الوقت- لا تزال الاستشارات النيابية اللبنانية رهن الظروف العامّة في لبنان. وبعد فشل المجلس النيابي من الانعقاد عدّة مرات، بسبب حرق أو احتراق الأسماء المطروحة لتولي منصب رئاسة الوزراء، يتردّد اسم رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري لرئاسة الحكومة.
فقد عمد الرئيس اللبناني ميشال عون إلى تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار رئيس للحكومة بعد انسحاب سمير الخطيب من سباق الترشح، و"توافق" الطائفة السنية على إعادة تسمية سعد الحريري لهذا المنصب.
وبعد بيان المجموعة الدولة التي عقدت اجتماعها في باريس، خرج الحريري ببيان عنوانه" إما أنا أو لا أحد" حيث اشترط الحريري مجدداً حكومة الاختصاصيين لتولي منصب رئاسة الحكومة في لبنان. الحريري الذي يدّعي "ابحثوا" عن غيري في حال رفض شروطي، يعمد إلى حرق أيّ إسم يُطرح على الساحة السياسية، سواء عبر المتظاهرين التابعين له، أو عبر البوابة الدينية السنيّة في لبنان حيث عمد دار الفتوى إلى ترشيح الحريري، وبالتالي يُعتبر أي إسم يُطرح غير الحريري استهدافاً للطائفة السنيّة الكريمة، كما تروّج بعض الجهات، فهل لبنان بلد لطائفة معيّنة أم لكل اللبنانيين!
لا شكّ أن الحريري لا يمرّ في أحسن أوأحوله اليوم، كما هو الوضع الاقتصاي والسياسي في لبنان، ولعل طريقته تشبه إلى حدّ بعيد الطريقة التي استخدمها أثناء رحلة "الاحتجاز" في السعودية، وهنا نشير إلى التالي:
أوّلاً: يبدو أن الحريري محتجزاً في بلده اليوم، ولا شك أن هذا الاحتجاز "الناعم"، أشدّ خطورة من الاحتجاز "الحاد" الذي تعرّض له في السعودية. حينها، ورغم خطورة ما حصل، إن أضراره كانت مرتبطة بشكل كبير بالرئيس سعد الحريري بسبب تهم الفساد الموجهة إليه من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ولولا التحرّك القوي لرئيس الجمهورية ميشال عون، والدعم الفرنسي لكان الرئيس الحريري اليوم يقبع في أحد السجون السعوديّة. ولكن احتجازه الناعم اليوم في بيت الوسط يؤثر على كافّة اللبنانيين، وفي مقدّمتهم الفئة الشعبية المحسوبة على الرئيس سعد الحريري.
ثانياً: لا شكّ أن الحريري هو المسؤول عن الوضع الاقتصادي اللبناني الحالي، فهو رئيس الحكومة اليوم، ولو كانت حكومة تصريف أعمال، وبالتالي يجب أن يدرك جيداً أنّ هو الذي سيتحمّل التبعات السياسية والاقتصادي لأي انهياء قد يحصل. يخطئ الرئيس الحريري إذا ما كان يعتقد أنّه بإماكنه تكرار تجربة والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري في القدوم على حصان أبيض، فأولاً لم يكن الرئيس رفيق الحريري رئيس الحكومة المسؤولة عن الانهيار، ثانيا لم يكن تاريخ الحريري الأب سوداوياً في ذهن اللبنانيين. وأما الحريري الإبن فهو أولاً وريث المنظومة التي تسبّبت بالانهيار، ثانياً هو متّهم في الفساد في العديد من الملفات، ثالثاً هو رئيس الحكومة الحاليّة.
ثالثاً: يُخطئ من يعتقد أن طرح إسم الحريري هو لعدم تورّطه في الفساد، ولكن بما أنّ الحريرية الاقتصادية هي المسؤولة عما آلت إليه الأمور في لبنان منذ 30 عام، م غير الصحيح أن يتحمّل الانهيار شخصية من خارج الحريرية السياسية، وبالتالي بإمكان الحريري أن يرشّح الشخصية التي يريدها لتولّي هذا المنصب، لأن الانسحاب في هذا الوقت مرفوض. مصادر في التيار الوطني الحر أشارت إلى الحريري ليس أهل ثقة بعد اليوم وغير مؤهل لادارة حكومة انقاذية للبلد، ولكن التيار سيعمد التيار الى تركه يؤلف الحكومة التي يريدها منفردا ووفق التوجيهات الأمريكية. يرى التيار أن المرحلة المقبلة هي مرحلة الانهيار ولا يطمحون ليكونوا شركاء فيها لسبب رئيسي أنهم لم يكونوا يومها جزءاً من النظام الاقتصادي الذي أدى الى ما يحصل حاليا.
رابعاً: قد يعترض البعض على تسمية الحريري، سواء لسبب تورطه في الفساد أو نظراً لتبنّيه الحريري الاقتصادية التي لا يمكن لها أن تنهض بالبلد، فكيف له أن يحارب الفساد وينهض بلبنان؟ الإجابة هي أن التركيبة السياسية اللبنانية تستدعي وجود كافّة الأطراف الأقوى في طائفتها داخل الحكومة، ولعل تجربة السنيورة خير دليل على ذلك. عندما تمّ تقديم ملف فساد الرئيس السابق فؤاد السنيورة إلى المدعي العام المالي علي إبراهيم، سارعت دار الفتوى إلى وضع خطّ أحمر واعتبار هذا الأمر استهداف للطائفة السنية! من هنا لا بدّ من وجود الحريري في منصب رئاسة الوزاء لمواجهة الفساد، وتحمّل مسؤولياته حتى لا يصبح كل فاسد خطّ أحمر.
خامساً: باختصار اذا كان هناك انهيار في لبنان، فعلى الحريرية الاقتصادية أن تتحمل تبعات أخطائها، واذا كان هناك حكومة مكافحة فساد، فلا بد من ترؤسها من قبل الحريري حتى لا يتم الحديث عن استهداف فئة دون أخرى.
عوداً على بدء، يعاني الحريري اليوم من احتجاز ناعم في بيت الوسط، وهو يحتاج إلى المساعدة تماماً كما حصل أثناء احتجازه في الرياض. هذا الدعم لن يكون بتركه يؤلف حكومة "أمريكية الشروط"، فإما أن يتحمّل تبعات احتجازه، وإما أن يعود رئيساً للحكومة وفقاً للشروط الشعبية اللبنانية.