الوقت- في السنوات القليلة الماضية هاجمت العديد من الصحف العربية والعالمية قناة "العربية" السعودية والتي تبث من دبي "الامارات"، حيث اتُهمت القناة بأنها تبث أخباراً ملفقة وكاذبة لدرجة أن البعض وصفها بـ"العبرية" نظراً لكون أخبارها تتقاطع مع أخبار العدو الصهيوني وتصب في مصلحته ولخدمته، وما دفع العديد إلى التيقن من هذا الادعاء هو الزحف الخليجي نحو "اسرائيل" والاتجاه نحو التطبيع العلني معها، وعلى الأخص السعودية والامارات، وبالتالي من الطبيعي جداً أن تتواءم قناة "العربية" من حيث الفكر والإيديولوجيا مع مموليها، ولكن إلى متى يمكن للعربية وغيرها نشر الأكاذيب دون احترام مهنة الاعلام والصحافة ومعاييرها العالمية.
قناة "العربية" قبل أيام قالت إن وزارة الداخلية بغزة اعتقلت أعضاء في "القسام" بتهمة التخابر مع إسرائيل، وهو ما نفته الوزارة في بيان أصدرته، واتهمت فيه “العربية” بممارسة التضليل، وترويج الشائعات والأكاذيب".
وأفاد مراسل "العربية" بهروب قائد في القوة البحرية التابعة لحركة حماس وبحوزته وثائق خاصة بالحركة، بعد اكتشاف تجسسه عليها من عام 2009.
كما أفادت بأن داخلية حماس في قطاع غزة أعلنت اعتقال خليّة من العملاء، تتكون من 16 عنصراً، أغلبهم من كتائب عزالدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، بتهمة التعامل والتخابر مع إسرائيل..
وقالت مواقع مقربة من السعودية إن القيادي في كتائب القسام عز الدين بدر، الذي ذكرت قناة العربية أنه هرب عبر البحر، كان بحوزته جهاز حاسوب يحتوي معلومات حساسة عن القدرات البحرية لكتائب القسام، استطاع نقل بيانات حول طرق استلام الحركة لأموال من الخارج".
وأضافت نقلا عن مصادر لم تحددها أن "بدر نجح في السيطرة على حساب البيتكوين، الذي سبق ونشرته كتائب القسام لجمع تبرعات من الخارج وتحويلها لقطاع غزة، كما أنه استطاع السيطرة على أحد نطاقات الموقع الرسمي لكتائب القسام عبر الإنترنت وتسليمها لإسرائيل".
وزارة الداخلية في غزة نفت الأخبار التي روجتها ونشرتها "قناة العربية" وقالت الوزارة في بيان نشرته على صفحتها بموقع فيسبوك "ننفي ما نُشر عبر قناة العربية من أخبار مفبركة منسوبة للوزارة، حول اعتقال عدة أشخاص ينتمون للمقاومة بتهمة التعامل مع الاحتلال".
واتهمت الوزارةُ الفلسطينية قناةَ العربية بـ "ممارسة التضليل، وترويج الشائعات والأكاذيب"، كما حذّرت الداخليةُ وسائلَ الإعلام من "نشر وترويج الشائعات التي تبثها قناة العربية" داعية إلى "ضرورة تحرّي الدقة ونقل الأخبار عن مصادرها الرسمية".
وسبق أن هاجمت القناةُ السعودية كتائبَ القسام في عدة مناسبات، ووصفتها بأنها "منظمة إرهابية" واتهمتها بالاتجار في المخدرات وغسل الأموال.
من جهتها قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إن قناة العربية السعودية، تقود حملة "تضليل وتشويه" تهدف إلى "المس بمقاومة الشعب الفلسطيني وثقته بمشروع المقاومة والتحرير".
وأضافت حماس في بيان لها أن الفضائية السعودية تستند إلى "أكاذيب وافتراءات" من صناعة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. وتابعت "ما تقوم به قناة العربية وغيرها ينسجم تماما مع سياسات الاحتلال "الصهيوني" ومخططاته المستمرة للعدوان على شعبنا، وشطب حقوقه التاريخية".
ورأت حماس، أن ما تقوم به القناة يجعلها "تقف مع الاحتلال صفاً واحداً ضد شعبنا مع ما يترتب على ذلك من تداعيات في كل الاتجاهات".
حمّى التطبيع
ما تقوم به قناة "العربية" من كذب وافتراء لا يمثل سوى سياسة داعميها اللاهثين إلى التطبيع العلني مع العدو الصهيوني وما تقوم به القناة السعودية ما هو إلا تمهيد وجس نبض للشارع العربي لإعلان التطبيع العلني مع كيان الاحتلال، وهذه الأخبار التي تروجها العربية تعد خدمة لا تقدر بثمن للعدو الصهيوني الذي لم يكن يحلم يوماً ما أن تقوم قناة "عربية" تنتمي للسعودية على وجه التحديد بالعمل لمصلحتها وترويج أخبار تخدم طموحاتها، اذ كانت المعضلة الحقيقية لدى المؤسّسين الأوائل للحركة الصهيونية ككيان سياسي على أرض فلسطين تتمحور حول تساؤل مركزي: هل سيقبل المحيط العربي بالـ"دولة" الصهيونية "إسرائيل"؟ والأهم، كيف سيتعاطى هؤلاء العرب الأكثرية مع الكيان الصّهيوني ذي الأقلية العددية؟
حاول زئييف جابوتنسكي، مؤسّس اليمين الصهيوني، الإجابة على هذه التساؤلات من خلال مقالته "الجدار الحديدي" التي نشرها في العام 1923م، والتي تتحدّث عن وجوب صهر الوعي العربي، من خلال القوة وعدم السماح للعرب بإحراز أي نصر، حتى يصلوا إلى قناعة بعدم إمكانيتهم هزيمة الكيان الصهيوني، وبذلك، يضطرّون إلى التعايش مع "إسرائيل" كأمر واقع ليس بمقدرتهم تغييره.
انتقل مفهوم التطبيع في العقلية السياسية الإسرائيلية في ظلّ هذا الواقع العربي المشوَّه، من مرحلة التطبيع السياسي ووقف العداء العسكري إلى تأسيس مرحلة التطبيع الثقافي.
ولعلَّ "صفقة القرن"، وما تبعها من نقل السّفارة الأمريكيّة إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل"، ومن ثم ضمّ الأغوار والحديث عن بسط السيادة الإسرائيلية على أكثر من 35% من أرض الضفّة الغربية، تحت شعار استرجاع أرض "يهودا والسامرة"، في ظلِّ انتقال التطبيع العربيّ إلى تحالف استراتيجيّ مع "إسرائيل"، وتمدّده على حساب الثوابت القوميّة، ما هي إلا إشارة على موافقة عرب التطبيع على إعادة اختلاق "إسرائيل" القديمة بتاريخها التلمودي المزوّر، على حساب شطب التاريخ الفلسطيني الثابت بأيادٍ صهيونية ومباركة المطبّعين العرب.
في الختام.. الانحدار نحو التطبيع قد يبدو في الوقت الراهن إيجابي لبعض الأنظمة العربية، على اعتبار انه يضمن لزعماء هذه الانظمة البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، لأن من يطبع مع اسرائيل سيكون مقرّباً من أمريكا وهذا أكثر ما يحتاجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في المرحلة المقبلة لتثبيت وصوله إلى العرش، ولكن هذه الانظمة لا تهتم بموقف شعوبها ولا تخشى من ترددات ما تقوم به في المستقبل؟، لننتظر ونرى كيف ستكون النتيجة.