الوقت-كان لجمهورية الصين خلال الـ70 عاماً الماضية علاقات متباينة مع الغرب. ومنذ زيارة الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون، زعيم العالم الرأسمالي، إلى الصين في عام 1972، تم استبدال نظريات المؤامرة الكارثية في وسائل الإعلام، بآراء إصلاحية تجاه الحزب الشيوعي الصيني لجعل هذه البلاد الحضارية التاريخية أكثر حداثة وتمدناً، وذلك بعد مقالات عدة كتبها صحفيون مشهورون مثل الصحفي إدغار سنو.
الآن وبعد 70 عاماً من تأسيسها، نمت جمهورية الصين الشعبية من بلد فقير غير صناعي متورط في حرب أهلية كاملة إلى قوة تخيف الغرب. وهذا الخوف بطبيعة الحال، هو أكثر من أن يكون واقعياً، كان من صنيعة السياسيين الغربيين وبروباغندا وسائل الإعلام، والقوة الدافعة وراء ذلك كانت منطق القوة والفهم الواقعي للبيئة الدولية.
وتُظهر ويكيليكس، إدوارد سنودن وتسريبات كامبريدج أناليتيكا، كيف يمكن التلاعب بالرأي العام فيما يسمى بالمجتمعات الغربية الحرة، ويمكن تغذية المجتمعات بهذا التلاعب من خلال الحيل الإعلامية. وعلى الرغم من أن سياسة أوباما في كبح جماح الصين كانت تستند إلى استراتيجية "التحوّل إلى الشرق"، لكن مع صعود دونالد ترامب، ازدادت "فوبيا الصين" في الغرب بشكل كبير.
الصين هي سبب البطالة وهروب رأس المال من الغرب
أدّى انهيار الاتحاد السوفييتي إلى عالم لم يكن لأمريكا فيه منافس كبير. وشددت بكين لسنوات على إظهار سلميتها، وقد كانت قوتها العسكرية في حينها متوسطة في أحسن الأحوال. ومع ذلك، هناك قلق متزايد في الغرب اليوم بشأن نمو القوة الاقتصادية والعسكرية للصين، والتي بدأت تتبدل إلى مخاوف نتيجة لتصريحات ترامب.
وأثار ترامب قبل فترة انتخابات عام 2016، قضية التلاعب التجاري الواسع النطاق للصين، ولاسيما اتهامهم بسرقة الملكية الفكرية للتقنيات الغربية واعتماد سياسات نقدية للحصول على فوائد التصدير، وفرض التعريفات الجمركية على السلع الأمريكية، وتدمير الوظائف في أمريكا، وأثارت هذه الانتقادات حرباً تجارية غير مسبوقة في العالم بعد تولي ترامب رئاسة البيت الأبيض في واشنطن.
ويعمل صانعو السياسة الغربيون الآن على تعويض الوقت الضائع لإيقاف عجلة الآلة الشيوعية الصينية. وفي الواقع، ان الحرب التجارية للرئيس الأمريكي تتجاوز مجرد كونها نزاع اقتصادي بسيط. ويدافع بعض المشرعين عن إجراء عقوبات على مجموعة واسعة من الجرائم، من المنافسة الإقليمية إلى انتهاكات حقوق الإنسان. وقد دعا عدد من المحافظين حتى إلى تخفيض العلاقات الاقتصادية لإضعاف الصين، وانتقدوا السماح للصين بالانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وتمهيد الطريق لعلاقات بكين التجارية الوثيقة مع الغرب.
فوبيا تجسس الصين
في أواخر القرن الماضي، بدء الغرب يرى الصين أنها دولة نامية. لكن اليوم، تمامًا مثل اليابان في الثمانينيات، يُنظر إلى الصين على أنها مهد التكنولوجيا المستقبلية. لكن المنطق المختلف لعلاقات الصين مع الغرب (على عكس اليابان) أدى إلى تصوير التطور التكنولوجي للصين على أنه تهديد محتمل لإنجازات المجتمع المدني الغربي واستقلال الدول.
إن الخوف الكبير تجاه نشاطات شركة هواوي باعتبارها عملاق الاتصالات في الصين، هو مثال مهم لتصنيف الصين على أنها امبراطورية شريرة. واتهم المدعون الأمريكيون شركة هواوي بسرقة أسرار تجارية ومساعدة بعض دول الشرق الأوسط في قمع الاحتجاجات المحلية، ما أثار اتهامات ضد الشركة الصينية وتوتر العلاقات الأمريكية مع الصين مرة أخرى.
وأطلقت أمريكا حملة ضد شركة هواوي، محذّرة من أن الشركة يمكنها التجسس على العملاء لمصلحة الحكومة الصينية.
وأدرجت واشنطن الشركة في القائمة السوداء العام الماضي ووصفتها بأنها مصدر قلق أمني. ولم تقدم أمريكا أي حجة منطقية أو أدلة موثقة على أن هواوي فرضت عقوبات على شبكات 5G "الجيل الخامس"، سوى الشعارات حول قدرتها على التجسس على المواطنين والمنظمات في البلدان الأخرى. الأمر الذي أدّى الى نتائج عكسية حيث انتشرت تسريبات ووثائق عديدة حول تجسس الشركات الإعلامية الكبيرة المملوكة لأمريكا مثل فيسبوك وتويتر مرات عديدة.
كورونا وتزايد فوبيا الصين
مع انتشار فيروس كورونا في الوقت الحاضر في إيطاليا وفرنسا وأمريكا وكوريا الجنوبية وروسيا وغيرها، تحدّثت وسائل الإعلام الدولية عن تزايد الكراهية تجاه الصين في المجتمعات الغربية. حيث أخذت وسائل الإعلام والساسة الغربيون شنّ هجمات إعلامية مستمرة على بكين. وكتبت وسائل الإعلام الغربية في الأشهر الأولى من تفشي الفيروس في الصين، عن تبعاتها السياسية للحزب الشيوعي وصرّحوا أنه إذا لم تتمكن الصين من التغلب على الفيروس، فسوف تواجه استياء شعبياً وعدم استقرار متزايد.
ولكن بعد أن اتخذت بكين إجراءات مؤثرة للسيطرة على الوضع، في مقابل ضعف إجراءات الحكومات الغربية في السيطرة على المرض والحفاظ على الصحة العامة، وصف الرئيس ترامب أن كورونا فيروس صيني وألقى بذلك اللوم ضمنياً على بكين.
وفي هذا الصدد، شدد وزير الخارجية الأمريكي بومبيو اليوم على أن واشنطن سترد على أولئك الذين تسببوا في تفشي هذا الوباء العالمي، والذي تسبب حتى الآن بوفيات تجاوزت 119 ألف شخص حول العالم. وقال لصحيفة بيلد الالمانية "حان الوقت بالنسبة لنا للتأكد من مصدر الفيروس ومن ثم محاسبة المسؤولين عن ذلك." وهي تصريحات لا تدل سوى على أنها جزء آخر من سيناريو فوبيا الصين في البيت الأبيض في الأسابيع والأشهر وربما السنوات القادمة.