الوقت- يبدو أن المانيا بدأت تفقد قرارها المستقل تحت وطأة الضغوط الأمريكية - الاسرائيلية، ولم يعد بإمكانها الصمود أكثر أمام هذه الضغوط، لتنفذ الانحناءة الأولى للصهاينة من خلال القرار الذي خرجت به وزارة الداخلية وصنفت من خلاله "منظمة ارهابية" وحظرته في بلادها، وشكل القرار برمته ضربة موجعة للديمقراطية الالمانية، خاصة وان "حزب الله" لايمارس اي نشاط على الأراضي الألمانية، وهذا ما تحدى به الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الألمان خلال كلمته الأخيرة، وأكد السيد نصرالله على أن القرار الألماني هو قرار غير مستقل، وتنفيذا لأجندات أمريكية - اسرائيلية.
وخلال اطلالته قبل يومين، استنكر الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قيام السلطات الالمانية بمداهمة بعض المساجد ومنازل بعض اللبنانيين بحجة تأييدهم لحزب الله والمقاومة. وتابع "لم يكن هناك اي داع لهذه الممارسات المتوحشة سوى تقديم اوراق الاعتماد للاميركيين"، ولفت الى ان القرار الالماني ضد حزب الله سياسي وهو لإرضاء اسرائيل واميركا.
ما قامت به السلطات الألمانية هو اهانة للديمقراطية الألمانية والقرار المستقل، حيث لم يكن بحوزة المانيا أي وثائق تؤكد تورط الحزب بأي نشاط على اراضيها، وبالتالي المداهمات التي أقدمت عليها الشرطة لبعض المساجد ومنازل اللبنانيين هو تعدي على المواطنين الآمنين وخرق للقانون، ونشاطاتهم الدينية هي حرية شخصية بناءا على ما جاء بالقانون الالماني.
السيد نصرالله تحدث بهذا الخصوص قائلاً: "حزب الله ليس له اي تنظيمات في اي بلد اوروبي او في اي من دول العالم"، واضاف ان "اللبنانيين في المانيا او في اي بلد هم من المؤيدين لمقاومة الاحتلال وهؤلاء ليس لهم اي علاقة تنظيمية مع حزب الله، وقد يكون لهم نشاطات دينية او غيرها ضمن ما يقره القانون وهذا امر آخر”، ولفت الى انه "منذ سنوات طويلة ادركنا انه لا يجب ان نضع اي لبناني في الخارج بعلاقة معنا كي لا نعرضه للخطر".
وطمأن السيد نصر الله اللبنانيين المقيمن في المانيا "لا داعي للبنانيين في المانيا ان يقلقوا لانهم لم يخالفوا القانون ويجب مواجهة هذه الاجراءات بالسبل القانونية"، وتابع "الحكومة اللبنانية وفي مقدمتها وزارة الخارجية، مسؤولة عن اللبنانيين وما يتعرضوا له"، واضاف" لم تقدم المانيا اي دليل على انشطة ارهابية لحزب الله ما يؤكد ان القرار سياسي وهو لإرضاء اسرائيل واميركا".
سر توقيت القرار
أولاً: ألمانيا كانت لمدة ليست بالبعيدة طرف موثوق بالنسبة لـ"حزب الله" وإلا لما كان قبل بها في العام 2004 لتكون وسيطاً في صفقة عملية تبادل الأسرى، وماقامت به مؤخرا سيضر بسمعتها على المدى الطويل، ولن تكون وسيطا بعد الآن وهذا لن يخدم سياستها الخارجية العالمية، وسيحط من مكانتها لامحالة.
من الممكن أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أضعف المانيا، وسمح للامريكان والاسرائيليين التأثير على القرار الالماني، وقد نشهد قرارات مشابهة من دول اوروبية أخرى في المستقبل القريب.
ثانياً: "اسرائيل" وجدت أنها عاجزة على مواجهة "حزب الله" خاصة بعد حرب العام 2006، حيث فرض الحزب معادلة جديدة منعت الصهاينة من الاعتداء على لبنان والمس بسيادته، وهذا الامر لايروق للاسرائيليين لأنه يجعل حزب الله أقوى وأقوى ويزيد من شعبيته في الداخل اللبناني، لذلك كان لابد من تشويه سمعة الحزب والحد من تأثيره في الداخل اللبناني وتأليب الرأي العام اللبناني عليه، في محاولة لخلط الأوراق من جديد في لبنان وافشال عمل الحكومة التي يدعمها الحزب، والابقاء على حالة الفوضى التي يعيشها لبنان، تمهيدا لخلق فتنة على مستوى كبير تفتح الباب من جديد امام حرب اهلية يتورط فيها حزب الله، الامر الذي يحد من نفوذه وقوته وشعبيته وبالتالي يتآكل من الداخل وبهذه الطريقة لن تكون له اي حاضنة شعبية او عربية او عالمية في حال شنت اسرائيل حربا على لبنان وقام بالرد عليها.
ثالثاً: لا نستبعد أن تكون واشنطن وتل ابيب تخططان لجر الحزب نحو حرب خارجية ايضا، من خلال استفزاز الحزب داخل لبنان وفي نفس الوقت توجيه ضربات صاروخية للقوات الايرانية المتواجدة على الاراضي السورية، واستمرار الضغط بهذا الاتجاه، حتى يرد الحزب او ايران على الأمريكان والاسرائيليين، وبدء حرب طاحنة جديدة وتوسيع الحرب على اوسع نطاق ممكن في محاولة للقضاء على "حزب الله" وبالتالي اضعاف ايران، ولن يكون المجتمع الدولي مهتما بشكل كبير بهذه الحرب على خلفية انتشار فيروس كورونا في غالبية دول العالم لاسيما الكبرى منها، ولكن هل تتوقع اسرائيل او امريكا النجاح بهذه الخطوة، ربما اسقاط طائرة "غلوبال هوك" فوق مضيق هرمز، وقصف قواعد أمريكية في العراق، خير دليل على كيفية الرد، فلم يعد بإمكان واشنطن اجراء عمليات اغتيال هنا وهناك وقصف دول دون ردع او رد، زمن الهيمنة الامريكية ولی الى غير رجعة، ما تقوم به واشنطن ليس الا محاولة للحفاظ على مكانتها العالمية والدولية في الوقت الضائع.
رابعاً: نظرا لادراكها العجز عن مجابهة حركات المقاومة على ارض الميدان، ستتجه "اسرائيل" و"الولايات المتحدة الامريكية" نحو الحرب الناعمة، وتشويه صورة حركات المقاومة قدر المستطاع، كما فعل "الكيان الاسرائيلي" مع قناة المنار اللبنانية في العام 2004، حيث قالت الاذاعة الاسرائيلية إن الحكومة الإسرائيلية تدخَّلت لدى عدد من الحكومات الأوروبية لمنع بثّ تلفزيون "المنار" قبل تنفيذ عملية تبادل الاسرى حينها. تلت ذلك زيارات لرئيس "دولة" الكيان، موشيه كاتساف، إلى أوروبا، ركّزت على فرنسا وألمانيا، حيث نشرت جريدة "لوموند"، نقلاً عن "معاريف"، في 18 شباط/فبراير 2004، أن كاتساف بحث خلال زيارته إلى فرنسا أمر "المنار" مع جاك شيراك، وأنَّ فرنسا أعطته وعداً بذلك، في إطار الصراع الذي تخوضه على أراضيها ضد التعصّب واللاسامية..
وأضافت الصّحيفة: "إنّ الأمر لم يقتصر على المنار، بل طلب كاتساف من جاك شيراك إعلان الحزب منظمة إرهابية، وهذا ما تتردّد أوروبا في الإقدام عليه، إذ تحجّج شيراك بأن إسرائيل نفسها دخلت في مفاوضات مع الحزب، فردّ كاتساف بأن ذلك اقتصر على عملية تبادل أسرى وجثامين".