الوقت- لم تكد نشوة توقيع اتفاق التطبيع الاستسلامي بين دويلة الإمارات العربية المتحدة والكيان الإسرائيلي تنتهي حتى تفاجأ عيال زايد بأنّهم تورطوا في اتفاقٍ أبعدهم عن محيطهم العربي والإسلامي، ولم يُقربهم من أعدائهم، ويكتشف صبية الإمارات بأنّ استيراد طائرات الـ F-35 التي كانوا يُمنون أنفسهم بها لن تتم، وأنّ توقيع الاتفاق ليس أكثر من مجرد هديّة مجانية للكيان الإسرائيلي ورئيس وزرائه الذي بات يبحث عن أيِّ انتصاراً حتى لو كان التطبيع مع الإمارات، فهو المُقبل على انتخابات مُبكرة ويُريد الظهور أمام أنصار بأنّه مُحقق السلام في المنطقة وهذا من حقِّه طبعا، غير أن السؤال الذي بقي مُعلقاً؛ ماذا استفاد عيال زايد من توقيع اتفاق تطبيعي لم يجلب لهم سوى المذلة، ولم يُحقق لهم أيّ فائدة، ليُقرروا مساء الجمعة الفائتة إلغاء اجتماع كان مُقرر بين الإمارات وأمريكا والكيان الإسرائيلي على مستوى سفراء الأمم المُتحدة، وكان من المُقرر أن يكون هذا الاجتماع احتفالياً حيث دُعيت إليه مختلف وسائل الإعلام.
خيبة أمل
ضمنيّاً؛ كان الإماراتيون يعلمون جيداً أنّه من الصعب عليهم الحصول على طائرات الشبح، غير أنّهم لم يتوقعوا أن يُهانوا على هذه الشاكلة، بعد أن خرج رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصرّح علناً أنّه وكيانه يُعارضون صفقة مقاتلات "إف 35" وهو الأمر الذي أثار استياء الإماراتيين، خصوصاً وأنّهم قد دخلوا للتو بحلفٍ مع الكيان الإسرائيلي إثر توقيعهم اتفاقية التطبيع.
من الواضح أنّ المسؤولين الإماراتيين قرروا إلغاء الاجتماع لإرسال رسالة إلى الكيان الإسرائيلي بأنهم يشعرون بخيبة أمل من تصريحات نتنياهو العلنية بشأن بيع طائرات الشبح لدولة الإمارات، كما باتت وسائل إعلام الكيان تتداول أخباراً تؤكد أنّ نتنياهو ينوي معارضة صفقة الأسلحة عندما يتعلق الأمر بالكونجرس الأمريكي.
كان يتوقع ساسة الإمارات بأنّ نتنياهو حتى لو عارض تنفيذ صفقة الطائرة، فإنّه لن يعارضها علنا، غير أنّ نتنياهو خالف توقعاتهم وعبّر عن معارضته علانية، وهنا شعرت الإمارات أنه يتصرف بما يتعارض مع روح التطبيع بين الطرفين بالطبع كما فهموا التطبيع هم، وهنا تأتي رسالة أبو ظبي في إلغاء الاجتماع الثلاثي هي أنه لن تكون هناك اجتماعات سياسية عامة بين البلدين حتى يتضح موقف الكيان الإسرائيلي من صفقة الطائرات.
الكيان: لا تفوّق عربي
على مدى أربعة عقود مرّت منذ توقيع أوّل اتفاقيّة تطبيع مع الكيان الإسرائيلي والتي وقّعتها مصر؛ وتلتها السلطة الفلسطينية في أوسلو وأخيراً اتفاقية وادي عربة مع الأردن ومن ثُمّ ظلّت الولايات المُتحدة وفيّة للكيان الإسرائيلي وحافظت على التفوق العسكري للكيان، ويؤكد خبراء الكيان السياسيون أنّ الولايات المُتحدة أبدت التزاما قويا للغاية بأنه وفي ظل جميع الظروف، سيتم ضمانة التفوق النوعي للكيان الإسرائيلي، وعلى أرض الواقع قد ثبت صحة ذلك على مدى أربعة عقود من اتفاقيات التطبيع.
وفي الأمس كرر نتنياهو تأكيده أنّ صفقة التطبيع الاستسلاميّة مع الإمارات لم تتضمن أي اتفاق بشأن مبيعات الأسلحة، وأضاف بعد اجتماعه مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو "لا أعرف أي صفقة أسلحة تم الاتفاق عليها؛ موقفنا لم يتغير، موقف الولايات المتحدة بأنها ستحمي دائما التفوق النوعي لإسرائيل".
رسالة إلى المُهرولين
ليس من الواضح ما إذا كان إلغاء الاجتماع المذكور سيؤثر على اتفاقية التطبيع بين الإمارات والكيان الإسرائيلي، غير أنّ الحال السّيء الذي وصل إليه حُكّام الإمارات بات يُشكل جرس إنذارٍ لبقيّة الدّول التي كانت تُهرول إلى التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وتحوّلت الإمارات من أُنموذج للتطور والرفاهية لعبرةٍ لبقيّة الدول، فلا هي طالت عنب الشام وبلح اليمن، وعادت من ذلك الاتفاق المشؤوم بخُفي حنين.
ومن التعليقات التي كتبها أحد ساسة الكيان تعليقاً على إلغاء الإمارات ذلك الاجتماع بقوله: "هل يعتقد الإماراتيون أننا أغبياء لهذه الدرجة؟ ماذا لو قامت ثورة هناك وانتقلت مُلكية تلك الأسلحة من يدِ حُكام الإمارات الحاليين إلى ثوّارٍ لن يستطيع أحدٌ لجمهم، هل سنتركهم يقصفوننا في بيوتنا؟ ماذا نفعل حينها؟ من الأفضل استشراف المُستقبل والوقوف بوجه هذه الصفقة منذ الآن، الشرق الأوسط دائم التّغيُّر، ولا أحد يعلم ماذا سيحدث غداً".
وفي النهاية فإنّ الاجتماع الذي ألغته الإمارات وعلى الرغم من سذاجته؛ غير أنّه من المُحتمل أن يُشكل مسماراً آخر في نعش ترامب السياسي، فهو الذي كان ينتظر أن رفع هذه الاجتماع من أسهمه السياسية وأنّه "رجل سلام"، فمن الواضح أنّ الاجتماع المُلغى كان حيلة انتخابية من قبل ترامب، حيث كان من المقرر أن يعزز التوقيع الاحتفالي على الصفقة مع الكيان الإسرائيلي وبحضور مسؤولين أمريكيين حملة إعادة انتخاب ترامب.