الوقت – يقول المثل العربي (الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون)، ولكن في فلسطين فإنّ حركة فتح وسلطة عباس التابعة لها هي من تأكل الحصرم اليوم، وينبغي على كافة فصائل المُقاومة أن تضرس وتدفع ثمن أخطاء هذه السلطة، ولا سيما حركة حماس كونها تُمثل حركة المُقاومة الأكبر داخل المجتمع الفلسطيني، والحامل لما بقي من آمال الشعب الفلسطيني في التحرر من سلطة الكيان الإسرائيلي، وبات لازمًا اليوم على الحركة أن تواجه مشاريع الضم التي بدأ الكيان الإسرائيلي برسم مخططاتها ويُريد تطبيقها على أرض الواقع.
حماس في قلب العاصفة
شاءت حركة حماس أم أبت فإنها اليوم موجودة في عين العاصفة، فهي حركة مقاومة فلسطينية، ليس فقط لقطاع غزّة، وإنّما لكلِّ فلسطين، واليوم بات لزامًا عليها أن تقف بوجه مشاريع الضم التي يسعى الكيان الإسرائيلي إلى تطبيقها في الضفة الغربية حيث يقول موسى أبو مرزوق، رئيس مكتب العلاقات الدولية في حركة حماس "إنّ الكيان الإسرائيلي ومنذ احتلال الضفة الغربية عام 1967 قام بزرع مستوطنات في غرب الضفة الغربية وشرقها على شكل كماشة تضيق يومًا بعد آخر على الضفة الغربية، وهي ما تسمى الآن بمنطقة الأغوار، وتشكل 30٪ من مساحة الضفة الغربية، وفي الغرب، فإنّ المناطق التي فصلها جدار الفصل العنصري، تشكل الآن 18٪ من مساحة الضفة الغربية، وتشمل كذلك مستوطنات القدس المُحتلّة، وهي كذلك تقسم الضفة الغربية إلى قسمين: جنوب الضفة وشمالها، وتم في هذا السياق توسيع القدس لتصبح 55 كلم مربع أي 10٪ من مساحة الضفة الغربية، وهذه هي المرحلة الثانية من التوسع الصهيوني لضم 40% من الضفة الغربية".
إذن؛ فحركة حماس تعلم قبل غيرها المخاطر التي سيجلبها مشروع الضم في حال نُفِّذ، فلن يبق لا دولة فلسطينية ولا فلسطينيين يُدافعون عنها، وسيتقوقعون داخل قطاع غزة المُحاصر أصلا من كل جهاته، وعليه فإنّ حركة حماس باتت اليوم مجبورة على الابتعاد الخطاب الدبلوماسي أو الحلول الدبلوماسية، كالتي اتخذتها حركة فتح، والتي جلبت كلُّ هذه المصائب على الشعب الفلسطيني، وزادت من تغوّل الكيان الإسرائيلي.
أكثر من ذلك؛ تعلم حركة حماس قبل غيرها أنّ الاعتماد على "العمق العربي" الذي تحدّث عنه أبو مرزوق ما هو إلّا ضربٌ من ضروب الجنون، فالعمق العربي انتهى منذ توقيع اتفاقيات "كامب ديفد" قبل أكثر من أربعين عامًا، وبات هذا العمق العربي يتساقط يومًا بعد آخر في الاتفاقات المُنفردة مع الكيان الإسرائيلي، فمنذ كامب ديفد مرورًا بأوسلو ووادي عربة أسقطت جميعها أيَّ عمقٍ عربي، ولم يتبقَ منه إلّا الاسم، واليوم نشهد لُهاث ما بقي من الدول العربية للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
أما دوليًا، فعلى الرغم من كافة الإدانات لمشروع الضم؛ فإنّ الجميع يعلم أنّ ما يُقرره سيّد البيت الأبيض سيُنفّذ، وكل الجعجعة التي نسمعها فلن تُرينا أيّ طحين، خصوصًا إذا كانت أغلب الدول العربية والبعض من الفلسطينيين ينقادون ودون وعي أمام سيّدهم الأمريكي.
ما هو الحل؟
حركة حماس أثبتت نفسها شعبيًّا ودوليًّا من خلال مُقاومتها للكيان الإسرائيلي، فإن كانت ستجنح للحلول الدبلوماسيّة، فلن تختلف كثيرًا بعد ذلك عن حركة فتح وسلطة عباس، فرفض مشاريع الضم والتنديد بها في المحافل الدولية لن يُعيد الأرض إلى أصحابها، كما أنّ التحرك الدولي والسعي لإفشال هذه الخطة، والاستعانة بكل المنظمات الحقوقية والقانونية والمحاكم الدولية لإنهاء هذا المخطط، وإعطاء الشعب الفلسطيني حريته كما يقول أبو مرزوق لن يُعيد ما ستضمّه إسرائيل، ولو افترضنا أنّ ما يقوله أبو مرزوق واقعيًا؛ لما بقي جزءٌ من فلسطين تحت الاحتلال، فكافة القرارات الدولية أقرّت بحق الشعب الفلسطيني، غير أنّ أيًّ من تلك القرارات لم يجد طريقه للتطبيق على أرض الواقع.
إذن؛ فلا يوجد طريق لمواجهة مشاريع الضم إلّا مواجهة هذا المشروع بالعمل المُقاوم، أيضًا؛ وللحفاظ على الحالة الثورية المُقاومة لحركة حماس فما عليها إلّا أن تنتهج الطريق الذي اختارته هي لنفسها، والبدء بعمل مقاوم فعلي على أراضي الضفة الغربية من خلال تفعيل كوادرها هناك، والبدء بضرب الكيان الإسرائيلي في مقتل حتى يعلم أنّه لن يستطيع ضمّ أيَّ مترٍ مما بقي من أراضي فلسطين، ومن ناحيةٍ أخرى فإنّ الحركة التي انتهجت خيار المقاومة واتخذته اسمًا لها (حركة المقاومة الإسلامية) واستطاعت أن تحظى بهذا الاحترام الدولي نتيجة تلك المقاومة لا خيار لها سوى الوقوف بوجه هذا المشروع وإبطاله بقوّة السلاح، وإلّا فإنها ستتحول إلى حركة فتحٍ أخرى ولكن سُلطتها ستكون في القطاع.