الوقت- عندما بدءت بوادر ظهور شكل من الإعتراضات الخادعة في منطقة درعا السورية، أعلنت الحكومة السورية عن برنامج اصلاحي لتخطي المشكلات المطروحة وإحكام الرقابة الإدارية، لكن الأيام التي تلت كشفت حجم المؤامرة و مشروع التدميري التخريبي لمحاصرة محور المقاومة والممانعة في المنطقة، هذا المشروع تبناه فيما بعد جماعات متعددة من حملة الفكر التخريبي التدميري لتنتشر في العديد من المناطق السورية تحت دعم وغطاء الغرب الإستعماري، ولتتعداها فيما بعد إلى جزء من الأراضي العراقية وحتى اليمنية. اليوم وبعد مضي ما يقارب الخمس السنوات من بدء الأعمال التخريبية التدميرية لا سيما في سوريا، فإن الجماعات التدميرية التخريبية فيه ومن خلال أعمالها أظهرت أنها عنوانٌ للمحور الغربي الإستعماري، في المقابل فسوريا أظهرت بصمودها أنها عنوانٌ لمحور المقاومة والممانعة في المنطقة، و بدأ الصراع بين محورين لكل منهما امكاناته ومشروعه.
فهل تبدأ ملامح حرب عالمية ثالثة بالظهور من سوريا؟
صراع المحورين... ثبات لا تراجع... معركة وجودية
هناك الكثير من مناطق صراع في العالم، من افريقيا إلى اوكرانيا وغيرهما الكثير، إلاّ أن الحديث عن سوريا يختلف بشكل كلّي، في بؤر الصراع حول العالم هناك محاور متصارعة حول نفوذ اقتصادية وراديكالية، ففي أفريقيا يتصارع الغرب الإستعماري على الثروات النفطية والغازية الموجودة هناك، أما الشعوب الأفريقية هناك ولعوامل عديدة فقد تم تحييدها عن محور الصراع، أما في سوريا والمنطقة المحيطة فيها فالشعوب فيها هي صاحبة القضية والصراع ليس بين الغرب الإستعماري نفسه، بل هو صراع بين الغرب الإستعماري من جهة وشعوب المنطقة من جهة أخرى، ففي أفريقيا مثلاً وبالرغم من الصراع بين المحاور إلاّ أن محاور الصراع تتوصل فيما بينها على منهجية لنهب خيراتها، أما في سوريا والمنطقة فالحل ليس توافقيا بين الغرب الإستعماري والشعوب، إنما وجودياً بالنسبة لمحور شعوب المنطقة، إما أن ينتصر المشروع الشعبي صاحب الأرض، أو أن يأخذ المشروع الغربي الاستعماري طريقه للنفاذ. ولهذا وأمام الإمكانات العسكرية والتكنولوجيا التي يمتلكها الغرب الإستعماري من جهة، والعقيدة الإمانية والتنظيم الذي يتمتع به المحور الشعبي والقوى الداعمة له، فإن الصراع يصبح أشد وأقوى، والمعركة وجودية، وهذا ما يبرر القول القائل بأن سوريا قد تكون منطلق لحرب عالمية ثالثة ولكن بشكل مخالف عن ما كانت عليه سابقاتها.
بحث ورد...ولادة جديدة وليس معركة... إلى أين تتجه الأمور
المعركة الوجودية في سوريا وبالرغم من قوتها وشدتها وثبات الأسباب التي ولّدتها، إلاّ أن العديد من الموشرات والمعطيات التي تصب جميعها بالقول أنها معركة بعيدة كل البعد عن حرب عالمية وأجواء تصعيدية. إنما معركة ولّدها بروز محور جديد تمثّل شعبياً مقابل أفول المحور الغربي الإستعماري الذي كان طاغياً. إذاً هي وإن كانت بالمعنى الظاهري معركةٌ إنما بالمعنى الحقيقي والذي ستثبته الأيام ولادة جديدة. فبعد عقود من الصبغة الحاكمة التي نقشها المستعمر، وبعد أن وجِدَ أن الأمور بدءت تخرج عن السيطرة بشكلها المتسارع، ذهب صناع القرار السياسي والطبقة الحاكمة لتشخيص المعضلة، فكان محور المقاومة والممانعة الذي يمتد من لبنان إلى سوريا فإيران والعراق هو صاحب المولود الجديد، وهو صانع التبديل والتغيير والمُحرِك لشعوب المنطقة والتي نتج عنه مؤخراً ثورات سلمية سليمة صاحبة شعار شعبي تغييريّ كما في البحرين ومصر وتونس، وللقضاء على المولود الجديد كان لا بد وبرؤية غربية استعمارية من ضرب محور المقاومة والذي تُمَثِّلُ فيه سوريا خاصرته ودعامته.
وبعد خمس سنوات من الأحداث في سوريا يرى المستعمر الغربي وصناع القرار السياسي أن الأمور لا يمكن أن تسير بما یرام، فلا مشروعهم التدميري التخريبي أعطى نتاجه، ولا تمكنوا بهذه الطريقة من الحفاظ علي مصالحم ومنافعهم فی المنطقة، خاصة بعد أن صار تهديد الأنظمة الحاكمة المتآمرة معهم قريب وانقلب السحر على الساحر، وهم وجدوا في موقف ايران وروسيا ثباتاً لا يمكن تخطيه، كان أخره الكشف عن نية تعاون روسي سوري لإنشاء قاعدة بحرية عسكرية مشتركة أكثر امكانيات كتلك التي في طرطوس بهدف حماية التوازن والمعادلة في المنطقة. وما مسار الإتفاق بين مجموعة الدول الست مع ايران على حقها التكنولوجي إلا مؤشر واضح على الإنصياع الغربي لمعادلة المنطقة الجديدة وولادة الشرق أوسط الجديدة.
طرح المحور الشعبي آخذٌ بالنفاذ
إذاً طرح المحور الشعبي في المنطقة أخذٌ بالنفاذ، فطرحه منذ البداية ارتكز على التنبيه من خطر جماعات التدمير والتخريب الغربية، وركّز على ضرورة عمل حوار برعاية أممية يجمع بين الحكومة السورية الشعبية والأطراف الجادة لمشروع الإصلاح ولم تطلطخ أيديها بالدماء، وموازاة ذلك مع قطع كل سبل الإمداد والدعم بكل أوجهه لهذه الجماعات، وتوليد ارادة جدية للقضاء عليهم، وتوحيد الجهود الإعلامية والفكرية والتوجيهية التربوية لمواجهة الفكر ونسف منطق التحريض، والمضي بمشروع فاعل لمساعدة اللاجئين على العودة إلى بلادهم بدل الإستفادة منهم كورقة لاعبة في الأحداث.