الوقت- صادق البرلمان العراقي في 5 كانون الثاني / يناير 2020 ، في اجتماع طارئ على مشروع قانون اخراج القوات الأجنبية من العراق حيث كان اخراج القوات الأمريكية محط اهتمام وسائل الإعلام والمراقبين السياسيين أكثر من أي وقت آخر.
الأحداث التي أعقبت اغتيال واستشهاد الشهيد الفريق قاسم سليماني، وجهت الأنظار في مسار أغفل فيه الجوانب المهمة الأخرى لقرار البرلمان العراقي ، لأن جميع الاهتمامات انصبت نحو الولايات المتحدة الأمريكية. وفي أثناء ذلك، الملاحظة الجديرة بالذكر هي أن ليس الأمريكيون وحدهم هم الذين لديهم تواجد محتل ومنتهك للمعايير الدولية في العراق بل الدول الأخرى الأعضاء في الناتو تحت مسمى "التحالف ضد داعش" هي من بين الجهات الفاعلة التي تم التركيز عليها في مشروع قانون النواب.
وهنا تعد تركيا واحدة من أهم الجهات الفاعلة التي لدى قواتها العسكرية تواجد ملموس ولافت في العراق ، وخلافاً للقوانين الدولية وعلى الرغم من مطالب المسؤولين العراقيين المتعددة ليست مستعدة للخروج من هذه البلاد على الرغم من المطالبات المتكررة. والآن في الوضع الجديد، أي بعد المصادقة على مشروع قانون اخراج القوات الأجنبية من العراق ، من المؤكد يجب على جميع الدول التي لها وجود عسكري تحت أي مسمى اخراج قواتها من العراق.
وفي سياق متابعة هذه القضية، سيتم دراسة وتحليل خلفية وعدد وأسباب الوجود العسكري التركي في العراق.
تواجد القوات التركية في العراق بموجب اتفاق بغداد وأنقرة 1982
لابد من اعادة قراءة اساس وخلفية الوجود العسكري التركي في العراق في الاتفاقية الأمنية لعام 1982 بين بغداد وأنقرة. خلال هذه الفترة كان حزب العمال الكردستاني (PKK) في بداية تأسيسه ونشاطه من قبل عبد الله أوجلان، وكان يستعد تدريجياً لشن عمليات مسلحة ضد الحكومة التركية. العسكريون الاتراك الذين كانوا حديثاً قد قاموا بانقلاب في البلاد توصلوا لاتفاق مع حكومة صدام يمكن لتركيا من خلاله أن تدخل الأراضي العراقية لمسافة تصل إلى 20 كلم لمحاربة الجماعات الإرهابية.
بعد هذا الاتفاق ، دخلت تركيا مراراً وتكراراً الأراضي العراقية خاصة في التسعينيات، حتى أنشأت عدة قواعد عسكرية في محافظة دهوك بين عامي 1996 و1997. وفقاً للإحصاءات ، يصل عدد القواعد العسكرية والاستخبارية التركية الموجودة في المناطق الخاضعة لسيطرة اقليم كردستان في العراق والحكومة المركزية العراقية إلى أكثر من 19 قاعدة، من بينها 15 قاعدة عسكرية و4 قواعد استخبارية أخرى. حيث يوجد حوالي 3 الاف جندي تركي على الأراضي العراقية.
خلافة داعش والفرصة الذهبية للقوات التركية للدخول الى العراق
مثله مثل العديد من التطورات السياسية في العراق ، تحول ظهور داعش إلى منعطف لتواجد القوات التركية في البلاد. في الواقع ، بعد سقوط مدينة الموصل وسيطرة قوات داعش على هذه المدينة في عام 2014 وطلب مسعود البرزاني وموافقة الحكومة المركزية العراقية ، تم نشر القوات العسكرية التركية على بعد حوالي 30 كلم شمال شرق مدينة الموصل في منطقة تسمى "بعشيقة". وأنشأت قاعدة عسكرية لتدريب القوات المحلية.
ومع ذلك ، إن تواجد القوات التركية في العراق لم ينته في عام 2014 ، بل شهدنا تقوية متزايدة لقاعدة بعشيقة العسكرية التركية وكذلك زيادة في عدد قواعدها العسكرية في إقليم كردستان. بحيث تشر التقديرات الآن الى أن عدد القواعد العسكرية التركية قد وصل إلى ما بين 40 و 50 قاعدة. اذ أصبحت هذه القضية مشكلة لحكام بغداد خلال السنوات القليلة الماضية ، ومطالبهم كانت ترفض دائماً من قبل أردوغان ومسؤولين أتراك آخرين. باختصار ، تقدم أنقرة حجتين لبقاء قواتها في العراق. أحدهما هو وجود مجموعات إرهابية تابعة لحزب العمال الكردستاني في جبال قنديل شمال العراق وتهديد الأمن القومي من قبل هذه المجموعات، والآخر هو اثارة قضية تعهد الجيش التركي بتدريب قبائل محافظة نينوا لمواجهة بقايا داعش.
قانون اخراج القوات الأجنبية ونهاية تذرع أنقرة
على الرغم من أعذار تركيا خلال الاعوام القليلة الماضية يطرح السؤال التالي، "هل يمكن لأنقرة في ظل الظروف الجديدة البقاء كما السابق في العراق، خاصة بعد المصادقة على مشروع قانون اخراج القوات الأجنبية من العراق أم لا؟". حقيقة الأمر هي أن قانون البرلمان العراقي لا يستثني أي قوات عسكرية أجنبية، ويبدو أنه في حال خروج القوات الأمريكية وخروج قوات الدول الأعضاء الأخرى في "التحالف ضد داعش" لن يكون أمام تركيا خيار سوى اخراج قواتها ، خاصة من منطقة بعشيقة.
في بعد آخر ، يجب الانتباه إلى أنه على عكس مرحلة وجود داعش في العراق ، فإن وضع السياسة والحكم في العراق ليس مضطرباً كما كان في الماضي ليرضخ رئيس الوزراء العراقي الجديد امام ذرائع أنقرة لعدم الخروج من البلاد. بالإضافة إلى ذلك ، لم يعد هناك أي وجود ليتحول العراق إلى مسرح لتواجد القوات الأجنبية ، والنتيجة الحتمية لذلك يمكن أن تكون احترام تركيا لسيادة العراق الوطنية وخروجها من هذا البلد.