الوقت- في ظلّ الأحداث المهمّة الأخيرة أجرى موقع KHAMENEI.IR الإعلامي حواراً مع وزير خارجيّة الجمهورية الإسلامية في إيران الدكتور محمد جواد ظريف تطرّق فيه للحديث حول حلّ قضية فلسطين من وجهة نظر الجمهورية الإسلامية ومشروع الإمام الخامنئي الداعي إلى إجراء استفتاء شعبي في فلسطين والذي تمّ تسجيله رسميّاً في الأمم المتّحدة، كما علّق ظريف على "صفقة القرن" معتبراً بأنّ هذه الصّفقة كشفت عن أنّ الخطر الأساسي الذي يواجه العالم العربي اليوم هو في الواقع زعماء بعض البلدان العربيّة الذين يشكرون ترامب على خطته بدلاً من اتّخاذ موقف داعمٍ لفلسطين.
من وجهة نظركم، ما هو دور أمريكا والصهاينة في مشروع "صفقة القرن" وأيّ هدف يسعون لتحقيقه من خلال هذا المشروع؟
للأسف فإنه طوال الأعوام السابقة وخاصّة الأعوام الأخيرة لم يكن العالم العربي يواجه الكيان الصهيوني وأمريكا بأسلوب انفعالي فقط، بل إنّهم تحالفوا أيضاً مع الصّهاينة ضدّ دولة فلسطين الإسلاميّة. خطوتهم هذه جعلتهم في موقف ضعيف للغاية. وعلى هذا الأساس توصّل الأمريكيّون لهذه النتيجة بأنّهم يستطيعون الكشف عن مشروعهم، لكنّ الأمريكيّين لم يكونوا في مثل هذه الظّروف قبل بضعة سنوات، فكيف إذا كان الحديث يدور حول أن يفكّروا بشأن تحويل كلّ قضيّة فلسطين إلى صفقات عقاريّة ويضحّوا بكلّ آمال وأحلام وحقوق الشعب الفلسطينيّ الأوليّة مقابل مشروع في البناء والإعمار. وبناء على أفكار وأقوال ترامب وكوشنر، لا شأن لهم بحقوق أحد وهم ينظرون إلى هذا المشروع على أنّه خطّة وقد توصّلوا إلى هذه النتيجة بأنّ العالم العربي بلغ من الذلّة ذلك الحدّ الذي يخوّلهم طرح قضيّة سخيفة كهذه على أنّها تمثّل حقوق الشعب الفلسطيني.
وفي الواقع هم يحوّلون فلسطين بمشروعهم إلى شيء أشبه ببنتوستانات زمن الأبارتايد في أفريقيا الجنوبيّة. أي مناطق محدّدة تتشكّل في وسط فلسطين المحتلّة بغية إبقاء سكّانها تحت المراقبة. لكنّ كلّ شيء بات الآن بتصرّف الكيان الصهيوني والنقاط المطروحة في خطّة صفقة القرن تتعدّى النّقاط المطروحة في اتفاقية أوسلو واتفاقية مدريد بحيث أنّها تقسّم فلسطين إلى قطع من الأراضي المحاصرة من قبل الكيان الصهيوني وتهدي كلّ أراضي ما بعد العام 1967 أيضاً إلى الصهاينة. إنّ وهب ترامب لمنطقة الجولان في سوريا وبيت المقدس عاصمة المسلمين إلى الكيان الصهيوني، تلك المناطق التي لم تكن لهم منذ البداية، لم يتحقّق إلا بسبب انفعال وتذلّل العرب أمامهم. لا يزال العالم العربي يركض وراء شراء الأمن من أمريكا والكيان الصهيوني. وهم بدل أن يثقوا بأنفسهم وبشعوبهم وبجيرانهم المسلمين، يركضون خلف شراء الأمن من أمريكا. طبعاً الأمريكيّون يرحّبون بهم أيضاً، لأنّهم على سبيل المثال يبيعون سنويّاً أسلحة بقيمة 67 مليار دولار للسعوديّة ويشترون في الوقت عينه ببيعهم لهذه الأسلحة عزّة وكرامة المملكة العربيّة السعوديّة.
نظراً لردود الفعل السلبيّة التي عبّر عنها قادة العالم العربي حيال تداعيات "صفقة القرن"، لماذا يتّخذ بعضهم مواقف من هذا النّوع وينظرون إلى أنّها تحمل نتائج عكس النتائج الحقيقيّة التي تنطوي عليها؟
إنّ المواقف التي يتّخذها بعض الحكام التابعين في البلدان العربيّة اليوم الذين تحوّلوا اليوم بسبب مشاكل الدول العربيّة الكبيرة إلى زعماء العالم العربي ليست مواقف الشعب العربي، إلّا أنّ الحدث المهمّ الذي وقع هنا هو أنّ هذه الأنظمة العربيّة التابعة عملت على إظهار الجمهورية الإسلامية كخطر زائف أمام شعوبها.
لكنّ هذا الحدث كشف عن أنّ الخطر الذي يواجه العالم العربي يتمثّل في أرباب زعماء الدول العربيّة أنفسهم الذين ينقضون دفعة واحدة كلّ آمال وحقوق الشعب الفلسطيني ولا يجرؤ هؤلاء حتّى على الاعتراض وبدل أن يتّخذوا موقفاً داعماً لفلسطين يبادرون إلى توجيه الشّكر أيضاً للسيّد ترامب. في الحقيقة هذه رسالة للعالم العربي تصرّح بأنّ مسار الحل في فلسطين لا يتواصل بمثل هذه السياسات وعليهم العودة ومواجهة خطر الصهيونيّة المحدق بالعالم الإسلامي وخطر الذين ينتهجون سياسة التذلّل والتبعيّة للكيان الصهيوني.
برأيي هي فرصة للعالم الإسلامي لكي يدرك هذه الحقيقة بأنّ مسار حلّ قضيّة فلسطين يرتكز على محوري الديموقراطيّة والمقاومة. هدف المقاومة واضح وسوف يصمد الشعب الفلسطيني، لكنّ كلّ الحركات الفلسطينيّة باتت اليوم تهتف بصوت واحد ضدّ "صفقة القرن" وهذه الوحدة داخل فلسطين التي ترتكز على المقاومة قادرة على أن تكون أمراً مباركاً جدّاً فيما يخصّ إحباط السياسات الصهيونيّة.
الديموقراطيّة تمثّل عنصراً في غاية الأهميّة أيضاً. أولئك الذين بات العالم يضجّ بهتافاتهم من أجل الديموقراطيّة ويكذبون بقولهم واعتبارهم أنّ الكيان الصهيوني يُمثّل الديموقراطية الوحيدة في المنطقة، عليهم أن يكونوا جاهزين لتقبّل الديموقراطيّة الحقيقيّة. ماذا تعني الديموقراطية الحقيقيّة؟ تعني أنّ يتمكّن جميع أولئك المتواجدين في فلسطين وفلسطين ملكٌ لهم أو الذين عاشوا في فلسطين لكنّهم مهجّرين في العالم، أن يتمكّنوا من تحديد مصيرهم ومستقبلهم بأنفسهم. لماذا يخشى أتباع الديموقراطيّة هذه الخطّة؟
والمشروع الذي قدّمه الإمام الخامنئي قبل سنوات على أنّه مشروع الجمهورية الإسلامية من اجل فلسطين وهو مشروع طبيعي أيضاً، ألم يتمّ تنفيذ مثل هذه الخطّة في أفريقيا الجنوبيّة والتخلّي عن الأبارتايد؟ هل أبيد البيض؟ لماذا يسعون كذباً للإيحاء بهذه الصورة بأنّ هذا المشروع يعني إبادة اليهود؟ لقد أكّد الإمام الخامنئي مرّات عديدة بأن لا شأن لنا بالشعب اليهودي واليهود الذين عاشوا في فلسطين لديهم الحقّ بأن يبقوا هناك، لكنّهم لا يستطيعون تحديد مصير الآخرين. بل يجب أن يقرّر الفلسطينيّون جميعاً مصيرهم.
كما كان الحال في أفريقيا الجنوبيّة بحيث أنّ جميع الأفريقيّين من سودٍ، وبيض وذوي البشرات الملوّنة تمّ تقسيمهم في نظام الأبارتايد إلى مجموعات متنوّعة وسُلبوا هذا الحقّ الإنساني بأن يعيشوا سواسية مع بعضهم، لكنّهم قرّروا أن يضعوا هذا النّظام جانباً واليوم تمرّ ثلاثين سنة على تلك الحادثة ولم نشهد أيّ حرب أو مجازر في أفريقيا الجنوبيّة.
لكن فيما يخصّ فلسطين وبدل الرّضوخ للذّل وضغوط أمريكا والكيان الصهيوني التي تزداد بشكل يومي ولا تنتهي، هناك سبيلان متلازمان وغير منفصلان لحلّ قضية فلسطين؛ أوّلهما المقاومة والآخر هو الديموقراطيّة وآراء النّاس. سوف تُحلّ قضيّة فلسطين عندما يتمّ العمل بهذين المسارين. ونحن أيضاً سجّلنا في العام الفائت مشروع الإمام الخامنئي في مجلس الأمم المتحدة كمشروع رسمي حتّى يطّلع عليه العالم اليوم أيضاً وإن كان قد اطّلع عليه سابقاً. نحن على مشارف إعلان خطّة "صفقة القرن" بلّغنا مجدّداً مشروع الإمام الخامنئي لكي يلتفت العالم إلى هذه النّقطة بأن مسار الحلّ الوحيد لقضية فلسطين لا يتمثّل في تضييع حقوق شعب وليس صفقة بناء وإعمار، بل إنّ الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني هو الحلّ الوحيد.
هل توجد إمكانيّة للدفع بمشروع الجمهورية الإسلامية قُدماً نحو الأمام وحصد ثماره؟
لاحظوا، القرار النهائي يتّخذه الشعب الفلسطيني وعليهم أن يصلوا إلى هذا القرار. كان المسار الخاطئ الذي انتهجته بعض الحركات السياسيّة متمثّلاً في أنّهم كانوا يعتقدون بأنّهم من خلال التعاون مع المحتلّين يستطيعون إحياء حقوق الشعب الفلسطيني. لكنّ جميع الأطراف الفلسطينيّة اليوم أدركت هذه الحقيقة. لذلك عليهم التفكير ببديل عن اتفاقية أوسلو وبعدها خطّة "صفقة القرن". الخطة التي جاءت نتيجة الاستمرار في سياسة القبول بوساطة أمريكا فيما يخصّ قضية فلسطين المحتلّة. إذاً على الفلسطينيّين أن يقبل بأن هذه ليست وساطة أخرى وأنّ أمريكا تقع في أحد جانبي الصّراع وعليهم أن يلجأوا إلى خطّة تؤول إلى حلّ قضيّتهم.
لقد صرّحنا دائماً بأنّ حقّ الانتخاب ملكٌ للشعب الفلسطيني وأنّ الجمهورية الإسلامية تقبل بذلك المسار الذي يختاره الشعب الفلسطيني. أي أنّنا نقبل بأنّ الشعب الفلسطيني هو صاحب القرار النّهائي وعلى الجميع أن يقبلوا بالقرار النّهائي الذي يتّخذه الشعب الفلسطيني.
منذ بضعة أعوام صرّح الإمام الخامنئي في توقّع استراتيجي لسماحته بأنّ الكيان الصهيوني لن يشاهد الأعوام ال25 القادمة. أيّ تأثيرستتركه صفقة القرن على تسريع زوال الكيان الصهيوني؟
عندما يصل الفلسطينيّون إلى هذه القناعة بأنّ القبول بوساطة أمريكا ليست المسار الذي يحقّق لهم نتيجة، بل إنّ المسار الوحيد يتلخّص في تسخير قدراتهم في المقاومة والمطالبة بالديموقراطية. أكبر نقطة ضعف للكيان الصهيوني هي أن يصرّ الفلسطينيّون على حقوقهم ولا شكّ في أنّ هذا المسار سوف يُثمر بعد التخلّي عن الحلول الزائفة والتأكيد على الحلول الديموقراطية.
نظراً لتسجيل مقترح الجمهورية الإسلامية في إيران من أجل حلّ قضيّة فلسطين بشكل رسمي في منظّمة الأمم المتّحدة، نرجو أن تشرحوا لنا ما يروّج له الكيان الصّهيوني في إعلامه ضدّ هذا النّوع من المبادرات؟
لاحظوا، إنّ أقدم قضيّة تواجهها منظّمة الأمم المتّحدة اليوم هي قضيّة فلسطين. ومنذ البداية لم يتمّ طرح علاج مناسب لحلّ قضية فلسطين في منظّمة الأمم المتّحدة. اللافت هو أن تعلموا بأنّ النظام البهلوي أيضاً كان قد طرح سبيل الحلّ المتمثّل بالديموقراطيّة من أجل إيجاد حلّ لقضيّة فلسطين ولم يكن قد دعم مقترح أن يسلبوا الشّعب الفلسطينيّ حقوقه ويمنحوها للصهاينة وكانت إيران من البلدان التي رفضت في تلك الفترة أيضاً تقسيم دولة فلسطين. طبعاً لم تكن سائر البلدان العربيّة أيضاً موافقة لسياسة التقسيم وينبغي حلّ هذا الخطأ عن طريق الديموقراطيّة.
لكنّ الكيان الصهيوني يروّج بشكل مستمر بأنّ البعض يعادون اليهود، بينما لا أحد يعادي اليهود. ومن لديه سوابق عداء لليهود موجودٌ في مكانٍ آخر. ونحن في هذه المنطقة لا نملك سوابق فيما يخصّ معاداة اليهوديّة. لطالما كانت شعوب هذه المنطقة تستضيف اليهود ولا تزال كذلك. فنحن علينا أن نحترم النّبي موسى (عليه السلام) لكونه رسولاً إلهيّاً. نحن أتباع النّبي موسى (عليه السلام) ونناشد أهل الكتاب للوحدة. لذلك لا يستطيع أحد أن يُقدّم المسلمين والإيرانيّين الذين لديهم سوابق في تخليص اليهود من الهولوكوست على أنّهم يعادن اليهود. نحن نقول بأنّه لا يمكن تضييع حقوق الفلسطينيّين بهذه الحجّة وإنّ السبيل الوحيد لحلّ مشاكل فلسطين هو الديموقراطيّة. العديد من مشاكل العالم اليوم ومن بينها مشكلة الإفراطيّة المسيحيّة واليهوديّة معاداة الإسلام لديها جذور في نقض حقوق الشعب الفلسطيني وهذه المشاكل لا تُحلّ سوى باستعادة الشعب الفلسطيني حقوقه عن طريق الديموقراطيّة.
بعد استشهاد اللواء سليماني قال الإمام الخامنئي: "هذا الرّجل بسط أيدي الفلسطينيّين." ما هي الخطوات التي أقدم عليها الشهيد سليماني والتي جعلت الإمام الخامنئي يتحدّث بهذا النّحو؟ كيف تدعم إيران حاليّاً جبهة المقاومة؟
لطالما وقفت الجمهورية الإسلامية إلى جانب مقاومة الشعب الفلسطيني ومقاومة البلدان المسلمة التي احتلّت أراضيها من قبل الكيان الصهيوني، من ضمنها لبنان، سوريا وسائر الدول العربيّة. الشهيد سليماني كان في الحقيقة رمز مؤازرة ودعم الشعب الإيراني لشعوب المنطقة. فهو لم يقاوم فقط الكيان الصهيوني، بل قاوم التطرّف والإرهاب بكلّ أنواعه. لقد كان إلى جانب الشعوب المقاومة في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق. يُمكن الادّعاء بأنّ الشهيد سليماني لم يكن بطل المقاومة فقط، بل بطل مكافحة الإرهاب وبطل السّلام.
لا شكّ في أنّ شهادته ستترك آثاراً طبيعيّة ووضعيّة عديدة ونحن رأينا تلك الآثار في العراق. بعد فترات من النزاع في شوارع العراق، اتّحد جميع أهالي ذلك البلد بعد شهاد اللواء سليماني من أجل تشييع جثمانه الطاهر ومن ثمّ طالبوا بطرد أمريكا من العراق. لقد كانت فعلة ترامب بلهاء وجبانة لأنّ ترامب عجز عن مواجهة الشهيد سليماني في ميدان النّزال وأُجبر على أن يغتال قائدنا العزيز ورفاقه وعلى وجه الخصوص الحاج أبومهدي المهندس في منتصف الليل عبر طائرة مسيّرة. وكما صرّح الأمريكيّون أنفسهم بأنّ الخطوات الإرهابيّة دليلٌ على الجُبن لا الشجاعة.
لقد تسبّب ترامب بهذه الخطوة البلهاء والجبانة بانطلاق عمليّة إنهاء التواجد الأمريكي في المنطقة. وفي سائر الدول كالهند مثلاً نزل الناس في مئات المدن ضمن مسيرات مناهضة لأمريكا. هذا إنما يدلّ على أنّ أمريكا بهذه الخطوة وجّهت ضربة أساسيّة إلى نفسها وزادت من قوّة جبهة المقاومة وجبهة التصدّي للهيمنة والاستكبار في المنطقة وفي أرجاء العالم.
نطلب منكم أن تختموا حوارنا هذا بذكر خاطرة عن علاقتكم بالحاج قاسم سليماني.
لقد وُفّقت تقريباً في العديد من الأوقات لأن أكون في خدمة هذا الشهيد الجليل. فكلّما تواجدنا في إيران، كنا نعقد جلسة بشكل أسبوعي. لقد كان الشهيد سليماني شخصاً منطقيّاً، ذكيّاً ومستشرفاً للمستقبل. لم يكن أبداً من أولئك الذين يكتفون بإطلاق الشعارات. كان الحديث معه سهلاً للغاية. ودائماً ما كانت تكون آرائنا مختلفة في بداية الجلسة ثمّ كنا نتّفق في نهايتها ونتعاهد على أن أقوم أنا مثلاً بالعمل الفلاني خلال هذا الأسبوع ويقوم هو بالعمل الفلاني. وكنّا نفي بعهودنا دائماً.
كما أنّنا جميعاً والإمام الخامنئي خاصّة كنّا قلقين دائماً على الشهيد سليماني. في كلّ مرّة كنت أراه فيها، كنت عند الوداع أهمس في أذنه "فالله خير حافظاً". كانت المرّة الأخيرة التي رأيت فيها الشهيد سليماني بعد ظهر يوم الأحد الذي سبق يوم الجمعة الذي نال فيه منزلة الشهادة.