراقية. وتجلى هذا الأمر بصورة أوضح بعدما أدرك الأمريكيون ذلك أيضًا واتخذوا في الأشهر الماضية خطوات للحد من قواعدهم العسكرية، لأنهم يعلمون جيدًا أنهم لم يعد لهم أمان في أي مكان في العراق ولا يمكنهم ممارسة نشاطاتهم كما هو الحال في السابق.
عندما تنتهي التوقعات
عندما تم التوصل إلى اتفاق استراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق في عام 2009 لسحب القوات الأمريكية من العراق عند نهاية عام 2011 ، كان المواطنون العراقيون والفصائل السياسية يتشوقون لخروج المحتل من البلاد في غضون السنوات الثلاث المقبلة. وفي تلك الآونة ، كانت فترة الثلاث سنوات لا بأس بها بالنسبة للعراقيين واعتبروها خطوة إيجابية، لكن الوضع الجديد في العراق حاليًا، أدى إلى خلق أجواء يرفض فيه الرأي العام ومختلف الكتل والأحزاب السياسية الانتظار لمدة عام حتى وليس 3 أعوام لخروج القوات الأمريكية.
خلال زيارة مصطفى الكاظمي لواشنطن في آب 2020 ، تم التوصل إلى اتفاق بين الوفد العراقي وترامب لسحب القوات الأمريكية من العراق في غضون ثلاث سنوات ، لكن ما حدث من ردود فعل قياسًا مع عام 2009 ، يظهر أن هذا الاتفاق الجديد لم يلق ترحيبًا كسابقه، بل إن معظم التيارات السياسية ، وخاصة القوى السياسية لجبهة المقاومة ، أدانت بشدة مثل هذا الاتفاق واعتبرته غير مقبول.
حقيقة الأمر هو أن أغلب التيارات السياسية العراقية ترفض مدة الـ3 سنوات المتفق عليها وتشدد على ضرورة تنفيذ قرار مجلس النواب العراقي الذي تم تمريره في الخامس من كانون الثاني (يناير) 2020 القاضي بجلاء القوات الأجنبية من البلاد. ومن وجهة النظر العراقية ، فإن قرار مجلس النواب لا يقبل بأي شروط مسبقة أو مدة زمنية معينة لتنفيذه.
في غضون ذلك ، فإن الخيار الوحيد الذي ترضى به التيارات السياسية لمحور المقاومة هو انسحاب القوات الأجنبية والأمريكية من العراق بشكل كامل. ومن المؤكد انه ، إذا لم تجلِ الولايات المتحدة قواتها من العراق، فإن البلاد ستشهد وضعاً مأساويا وصراعاً عسكرياً محتدماً مثلما حدث في العراق بعد عام 2003.