الوقت- بعد إعلان عيال زياد تطبيع دويلتهم المُسمّاة "الإمارات العربية المُتحدة" مع الكيان الإسرائيلي، باتت الأنظار تتجه إلى مملكة آل سعود، كونها المُستهدف التالي بعمليات التطبيع، وهل ستلحق بركب عيال زايد في هذا التطبيع، وتكون الدولة العربية الرابعة التي تُطبع مع الكيان، بعد مصر والأردن والإمارات.
الكثير من الخبراء والمُحللين رأوا أنّ مسألة التطبيع السعودي مع الكيان الإسرائيلي ليست إلا مسألة وقت، غير أنّ الواقع يُخبرنا أنّ آل سعود لن يُقدموا على هذه الخطوة التي ستُعتبر بمثابة إطلاق النار على النفس وانتحار سياسي، حيث لا تزال الأغلبية العظمى من أبناء السعودية لا تنظر إلى الكيان الإسرائيلي إلّا كونه عدوّاً، على الرّغم من أنّ البعض يُحاول التّرويج لغير ذلك، كما أن في ذلك الترويج رسالة من ابن سلمان لأصدقائه في الكيان الإسرائيلي مفادها أنه يقدم تضحيات كبيرة ويبذل جهوداً جمّة لمواجهة الرأي العام الذي تشكل عبر عقود من التعبئة والتحريض اليومي، وأنّه فعل ما باستطاعته.. وسيواصل.
يعلم ساسة السعودية أنّ مخاطر التطبيع العلني مع الكيان الإسرائيلي جمّة، وهم غير مُستعدين -على الأقل الآن - لدفع هذه الفاتورة التي قد تُكلّفهم رُبّما عرشهم، وعلى هذا الأساس لم تَخلُ تصريحات ساسة المملكة وفي كل الاجتماعات من التأكيد على من التمسك والالتزام بالوقوف ضد كلّ أشكال التطبيع مع "الكيان الإسرائيلي"، حتى يتم تحرير كل التراب العربي وقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس، وهو ما جاء في آخر خطاب لملك نظام آل سعود في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة.
أكثر من ذلك وفي أيِّ تطبيع رسمي قد يُقدم عليه آل سعود؛ من المُمكن أنّ يتلقوا الدعم من دول كالإمارات والبحرين ومصر والأردن، ولكن ليس من بقية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي البالغ عددها 57 دولة، وجميعها ذات أغلبية مسلمة، وهنا ستخسر السعودية مركزها وثقلها الإسلامي في حالة التطبيع، كونها تحتضن أكثر الأماكن تقديساً بالنسبة للمسلمين، وبحالة التطبيع أيضاً، وهو ما يخشاه النظام السعودي، أنهم يجب أن يتنازلوا عن ثالث أقدس موقع للمسلمين - المسجد الأقصى في القدس- وهو الأمر الذي سينزع الشرعية عن آل سعود ويمنحها لمُنافسين إقليميين آخرين كتركيا وإيران، وهو ما يعني أيضاً العمل ضد إجماع الدول العربية والإسلامية، التي ترفض التطبيع مع إسرائيل دون حل عادل للقضية الفلسطينية، وهذا سيُخسرها موقعها في العالم العربي، وهو ما حدث مع مصر إبّان توقيع اتفاقية كامب ديفد ونقل مركز الجامعة العربية حينها من القاهرة إلى تونس.
أما داخلياً؛ فيؤكد السعوديون رفضهم الشديد للتطبيع مع "عدو السعوديين الأول"، ويصفون أي علاقة مع "إسرائيل" بأنها تخالف قيمهم ومبادئهم المناصرة للقضية الفلسطينية والرافضة لأي علاقات مع "تل أبيب"، وهو ما اعتادت وسائل الإعلام السعودية على تقديمه للسعوديين قبل وصول ابن سلمان لسُدّة الحكم.
ويخشى ابن سلمان من أنّ إقامة علاقات تطبيعية مع الكيان الإسرائيلي من شأنّه زعزعة أركان حُكمه، خصوصاً أنّ من غير المُمكن تغيير المزاج العام بين ليلةٍ وضحاها، وأنّه إن أراد تطبيع علاقاته مع الكيان على السطح؛ يحتاج إلى عقدين على أقل تقدير لإخراج جيل سعودي جديد لا يرى بفلسطين قضيّة المُسلمين الأولى.
أكثر من ذلك؛ فحتى الكيان الإسرائيلي لا يرغب بتطبيع العلاقات مع السعودية، حيث إنّ تطبيعاً كهذا سيُفقد المملكة أهميتها بين دول العالم الإسلامي، وعندها لن يكون من المُفيد بالنسبة للكيان إقامة هذا التطبيع، بل الأفضل له أن يبقى التطبيع مع السعودية من تحت الطاولة، للحصول على كل المنافع المرجّوة من وجود السعودية كمركز للعالم الإسلامي.
يُجادل بعض المُطبعين السعوديين بأنّ التواصل مع الكيان الإسرائيلي والتطبيع معه بأنه انفتاح وتأييد للسلام، وتقبل للشعوب الأخرى، وبأنه يدعم الاقتصاد في بلادهم ويعزز الأمن ويفتح سبلاً للعيش بشكل أفضل، في حين أنّ الحقيقة التي يعلمها جميع السعوديين بأن هذا التطبيع يعمّق الظلم بحق الفلسطينيين، ويناقض تصريحات آل سعود عبر عقود في رفض أي علاقات مع الكيان الإسرائيلي، وهنا ارتأى ساسة آل سعود الإبقاء على هذا التطبيع مخفي للاستفادة منه في العلاقات الخارجيّة ولا سيما مع أمريكا، وفي الوقت ذاته للضغط على الشعب السعودي في الداخل بأنّ المملكة لم تُطبع علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي وهو ما يُعطي المزيد من المشروعيّة لآل سعود.
وفي النهاية؛ فإنّ أيّ تطبيعٍ مُستقبلي بين الكيان الإسرائيلي والسعودية لن يكون إلّا عن طريق الفلسطينيين أنفسهم ولا سيما السلطة الفلسطينية، وسابقاً شهدنا إحدى مُحاولات آل سعود للتطبيع مع الكيان وإضفاء الشرعية على الخطوات المتخذة للتطبيع، فبعد الإعلان عن "صفقة القرن" استدعى ابن سلمان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى الرياض لإقناعه بقبول خطة السلام التي طرحها جاريد كوشنر، ومن المعروف أنّ التعاون السعودي مع الكيان الإسرائيلي كان جزءً لا يتجزأ من تلك الخطة، غير أنّ الفضائح التي رافقت تلك الخطة أجبرت جميع مُتبنيها على التّريث إلى وقتٍ يستطيعون من خلاله تنفيذ هذه الخطّة المشؤومة.