الوقت- يستمر منذ فترة طويلة لغز تطبيع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني. وقد تم تسليط الضوء على هذه القضية خلال الأشهر الماضية من خلال مخططات لها جنبة اقتصادية كصفقة القرن. وفي فيما يتعلق بهذا الامر، كانت السعودية والإمارات والبحرين في طليعة الدول لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. هذا وبادرت السعودية منذ سنوات، وتحديدا منذ مارس 2002 بمبادرة في الجامعة العربية لإنهاء الصراع العربي مع الكيان الصهيوني وسميت حينئذ بمبادرة السلام العربية. وبموجب المبادرة، يتوجب على الصهاينة الانسحاب من الأراضي المحتلة في عام 1967، بما في ذلك مرتفعات الجولان والقدس الشرقية، وتشكيل دولة فلسطينية مستقلة تكون عاصمتها القدس، وفي المقابل، تلتزم جميع دول الجامعة العربية على إنهاء النزاع مع إسرائيل وتعزيز السلام بينهم وبين إسرائيل، والأهم من ذلك، البدء بتطبيع العلاقات مع هذا الكيان.
وعلى الرغم من أن المبادرة كانت تهدف إلى حلحلة الصراع الفلسطيني الصهيوني أولاً ثم تطبيع العلاقات العربية مع تل أبيب في المراحل اللاحقة، إلا أن مرور الوقت تبين أن تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل هي الأولوية، وبعد تحقيق هذا المهم، سيتم مناقشة ان هل سيكون من الضروري فعل امر ما حيال الصراع الفلسطيني الصهيوني؟
وخلال السنوات الأخيرة، وخاصةً بعد طرح المبادرة في عام 2002، أقامت معظم الدول العربية علاقات سرية مع تل أبيب، لكن على مدار العام الماضي، أخذت هذه المبادرة منحى تصاعدي خاصة بعد صفقة القرن التي اطلقها صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جاريد كوشنر . وتفيد بنود صفقة القرن على ضرورة تسليم نصف الضفة الغربية وجزء من القدس الشرقية إلى الكيان الصهيوني، وفي المقابل، فإنها توافق على تشكيل دولة فلسطينية مستقلة في النصف الآخر من الضفة الغربية وقطاع غزة، وتكون مدينة "ابو ديس" عاصمة لفلسطين بدلاً من القدس. كما تتضمن الصفقة أيضًا التخلي عن حق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم المعترف به في قرار مجلس الأمن رقم 194.
إجراءات تتماشى مع تطبيع العلاقات
صرح الوزير الصهيوني السابق أيوب قرا مؤخرًا: "يمكن لجميع الإسرائيليين التمتع بمصالح سياسية واقتصادية مع دول الخليج العام المقبل والسفر إلى هذه الدول". وقال إن تل أبيب بدأت بعلاقات مع السلطات البحرينية ومسؤوليها. وأشار الوزير الإسرائيلي إلى أنه يتفاوض حاليا مع شركة عربية حول رحلات المواطنين الإسرائيليين إلى السعودية والإمارات، وسيكون من صلاحيات هذه الشركة الواقعة في احدى الدول الخليجية، بعد فترة، السماح للمسلمين الحاملين جوازات سفر اسرائيلية من دخول مكة المكرمة.
وعلى نفس المنوال، صرح وزير السياحة التونسي روني الطرابلسي منذ بضعة أيام، حول إمكانية منح تأشيرة للصهاينة لدخول البلاد. واشار وزير السياحة التونسي إلى أن 90٪ من اليهود الذين يسافرون إلى تونس لزيارة المواقع الدينية، هم من أصل تونسي، مشددًا على حقهم في العودة إلى ديارهم والحصول على جواز سفر. واثارت تصريحات وزير السياحة التونسي مؤخرًا بشأن التأشيرات الصهيونية، احتجاجات واسعة طالبت بإقالته من منصبه. وقال ناشطون تونسيون إن هذه التصريحات تعني تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
كما غرد موقع وزارة الخارجية الصهيونية على تويتر عن حضور وفد إسرائيلي في العاصمة القطرية الدوحة. ووفقًا للتقرير، ذكرت وزارة الخارجية الصهيونية أن الطاقم الطبي للكيان والذي ذهب إلى قطر لحضور اجتماع دولي، يتألف من تسعة أشخاص. وفي سبتمبر الماضي، شاركت اللجنة الرياضية الصهيونية في بطولة رياضية في قطر في الفترة 6-27 أكتوبر. وتأتي زيارة رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى مسقط وزيارته لملك عُمان على انها محاولة أخرى لتطبيع العلاقات مع تل أبيب.
ومن الأمثلة الأخرى على تطبيع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني، مشاركة الوفد الصهيوني في مؤتمر البحرين المناهض لإيران حول الأمن البحري وإعلان استعداد تل أبيب للتعاون الاستخباراتي والانضمام إلى مهمة الأمن البحري في الخليج، وهو بمثابة دلالة اخرى على التطبيع العربي مع اسرائيل.
وفي ظل هذه الظروف التي حدثت في السنوات الأخيرة ومع مجيء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ساعد مشروع "ايران فوبيا" في منطقة الشرق الاوسط على تقارب الدول العربية نحو اسرائيل، وحسب مزاعم اسرائيل، فقد توصل العالم العربي إلى استنتاج مفاده أن إيران لا تمثل تهديدا لإسرائيل فحسب، وإنما المنطقة بأسرها. وبالتالي فإن اسرائيل ليست العدو الأول للعرب، بل ايران. وبالإضافة إلى مخطط إيران فوبيا الذي ساهم في تقريب السعودية والإمارات والبحرين من تل ابيب، تجدر الإشارة إلى أن العديد من الدول العربية مثل لبنان والعراق وسوريا وليبيا والجزائر وتونس وغيرهم، مشغولون حاليا بقضايا تتعلق بأمنهم القومي بدلا من التركيز على القضية الفلسطينية. وبغض النظر عن هذا الأمر، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان الرأي العام في العالم العربي يتماشى مع الحكومات العربية ويقبل مسألة تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ام لا؟
أشارت صحيفة "عرب ويكلي" الصادرة من لندن، في مقال بعنوان "هل يقترب العالم العربي من التطبيع مع إسرائيل؟" إلى استمرار دعم الشعب العربي للفلسطينيين ومعارضتهم لأي تطبيع للعلاقات مع الكيان الصهيوني. "وجاء في هذا المقال: "إن إلقاء نظرة فاحصة على المنطقة يدل على أن الدول العربية بشكل عام تواصل دعم فلسطين بدرجة عالية وان قضية التطبيع (مع الكيان الصهيوني) أمامها طريق طويل. ويشير التقرير ايضا إلى التوترات الأخيرة في علاقة الأردن بالكيان الصهيوني حيث جاء فيه: "ان الدولة الوحيدة التي تتأثر بشكل خاص ومباشر بانتكاسات فلسطين هي الأردن، والذي يقدر أنه يستضيف حوالي مليوني لاجئ فلسطيني، وفقًا للأمم المتحدة.
يدرك الأردن جيدًا أن معاهدة السلام المبرمة مع إسرائيل عام 1994 قد ماتت فعليًا في أذهان شعبها وان القرار الأمريكي الأخير القاضي بعدم السماح بعودة الفلسطينيين المحتملة الى اراضيهم يهددها بالفعل . ثم يشير التقرير إلى الوضع في تونس فيما يتعلق بقضية فلسطين والانتخابات الرئاسية الأخيرة في هذا البلد الواقع في شمال افريقيا. حيث أصبحت قضية فلسطين أكثر وضوحًا خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الوقت الذي تعتبر تونس مقرا مركزيا لمنظمة التحرير الفلسطينية "ساف".
وقد تم اتهام نبيل القروي، أحد المرشحين لرئاسة الجمهورية، بتجنيد عميل سابق للموساد في حملته الانتخابية. واتخذ الرئيس التونسي الحالي قيس سعيد، منافس نبيل القروي، موقفا صارما ضد إسرائيل، وقال إنه ينبغي اعتبار أي شخص يقوم بتطبيع العلاقات مع تل أبيب بالخائن الأكبر.
ويعود فوز سعيد جزئياً إلى موقفه من القضية الفلسطينية، لكن آخرين عبروا عن قلقهم من أنه استخدم الانتكاسة الفلسطينية لكسب النصر السياسي. ويبدو أن الرئيس التونسي الجديد ليس لديه هدف واضح لكيفية تحقيق هدفه المعلن المتمثل في "تحرير فلسطين". حيث انه لم يفعل شيئاً سوى إحياء الخطاب العام حول فلسطين وإسرائيل.
تطبيع العلاقات في استطلاعات الرأي
وفقًا للمؤشرات العربية لعام 2018، تشير المعلومات والتحليلات إلى أن إسرائيل لا تزال تشكل أكبر تهديد في العالم العربي، حيث لدى غالبية الناس في جميع البلدان في العالم العربي نظرة سلبية إلى ميل بعض الدول إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ووفقًا لاستطلاع الرأي المنتشر، فإن 92٪ من الدول التي شملها استطلاع الرأي العام في العالم العربي تعتبر إسرائيل تهديدًا للأمن والاستقرار في المنطقة، و 3٪ فقط عارضوا ذلك. وتشير هذه الأرقام إلى زيادة طفيفة مقارنة بنتائج عام 2016، حيث كان 89٪ يعتبرونها تهديدًا إقليميًا. وحصدت لبنان على أعلى عدد من المعارضين للتطبيع لإسرائيل بنسبة (97٪) وتلتها الأردن (94٪) ثم تونس (93٪)، وتأتي فلسطين وموريتانيا بنسبة (91٪).
ان النظر في نتائج هذا الاستطلاع يبعث في الأذهان بضع نقاط. أولاً، في الدول الثلاث التي وقعت معاهدة سلام مع الكيان الصهيوني، أي مصر والأردن وفلسطين، يعارض أغلبية الناس تطبيع العلاقات مع تل أبيب. حيث تصل النسبة في الأردن 94٪ وفي فلسطين 91٪ وفي مصر 87٪. وفي المملكة العربية السعودية، وأجريت استطلاعات الرأي على ما يبدو عبر الهاتف، اذ عارض 55٪ من المشاركين الاعتراف بإسرائيل وتطبيعها، و 9٪ فقط أيدوا هذا الاجراء. وتجدر الإشارة إلى أن 36٪ الاخرين اختاروا عدم التصويت على الاستطلاع.
لذلك، فإن تطبيع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني، على الرغم من أنه بدأ سراً منذ سنوات عديدة وأصبح ينظر إليه الآن على نطاق أوسع، لكن نتائج استطلاعات الرأي السابقة تبين أن تطبيع العلاقات للحكام العرب هو طريق صعب ووعر ومستحيل إلى حد ما.