الوقت- بعد أكثر من شهرين على اندلاع الأزمة في لبنان، وبعد تأجيل الاستشارات مرتين من قبل رئيس الجمهورية، أفضت استشارات الأمس في القصر الجمهوري إلى تكليف الوزير السابق حسان دياب لتأليف الحكومة.
دياب الذي حصل على 69 نائباً، مقابل 13 نائباً سمّوا نواف سلام ونائب سمى حليمة قعقور، فيما لم يسمّ 42 نائباً أحداً، تنتظره مهمّة شاقّة، خاصّة أن الحريري الذي حاول بالأمس إحراق الوزير دياب في الشارع عبر بعض من مناصريه، قد صرّح بضرورة منح دياب فرصة لأن البلاد تمر بأزمة، لكنه لن يشارك في حكومة دياب.
وبين تصريحات الحريري الذي فضّل عدم تسمية منافس لدياب، إلا أنه لم يدعم دياب الذي حصل على أصوات تحالف 8 آذار - التيار الوطني الحر، وأفعال مناصريه على الأرض اختلاف كبير يؤكد أن الرئيس الحريري الذي لا يصر على الإعلان أنّه لا يريد الحكومة، هو في الحقيقة يمارس سياسة الضغط إلى الحدّ الأقصى على 8 آذار والتيار الوطني الحر.
اليوم، انتهت مرحلة التكليف وبانتظار مرحلة التأليف والثقة الحكوميّة، هناك جملة من الدلالات والاتجاهات التي رسمتها الكتل النيابية في زيارتها لبعبدا، نذكر منها:
أولاً: يُسجل للرئيس عون حرصه على البلد، فرغم التأجيل السابق، إلا أنّه قبل أيام عمل بتمنّي الرئيس الحريري ووافق على تأجيل الاستشارات 3 ايام لإعطاء الفرصة. لم يمارس الرئيس عون الشعبوية التي مارسها الكثير من السياسيين في لبنان خلال الأزمة، بل بدا حريصاً على الوطن، ولو كان الامر على حساب رصيده الشخصي بين الناس.
ثانياً: أظهرت الاستشارات نتيجة الانتخابات النيابية السابقة من جهة، وحنكة 8 آذار مع التيار في اختيار مرشح وسطي، غير مرتبط بأجندات خارجية. الحريري الذي عمد إلى حرق كل الأسماء التي طرحت سابقاً، لم يعد بإمكانه إحراق المزيد من الأسماء في الشارع، لاسيّما أنّ الرئيس و8 آذار منحوه الفرصة الكافيّة لاتخاذ القرار المناسب. الحريري وبدل أن يقدّم طروحات لحلّ الأزمة، عمد إلى ركوب موجة الحرائق لتعزيز أوراقه في المفاوضات مع كافّة الاطراف، ولكن هذه الأوراق لم تنفعه سوى في حرق المرشحين السابقين.
ثالثاً: أمسك الحريري العصا من الوسط، فلم يذهب إلى تسمية نواف سلام والدخول في مواجهة من قوى 8 آذار التي تريد التفاهم معه، لكنّه أيضاً لم يسمِ حسان دياب الذي وصفه الإعلام الأمريكي بأنه مرشح حزب الله. في المقابل، عمدت قوى 8 آذار التيار الوطني الحر أيضاً إلى إمساك العصا من الوسط حيث لم تُبقَ البلد معطّلاً في ظل الأزمة الراهنة، لكنها لم تسمٍ مرشحاً لها، بل عمدت إلى تسمية مرشح وسطي.
رابعاً: أكّد مجلس ممثلي الشعب رفضه للخيار الأمريكي. واشنطن التي تسعى للانقلاب على نتائج الانتخابات، تعمد اليوم إلى الانقلاب على حليفها الحريري الذي يبدو أنه مهدد من قبل واشنطن التي ترشح نواف سلام، في حال وافق على تسميته، ولعل هذا التهديد هو السبب في عبارته " ليس أنا بل أحد غيري". أظهرت النتائج سقوط خيار واشنطن بالضربة القاضية فقد حصل على 13 صوتاً فقط، وبالتالي احترقت الورقة الأمريكية الممثلة بنواف سلام، والمستفيد الأبرز من هذه الخطوة هو الرئيس الحريري نفسه.
خامساً: أدركت قوى 8 آذار والرئيس عون وجود مخطط أمريكي يستهدف البلد، ووجود خيار للتوجه نحو تكليف نواف سلام، أي إن الحريري هو مكره اليوم في عبارة" ليس أنا بل أحد غيري"، تماماً كما كان وضعه أثناء إعلان استقالته من السعوديّة. بعبارة أخرى، إن سقوط خيار سلام اليوم هي ضربة معلّم، فلم يعد بإمكان الأمريكي المناورة على الورقة المحترقة، فإما الرضوخ للوزير دياب، او العودة إلى خيار الحريري. القوى التي سمّت الوزير دياب هي صادقة في تسميته سواء حصل على الثقة أم لم يحصل، ومن فوائد هذه التسمية أنها أولاً قد أحرقت المشرع الأمريكي، وثانياً تفتح الباب أمام الحريري للعودة إلى الحكومة، ولعل هذا الأمر أحد أسباب مباركة الحريري لتكليف دياب وعدم وضع أي فيتو عليه.
سادساً: الحريري هو المتّهم الأبرز بتعطيل البلاد في الفترة السابقة. اليوم، حاول التهرّب من الامر عبر خيار "عدم التسمية"، ولكن يبقى الأمر رهن التكليف والثقة الحكومية. الحريري قد قال في الجلسة التي عقدها لكتلة "المستقبل" قبل الاستشارات: "سنعطي الحكومة الجديدة فرصة. وفي أول 100 يوم، لن ننتقدها. البلد بحاجة إلى إنقاذ، ولا نريد أن نظهر كمعطّلين". اذن، العبرة في الثقة الحكوميّة، لأننا اعتدنا في الفترة الاخيرة أن نرى من تصرفات الحريري خلاف ما يُسمع منه، وخير دليل على ذلك تحرك مناصري المستقبل بالأمس لقطع الطرقات، ولا سيما طريق الجنوب، اعتراضاً على تكليف دياب، بالرغم من أن تصريحات الحريري لا توحي بذلك.
يبدو أن تكليف دياب هو الوقت المستقطع بين الحكومتين الحريرتين، لاسيّما أنه يرفض المشاركة في الحكومة والرئيس عون وحزب الله وحركة أمل يرفضون حكومة من لون واحد، لأنها تسير بالبلاد نحو الانقسام، وهو خيار أمريكي مناسب لبث الفوضى، فلننتظر ونرى.