الوقت -غدى فيروس كورونا المستجد تحدياً كبيراً للمجتمع الدولي هذه الأيام، وفي الواقع ، أصبح كورونا معضلة ذات وجهين، حيث يمهد الوجه الاول الطريق لاتحاد مختلف البلدان والمجتمع الدولي ، أما الوجه الآخر يمهد الطريق لنشوب الصراعات والتوترات بين البلدان من خلال تبادل الاتهامات مع بعضهم البعض حول من هو المسبب في إيجاد الفيروس ، وفي خضم ذلك ، كان دونالد ترامب في الأسبوعين الماضيين أهم شخصية مثيرة للجدل ، والصراع السياسي مع دول أخرى وحتى مع منظمة الصحة العالمية.
ففي بداية الامر وصف ترامب كوفيد – 19 بأنه "فيروس صيني" واتهم هذه الدولة بخلق هذا الفيروس في مختبراتها ، وقد شهدنا كيف انه في 15 أبريل 202 قرر تعليق منحة الولايات المتحدة لمنظمة الصحة العالمية ، حيث قال ترامب لتبرير اجراءه هذا ان منظمة الصحة العالمية لم تنجح بالعمل بمسؤولياتها في مكافحة كورونا ويجب محاسبتها، كما اتهم رئيس الولايات المتحدة الامريكية هذه المنظمة الدولية بالتكتم عن أنباء تفشي الفيروس كوفيد 19، وكان قد اتهم في السابق منظمة الصحة العالمية بدعم الصين ، والانحياز لها، حيث ان خطوة ترامب هذه ردود فعل متباينة على المستوى الدولي ، كما ان تحليل هذه الخطوة من الجانب السياسي له أهمية بالغة.
ردود الفعل على تعليق ترامب المساهمة في ميزانية منظمة الصحة العالمية
أثار تحرك ترامب الغريب بتعليق ميزانية منظمة الصحة العالمية عددًا من ردود الفعل على المستوى المحلي والدولي ، وفي رد الفعل الأكثر أهمية ، علّق رئيس منظمة الصحة العالمية " تيدروس أدهانوم غيبريسوس"، على الإجراءات الأمريكية القاضية بإلغاء ميزانية المنظمة قائلاً: "ليس لدينا فرصة للخسارة ، ان الشاغل الوحيد لمنظمة الصحة العالمية هو إنقاذ أرواح البشر".
كما علّقت نانسي بيلوسي ، رئيسة مجلس النواب الأمريكي ، على خطوة دونالد ترامب ، قائلة: إن قرار الرئيس بتعليق تمويل منظمة الصحة العالمية ، وهي الرائدة العالمية في مكافحة الفيروس التاجي ، لا معنى له. " وجاء في بيان رئيسة مجلس النواب الأمريكي: ان هذا القرار خطير وغير قانوني وسيتم الطعن فيه بسرعة. وبالطبع ، لم تبق تعليقات بيلوسي هذه دون إجابة ، فقد كتب ترامب في رسالة رد على هذه التعليقات قائلاً: " نانسي بيلوسي أيتها الحمقاء ، أنتي شخص ضعيف ، وأنتي قائد ضعيف ، وأنتي السبب في أن الشعب الأمريكي يكره وظيفة السياسيين أمثالك. وان شون هانيتي ، هو غير كفؤ تماماً ويسيطر عليه اليسار المتطرف ، وهو شخص ضعيف وكالدمية التي يلعب بها الأطفال، عد إلى واشنطن وقم بعملك."
وقال أنطونيو جوتيريس ، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة رداً على تعليق ميزانية منظمة الصحة العالمية من قبل ترامب ، انه الان ليس الوقت المناسب لتقليل الموارد المخصصة لمنظمة الصحة العالمية أو أي منظمة إنسانية أخرى تكافح فيروس كورونا" مضيفاً انه في الوضع الراهن يجب على المجتمع الدولي العمل معاً لوقف تداعيات الفيروس وعواقبه المدمرة.
وفي هذا الصدد قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف: انه في مثل هذه الظروف ، فإن طرح مثل هذه الأسئلة حول الأنظمة العالمية وما إذا كانت منظمة الصحة العالمية تعمل بشكل صحيح أمر غير مناسب وغير مجدٍ.
وفي سياق اخر قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي: "ان والولايات وفي أسوأ وقت ممكن وفي خضم الحرب ضد كارثة عالمية ، تعاقب فجأة منسق الصحة العالمي فقط ، وهو أمر غير مسؤول ويعتبر جريمة ضد الإنسانية.
كما كتب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس على موقع تويتر: "يجب أن نعمل سوية بشكل وثيق لمحاربة وباء كوفيد 19 وان أحد أفضل الطرق والاستثمارات للقيام بذلك هو تعزيز منظمة الأمم المتحدة ، ولا سيما المنظمات التي تندرج تحتها مثل منظمة الصحة العالمية ، والتي تواجه مشاكل واضحة في التمويل لانتاج وتطوير وتوزيع اللقاحات وأجهزة الكشف عن الأمراض المستعصية."
وانتقد جوزيف بوريل ، رئيس الجهاز الدبلوماسي بالاتحاد الأوروبي قرار ترامب بشدة قائلاً: "إنني أسف للغاية لقرار دونالد ترامب بتعليق المشاركة المالية الأمريكية في ميزانية منظمة الصحة العالمية ، فلا يوجد أي مبرر لاتخاذ مثل هذا القرار في الوقت الذي يحتاج فيه الأمر إلى جهد أكبر لاحتواء الأزمة الحالية."
ترامب يكشف النقاب عن الوجه الحقيقي لحقوق الإنسان الأمريكية والمساعي للاسقاط النفسي
يمكن القول في تحليل هدف دونالد ترامب من تعليق التبرع بالميزانية الأمريكية المخصصة لمنظمة الصحة العالمية ، أنه في البداية ينوي ترامب إلقاء اللوم على الآخرين لفشله في مناقشة الإدارة السياسية الأمريكية وإدارة كورونا. وبهذه الطريقة يبرر فشله من جهة ، ومن ناحية أخرى يبرر الضغط النفسي لعمله الناقص للمواطنين الأمريكيين ، حتى يتمكن من الفوز في الانتخابات الرئاسية مرة أخرى.
ومن ناحية أخرى ، يمكن اعتبار اجراء دونالد ترامب بمثابة كشف حقيقي وغير مضلل عن ماهية حقوق الإنسان الأمريكية والليبرالية الجديدة ، حيث تستند حقوق الإنسان والنيوليبرالية الأمريكية إلى حد كبير على منطق تفوق الغرب المتحضر على الغرب غير المتحضر ، وبالنسبة لهم تكون حقوق الإنسان وحياة البشر مهمة فقط عندما يكون البشر الغربيون والمصالح الغربية على المحك ، حيث أظهر ترامب أن غير الأمريكيين ليسوا مهمين لأمريكا على الاطلاق ، وأن المجتمع العالمي ووحدة العالم أشبه بشعار لا معنى له بالنسبة لهم.
وبالإضافة إلى ذلك ، أظهرت خطوة ترامب أن قضية الوحدة ووحدة المصير لدول الأطلسي قد انتهت ، وعلى الرغم من أن العديد من الدول الأوروبية لا تزال تحاول الحفاظ على الأطلسية كرمز عظيم ، إلا أن الحقيقة هي أن ترامب ليس على استعداد بأي حال من الأحوال للاعتراف بارتباط مصير الولايات المتحدة مع الدول الأوروبية ، وإن قطع ميزانية منظمة عالمية تهدف إلى إنقاذ أرواح البشر هو رمز للقومية الأمريكية المتطرفة ، والتي وصل تهديدها الآن حدود الوحدة الأوروبية.