الوقت- تمكنت محاولات الحكومة السعودية لتنحية تركيا وتوسيع نفوذها بين المعارضين السوريين، مرة أخرى من تمزيق أوصال الهيئة العليا للمعارضة السورية.
اختتم اجتماع "المعارضون المستقلون السوريون"، يوم أمس بعد يومين من الاجتماعات في العاصمة السعودية الرياض، لكنه أثار صخباً شديداً بين أوساط المعارضة السورية.
هذا الاجتماع الذي انتقدته بشدة "الهيئة العليا للمعارضة" بقيادة نصر الحريري، وصفته أوساط اعلامية تابعة للمعارضة السورية بأنه انقلاب من قبل الحكومة السعودية على الهيئة العليا للمعارضة.
وفي هذا الصدد، تناول موقع "العربي الجديد" في تقرير، هذا الاجتماع وطرح السؤال التالي ما هي أهداف الحكومة السعودية من هذا الاجتماع؟ خاصة وأن الهيئة العليا للمعارضة قامت يوم الخميس وقبل يوم واحد من عقد الاجتماع، بالإعلان رسمياً في رسالة الى الخارجية السعودية عن احتجاجها الشديد لكن المسؤولين السعوديين لم يكترثوا لذلك الاحتجاج.
وذكر موقع "العربي الجديد" نقلاً عن مصادر في المعارضة أن السعودية تقود حراكاً لإدخال تغييرات على تركيبة الهيئة، بهدف تقليص نفوذ تركيا داخلها. وخرج الرئيس الحالي للهيئة نصر الحريري، بمؤتمر صحافي في إسطنبول لمعاتبة السعودية على قيامها بهذه الخطوة، وعلى الرغم من أن الحريري أكد "دور السعودية وأهميتها كدولة محورية إقليمية"، مضيفاً أنه "لا يمكن أن ينكر أحد الدعم الذي قدمته السعودية للشعب السوري بكل المجالات"، إلا أنه أشار إلى وصول "اعتراضات من مكونات أساسية في هيئة التفاوض على آلية عقد الاجتماعات"، موضحاً "أن تلك الاعتراضات جاءت وفق مبدأ قانوني، إذ لا يوجد سند قانوني لعقد مثل هذه الاجتماعات، إضافة إلى أنها كانت بحاجة إلى تشاور وتنسيق وانخراط جميع الأطراف السورية".
كما حذر الحريري من انقسام المعارضة السورية، ورأى أنه يهدد عمل اللجنة الدستورية التي طال انتظارها، وهو ما يهدد العملية السياسية برمتها.
ويضيف التقرير ، "إلا أن الهدف الرئيس من اجتماعات الرياض بانتخاب "كتلة المستقلين" داخل الهيئة حصل فعلاً، خلال الجلسة المخصصة لذلك يوم أمس السبت، فانتخب الحاضرون، البالغ عددهم 66 من أصل 70 من المدعوين بعد تعذّر وصول 4 منهم لأسباب لوجستية، ثمانية أعضاء ليشكلوا "كتلة المستقلين".
الهيئة العليا للمعارضة التي يرأسها نصر الحريري يبلغ عدد أعضائها 36 عضواً موزعين أو مرشحين من قبل كتل مختلفة، هي: الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة (8 ممثلين)، و"هيئة التنسيق" (5 ممثلين)، والفصائل المسلحة (7 ممثلين)، و4 ممثلين لكل من منصتي موسكو والقاهرة.
هذه التشكيلة تمت انتقاؤها في اجتماع 26 نوفمبر عام 2017 خلال اجتماع الرياض2 عندما كانت الحكومة السورية والمعارضة يستعدون لإقامة الجولة الثامنة من مباحثات جنيف. حيث ان احتجاج المعارضة السورية ناجم عن سبب ضرورة تغيير تشكيلة كتلة المستقلين التي اختيرت في عام 2017 من أعضاء الهيئة العليا للمعارضة عبر التدخل السعودي.
وعن تشكيلة المستقلين الجديدة قال فاتح حسون، عضو الهيئة بناءً على اجتماع الرياض 2 عن كتلة المستقلين السابقة، إنّ من "المستغرب كيف قامت اللجنة التحضيرية بدعوة من اعتبرتهم مستقلين ومعظمهم يتبع لأحزاب وتكتلات سياسية، والبعض الآخر تربط أواصر القربى بعضهم ببعض، فيما استثنت من حضر مؤتمر الرياض 2 من المستقلين ذوي التأثير والرأي والمكانة، وكأن هناك تدبيراً مقصوداً لذلك، ناتجاً من تباين المواقف واستبعاد من يتمتعون بحنكة سياسية، وتوافق دولي". وتابع حسون، "لا يعتقدنّ أحد أن الأمور ستنتهي عند هذا الحد، بل للأسف ستكون هناك تداعيات سلبية، وستفقد هيئة التفاوض الجزء الذي كان معها من شعبية وتجاوب الشارع الثوري، إن لم تتدخل قيادة السعودية وتصحح ما حدث".
وتأتي هذه الخطوة السعودية لإعادة هيكلة هيئة التفاوض، بعد جولتين من عمل اللجنة الدستورية، التي انطلقت بعد جهود أممية مكوكية وشاقة من قبل المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، علماً أن الجولة الثانية في 25 نوفمبر من عمل اللجنة وصفت بالفاشلة، بعد رفض الحكومة السورية الدخول إلى أروقة اجتماعاتها لكن جميع الاطراف تنتظر اقامة الجولة الثالثة، فبالنظر الى التغيير الذي حدث في تشكيلة الهيئة العليا للمعارضة فإن المعارضة ستكون في موقف ضعف.
وبعد توارد الأنباء عن دعوة السعودية إلى هذا الاجتماع، صوبت اتهامات نحو الرئيس الحالي لقائمة المعارضة للجنة الدستورية، هادي البحرة، بالوقوف وراء ترتيب الاجتماع، مع الحديث عن نيّته إطاحة الرئيس الحالي لهيئة التفاوض نصر الحريري.
إلا أن البحرة نفى هذه الاتهامات بالمطلق، في حديث مع "العربي الجديد"، مشيراً إلى أن هذه الادعاءات "خيال روائي كوميدي أسود، لا صحة ولا أساس لما ذكر بالمطلق، ولا يوجد أي صراعات بين ممثلي الائتلاف الذين يخضعون بالكامل للعمل وفق مرجعيتهم. وعلى العكس مما جرى تداوله، يوجد عمل جماعي منسق ومنظم ومنضبط، وعضو الائتلاف في الهيئة يمثل الائتلاف ولا يمثل نفسه، أي إن صفته اعتبارية".
في الختام، اعتبر المعارضون السوريون هدف الحكومة السعودية من هذا الاجتماع هو تقليص نفوذ تركيا بين المعارضين. حيث يقع مقر الهيئة العليا المعارضة في اسطنبول.
الحكومة السعودية، على الرغم من إنفاقها الكبير في الأزمة السورية خلال السنوات الأولى من الأزمة، تم تهميشها في السنوات الأخيرة لذلك تحاول اعادة نفسها إلى المشهد السوري بأي شكل من الأشكال.
الجماعات المسلحة التابعة للرياض كـ"جيش الإسلام" قد انهارت تقريباً خلال السنوات الأخيرة من قبل الجيش السوري والمقاومة وتم ترحيلها إلى المناطق الشمالية من محافظتي ادلب وحلب، وتمكنت تركيا من إكمال وصايتها تدريجيا على الجماعات الإرهابية المسلحة في سوريا. وفي الوقت الراهن، لا تمتلك الحكومة السعودية اي نفوذ على أي من المناطق في سوريا.
وبالتزامن، تحاول الحكومة السعودية أن يكون لها اليد الطولى في تشكيل الهيئة العليا للمعارضة. ففي المشهد الميداني ، لديها اتصال مع الأكراد السوريين الذين هم في حالة حرب مع تركيا ، ووعدتهم بتقديم المساعدة المالية والعسكرية.
كما قام وزير الدولة لشؤون الخليج الفارسي بوزارة الخارجية السعودية ثامر السبهان، في 12 يونيو ، برفقة نائب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية السابق" جويل روبن" والسفير الأمريكي السابق في البحرين "ويليم روباك" بزيارة محافظة ديرالزور في شرق سوريا، والتقى بعض قادة الأكراد والعشائر العربية في المنطقة.
ففي هذا اللقاء، ابلغ ثامر السبهان زعماء العشائر أنه في مقابل عدم النزاع مع الأكراد وقطع العلاقات مع تركيا وقطر ، ستقوم السعودية بدعمهم من خلال ايجاد فرص عمل وإعادة بناء القرى والتعويض للمتضررين ، فضلا عن جعل العشائر تساهم في إدارة المنطقة.
لذلك يمكن القول أن التوتر بين الرياض وأنقرة، الذي أثر على منطقة الخليج الفارسي و شرق البحر المتوسط وشمال إفريقيا ، دخل اليوم المرحلة السياسية في سوريا ، ومصير الجماعات التي تطلق على نفسها اسم "الهيئة العليا للمعارضة" في حالة من الغموض.