الوقت – اتخذ رئيس مجلس الأمة الكويتي "مرزوق الغانم" موقفاً مهمّاً ضد ما يسمى بخطة صفقة القرن، في الاجتماع الاستثنائي للاتحاد البرلماني العربي في الأردن.
قال الغانم في هذا الاجتماع: "نحن الأمة العربية نقول لأصحاب صفقة القرن، من أجل المال وأضعاف ما تقترحونه علينا لن نترك فلسطين، أخرجوا من مقدساتنا واترکوا أرضنا المقدسة". وفي نهاية خطابه، وبعد أن قال إن مكان هذه الخطة الحقيقي هو مزبلة التاريخ، ألقی بنسخة من الخطة التي يطلق عليها "صفقة القرن" في سلة المهملات.
وفي الدورة التاسعة لاجتماع رؤساء برلمانات الدول الإسلامية، اعتبر أيضاً قضية فلسطين القضية الأولی للعرب والمسلمين، وإذ انتقد تراجع أولويات المسلمين، قال إنه يجب عدم نسيان كفاح الشعب الفلسطيني من أجل استعادة أرضه، ولقي هذا الموقف اهتمام الفصائل الفلسطينية.
إن رد فعل رئيس مجلس الأمة الكويتي الحاد والشجاع، الذي يفسَّر على أنه خطوة رمزية لإذلال ترامب، بالنظر إلى الخضوع المهين للزعماء العرب، ولا سيما السعودية، للإهانات المتكررة التي وجهها الرئيس الأمريكي على مدى السنوات الثلاث الماضية، مهم جداً للرأي العام في العالم العربي الذي يطالب بمثل هذه المواقف.
يعتمد نهج الكويت التقليدي تجاه القضية الفلسطينية على دعمها لحل الدولتين. حل يركز أكثر على التفاوض مع أمريكا لإقناع الکيان الإسرائيلي بالعودة إلى حدود 4 يونيو 1967، لتشكيل دولتين ذات سيادة، وستکون القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية. وهذا يتناقض مع خطة ترامب لحل القضية الفلسطينية.
في الواقع، إن خطة السلام التي تسمى صفقة القرن، وكما قال "مهاتير محمد" بأنها تستبعد احتمال قيام أي دولة فلسطينية، كانت نوعاً من الإذلال لجميع الحكام العرب بعد سنوات من التفاوض مع أمريكا، وليست الكويت استثناءً في ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن السياسة الخارجية للكويت، وبسبب افتقارها إلى العمق الاستراتيجي والضعف أمام أي تهديد عسكري، تستند إلى أولويتين هما صفر توتر والتحالف مع أمريكا.
وفي هذا الصدد، لم يتخذ البيان الرسمي لوزارة الخارجية الكويتية بعد يوم من كشف النقاب عن خطة السلام المسماة صفقة القرن، موقفاً صارماً ضدها، بل حتی أشاد بجهود ترامب. لكن الخطة هي خارج الإطار التقليدي لحل القضية الفلسطينية لدرجة أنها تجبر حكام دول مثل الكويت على إبداء ردود أکثر صراحةً وحدّةً، استجابةً للرأي العام في بلدانهم.
ردود الفعل الشعبية على هذه الخطة تتزايد في الدول العربية، وتستمر هذه الاحتجاجات الشعبية حتى الآن في لبنان والمغرب وتونس والأردن، ومن المتوقع أن نرى ردود فعل أكثر راديكاليةً في هذه البلدان، إذا استمر الحكام العرب في تجاهلها. ولذلك، من المتوقع أن يبدي جميع الحكام العرب معارضةً أكثر صراحةً لهذه الخطة، من أجل الاستجابة للرأي العام الداخلي.
لذلك، على الرغم من أننا لا يجب أن نعتبر إلقاء رئيس مجلس الأمة الكويتي لنسخة من صفقة القرن في سلة المهملات، خروجاً عن الإطار التقليدي للسياسة الخارجية الكويتية والمتمثل في الحفاظ على التحالف مع أمريكا، إلا أنه يمكن اعتبار ذلك بشکل رمزي بداية نهاية دعم الدولة العربية للخطط الأمريكية بشأن القضية الفلسطينية.
کما يمكن أن يكون ذلك ضربةً قويةً لأسس الاستراتيجية الإقليمية لأمريكا والتي استمرت لعقود في غرب آسيا، لأن أمريکا تعمل منذ عقود على دمج دول مجلس التعاون في عملية تطبيع العلاقات مع الکيان الإسرائيلي، كمسألة أساسية في إعادة تعريف النظام الأمني السياسي في المنطقة بناءً على مصالحها الخاصة، وتعتبر ذلك هدفاً استراتيجياً.
من المؤكد أن تکرار عمل مرزوق الغانم الرمزي من قبل الزعماء العرب الآخرين، بالنظر إلى دعم الجمهور العربي له، سوف يقضي علی جميع الخطط الأمريكية لتهميش القضية الفلسطينية في العالم الإسلامي ودفع عملية تطبيع العلاقات إلی الأمام.
ويمكن رؤية علامات ذلك في تكرار المواقف الواضحة والصريحة لرئيس مجلس الأمة الكويتي، من قبل آخرين، والمثال على ذلك هو ما أكده رئيس البرلمان اللبناني "نبيه بري" حين شدد على الحاجة للمقاومة، معلناً أن صفقة القرن هي خطة حرب وليست خطة سلام.