الوقت- بعد وصول الإمام موسى الصدر إلى ليبيا بتاريخ 25 أغسطس 1978 برفقة الشيخ محمد يعقوب والصحفي عباس بدر الدين، في زيارة رسمية، أغفلت وسائل الاعلام الليبية أخبار هذه الزيارة، وانقطع اتصال الامام الصدر بالعالم خلاف عادته في أسفاره حيث كان يُكثر من اتصالاته الهاتفية يومياً بأركان المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي كان يترأسه في لبنان وبعائلته.
سبب الزيارة الى ليبيا
بعد الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان بتاريخ 14/3/1978 بادر الإمام موسى الصدر الى القيام بجولة على بعض العواصم العربية داعياً لعقد مؤتمر عربي بهدف الضغط على الكيان الاسرائيلي للإسراع بتنفيذ القرار 425 والانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة، وهو ما أعلنه الإمام الصدر بنفسه في حديث أجرته معه إحدى الصحف البحرينية في ذلك الوقت.
وحصلت الزيارة بناء على طلب خاص من الرئيس الجزائري هواري بومدين أثناء اجتماع الإمام موسى الصدر به، وذلك في نطاق الغاية المبينة أعلاه.
ونظراً للإنجازات العظيمة التي قام بها الإمام الصدر، ولما كان يسعى إلى تحقيقه سواء على الصعيد الوطني أو على صعيد القضية الفلسطينية وغيرها، كل ذلك أكسبه مكانة مرموقة، شعر معها المتربصون بالمنطقة بالخطر على مصالحهم، فتحوّل إلى هدف لأجهزة الاستكبار العالمي التي خططت للتخلص من مشروعه الكبير، فكان أن دبرت تلك الأجهزة عملية اختطافه بعد قدومه إلى ليبيا.
وفي البدء تجاهلت السلطات الليبية قضية إخفاء الإمام الصدر، وتهرّب معمر القذافي من التكلم مع الرئيس اللبناني الياس سركيس عندما طلب التحدث معه هاتفياً في القضية بتاريخ 12/9/1978. ولكن بعد تفاعل القضية إعلامياً ودولياً، وعلى إثر اجتماع القذافي بياسر عرفات صدر البيان الليبي الرسمي بتاريخ 17/9/1978 متضمناً مغالطات مكشوفة وزعماً بأن الإمام الصدر ورفيقيه غادروا ليبيا مساء 31/8/1978 إلى إيطاليا على متن طائرة إيطالية.
وأجرى القضاء الإيطالي تحقيقاً واسعاً في القضية انتهى بقرار اتخذه المدعي العام الاستئنافي في روما بتاريخ 12 أغسطس 1979 أثبت من خلاله أن الإمام الصدر ورفيقيه لم يدخلوا الأراضي الإيطالية. وتضمنت مطالعة نائب المدعي العام الإيطالي الجزم بأنهم لم يغادروا ليبيا.
وأبلغت الحكومة الإيطالية رسمياً، كلاً من الحكومة اللبنانية والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، والحكومة السورية، وحكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أن الإمام الصدر ورفيقيه لم يدخلوا الاراضي الإيطالية ولم يمروا بها "ترانزيت".
وأوفدت الحكومة اللبنانية بعثة خاصة إلى ليبيا وإيطاليا، لاستجلاء القضية فرفضت السلطات الليبية السماح لها بدخول ليبيا، فاقتصرت مهمتها على إيطاليا حيث تمكنت من إجراء تحقيقات دقيقة توصلت من خلالها إلى أن الإمام الصدر ورفيقيه لم يصلوا إلى روما وأنهم لم يغادروا ليبيا في الموعد والطائرة الذين حددتهما السلطات الليبية في بيانها الرسمي.
وحمّل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، في بيانات عدة، وخاصة في مؤتمرين صحفيين عقدهما نائب رئيس المجلس الشيخ محمد مهدي شمس الدين في بيروت بتاريخ 31 أغسطس 1979 و10 أبريل 1980؛ حمّل القذافي شخصياً المسؤولية عن إخفاء الإمام الصدر ورفيقيه.
وأعلن نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أيضاً أن ملوكاً ورؤساء عرب أبلغوه وأبلغوا ممثلي المجلس مسؤولية القذافي عن هذا الإخفاء.
كما أعلنت هذه المسؤولية أيضاً منظمة التحرير الفلسطينية في مقال افتتاحي في صحيفتها المركزية "فلسطين الثورة" العدد 949 تاريخ 11 ديسمبر 1979.
وبتاريخ 29/8/2001 وتزامناً مع الذكرى الثالثة والعشرين لإخفاء الإمام الصدر ورفيقيه، وكنتيجة لاتصالات ومتابعات مكثفة، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرها لعام 2001 حول "الإختفاءات القسرية" الذي تضمن فقرة حول الإمام الصدر مؤكدة أن ادعاء السلطات الليبية حول مغادرة الإمام ورفيقيه ليبيا يتناقض مع التحقيقات التي أجرتها الدولة الإيطالية والتي أكدها حكم محكمة ايطالية.
وفي خطابه السنوي في 31/8/2002 وكنتيجة للمتابعات القضائية ولضغوط لبنانية وإيرانية، أقر القذافي، بخلاف كل تصريحاته السابقة، بأن الإمام الصدر اختفى في ليبيا مما حدا بمنظمة العفو الدولية إلى تضمين إقراره هذا في تقريرها السنوي لعام 2003 القسم الخاص بليبيا حيث جاء فيه "أن القذافي اعترف رسمياً بأن الإمام الصدر اختفى في ليبيا أثناء زيارته لها سنة 1978".
وفي 27/7/2004 تقدمت عائلات الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب والأستاذ عباس بدر الدين بدعوى ضد القذافي ومسؤولين آخرين حمّلتهم المسؤولية الكاملة والمباشرة عن عملية الخطف.
وبتاريخ 21/8/2008 أصدر قاضي التحقيق العدلي في لبنان سميح الحاج قراراً طلب خلاله إنزال عقوبة الإعدام بحق القذافي وستة من كبار معاونيه لاتهامهم بخطف وحجز حرية الإمام موسى الصدر ورفيقيه.
وبعد سقوط نظام القذافي، تحرّك ملف مصير الإمام الصدر بقوّة على الصعيد الرسمي اللبناني، بعد تكليف الحكومة اللبنانية لوزير الخارجية عدنان منصور متابعة قضية الإمام المغيب ورفيقيه، ويتمّ الإتصال بقادة النظام الحاليين في ليبيا، ولكن حتى الآن لم تصدر أي نتيجة نهائية رسمية.
ولا يوجد أي تأكيد على وفاة الإمام موسى الصدر؛ بل تؤكّد عائلته بأنّه ما زال على قيد الحياة، وهذا ما أكدته شقيقته السيدة رباب الصدر في أكثر من مناسبة، وكذلك قيادة حركة أمل خصوصاً على لسان رئيسها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري.
وربما يظنّ المستكبرون أنهم اختطفوا الامام موسى الصدر وقضوا على مشروعه، ولكنهم وإن كانوا قد غيّبوه جسداً، ولكن أفكاره الحيّة بقيت نبراساً ينير الدرب لهذه الأمة التي لازال مفكروها ومثقفوها ينتظرون الافراج عنه بفارغ الصبر.