الوقت- احتل اسم "محمود السيسي" مرةً أخرى العناوين الرئيسة في وسائل الإعلام المصرية وفي المنطقة خلال الأيام القليلة الماضية، بدأ الحادث عندما زعم موقع "مدى مصر" الإخباري أن محمود السيسي قد طرد من جهاز الأمن المصري.
بعد فترة وجيزة من إعلان هذا الخبر، أعلنت صحيفة "عربي 21" الإلكترونية القريبة من الحكومة القطرية في خبر لها، أن محمود السيسي طُرد من جهاز الأمن المصري بناءً على طلب ولي عهد أبو ظبي الأمير "محمد بن زايد آل نهيان" من عبد الفتاح السيسي.
في الوقت نفسه، حضرت قوات الأمن المصرية إلى مكتب وكالة "مدى مصر" للأنباء، واعتقلت عدداً من الصحفيين إلى جانب رئيس تحريرها، كما صادرت أجهزة الحاسوب الشخصية وجوازات السفر الخاصة بهم.
وفي وقت لاحق، أعلنت السلطات القضائية المصرية أن سبب اعتقال هؤلاء الصحفيين يعود إلى انتماء "مدی مصر" لجماعة الإخوان المسلمين، ونشرِ وكالة الأنباء هذه أنباءً مزورةً.
لقد تم إطلاق سراح الصحفيين المحتجزين بعد 30 ساعةً، ولكن قرار جهاز الأمن المصري هذا بالإضافة إلى أنه واجه انتقاد معظم الدول الأوروبية وأمريكا، فإنه يثير علامة استفهام كبيرة، وهي هل كان هذا الخبر مزوَّراً حقاً وكان التعامل مع وكالة الأنباء هذه بسبب علاقتها بالإخوان المسلمين فحسب؟ أم إن الزعم بانتماء "مدى مصر" لجماعة الإخوان المسلمين، هو مجرد ذريعة للتعامل مع نشر الأخبار السرية؟
للإجابة على هذا السؤال، يتعين على المرء أن يعرف قليلاً عن محمود السيسي أولاً، إنه أحد أبناء الرئيس المصري الثلاثة، الذي كان اسمه قد أثار الجدل في وسائل الإعلام من قبل أيضاً.
يعمل محمود السيسي كضابط أمن، إلى جانب الرجل الثاني في الحكومة المصرية أي "عباس كامل" الذي يرأس جهاز الأمن المصري. كان عباس كامل في السابق رئيساً لمكتب عبد الفتاح السيسي عندما كان في الجيش، وله علاقة وثيقة جداً مع السيسي.
لذلك، بالإضافة إلى أهمية وجود محمود السيسي في جهاز الأمن المصري، فإن وجوده إلى جانب الرجل الثاني في الحكومة المصرية وأقرب شخص لرئيس مصر، سيعزز مكانته وأنشطته.
المرة الأولى التي أثار فيها اسم محمود السيسي جدلاً في وسائل الإعلام، كانت حول قوانين الإصلاح الدستوري في مصر.
في ذلك الوقت، سرت شائعات بأنه كان يسعى إلى إقرار هذه القوانين بسرعة أكبر من وراء الكواليس وبالتشاور مع النواب، ووفقاً لصحيفة واشنطن بوست فإنه كان يسعى للحصول على منصب نائب الرئيس.
وفي هذا الصدد، كان الكثير من المحللين يعتقدون بأنه كان يتابع تنفيذ خطة مماثلة لخطة حسني مبارك لابنه جمال، من خلال الانضمام إلى أبرز الأجهزة الأمنية في مصر والعمل مع عباس كامل، وهذا يعني التطلع إلى الرئاسة المصرية بعد والده.
أما الجدل الإعلامي الثاني الذي تورط فيه اسمه، هو ما كشفه "محمد علي" الملياردير المصري الهارب والمعارض لحكومة السيسي. ففي جزء من تصريحاته، اتهم محمود السيسي بالفساد وإساءة استخدامه لسلطة والده، وحتى بعض المعارضين لحكومة السيسي كانوا قد اتهموه بتهريب المخدرات بشكل منتظم، وغني عن القول بأن وسائل الإعلام المصرية فندت جميع هذه المزاعم، إلى أن أثير اسمه مرةً أخرى قبل فترة فيما يتصل بالخبر الذي نشره "مدى مصر".
والآن، وبالنظر إلى ما تقدم، يمكن للمرء أن يفهم بشكل أفضل أهمية الأخبار التي تم نشرها حول محمود السيسي، وبالتالي الإجابة على ما طرحناه من سؤال.
بالنظر إلى أن الحكومة المصرية قد تعرّضت لضغوط من الدول الغربية من قبل، بسبب الطريقة التي تتعامل بها مع بعض وسائل الإعلام، فمن غير المعقول أن تتخذ خطوات من شأنها زيادة هذه الضغوط دون مبرر، ومن ناحية أخرى فإن الطريقة التي يتعامل بها جهاز الأمن المصري مع أي مؤسسة تتعاون بطريقة أو بأخرى مع جماعة الإخوان المسلمين، هي أصعب بكثير من طريقة تعاملها مع "مدی مصر".
لذلك، يمكننا أن نستنتج وفقاً للأدلة المتاحة، أن جهاز الأمن المصري وفي التعامل مع مدى مصر ومراسليه، كان يسعى لمعرفة كيفية تسرب الأخبار الأمنية من الأجهزة الأمنية للبلاد، لأن "مدى مصر" يذكر بالضبط أن محمود السيسي قد انتقل من المخابرات العامة إلى المخابرات الحربية، وسيتوجه قريباً إلى موسكو باعتباره الملحق الأمني المصري.
هذا في حين أنه إذا كان "مدى مصر" على تعاون وثيق مع جماعة الإخوان المسلمين، لكان يواجه تعاملاً أصعب، ما يعني أن جهاز الأمن المصري أقدم على احتجاز وضبط وسائل اتصال الصحفيين لمدة 30 ساعةً، مع علمه بإمكانية زيادة الضغط على البلد من قبل الحكومات الغربية، وهذا يبدو كافياً للهدف المذكور، فكان الإجراء مكلفاً ومربحاً في آن واحد.
كل هذا يحدث في حين أن "محمد علي" وفي مقابلة حصرية مع الجزيرة، قد كشف عن خطته لمرحلة ما بعد عبد الفتاح السيسي. حيث تتضمن هذه الخطة، التي سيتم تنفيذها تحت عنوان الحكومة البديلة، تشكيل مجلس وزراء من مصريين يقيمون في الخارج، والغرض منها هو فضح فساد الحكومة المصرية الحالية!
وعلى الرغم من أن محمد علي ليس له قاعدة اجتماعية مهمة في مصر، إلا أن ما سيكشف عنه لاحقاً سوف يلقي مزيداً من الضوء على ملف محمود السيسي.