الوقت- قبل حوالي 3 أعوام كشف موقع "ميدل إيست أوبزرفر" البريطاني، عن بدء العمل على تجهيز أكبر وأضخم مشروع مدّ أنابيب بين مصر و"إسرائيل"، ليس للتبادل التجاري والمواصلات أو بيع الغاز، بل لتزويد دولة الاحتلال بمياه النيل المصرية، وكانت تجري هذه العمليات بشكل سري لذلك لم تأخذ صدى كبيراً في وسائل الإعلام، ونشر الموقع البريطاني مجموعة صور حصرية للمشروع تظهر- كما يقول- مواقع العمل في الأنفاق، التي لم تعلن عنها القاهرة.
المعلومات حينها أفادت بأن السلطات المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تعمل على إنشاء ستة أنفاق في شبه جزيرة سيناء لإيصال مياه النيل إلى الاحتلال الإسرائيلي، واليوم يبدو أنه بدأ الإعداد للكشف عن هذا المشروع، حيث بدأت تقترب مياه النيل من الأراضي المحتلة وهي على بعد 100 كيلومتر فقط عنها.
وفي تطور مفاجئ لقضية المياه في مصر، ورغم إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، دخول مصر مرحلة الفقر المائي، وخطة لمنع مياه النيل عن أجزاء من البلاد، بينها المحافظات الساحلية، أعلنت محافظة شمال سيناء، عن وصول مياه النيل لأول مرة إليها.
وأكدت في بيان وصول مياه النيل عبر ترعة السلام، المعروفة بترعة الشيخ جابر الصباح إلى المحطة الرئيسة في مدينة بئر العبد.
وأشارت إلى أن ذلك يأتي في إطار خطة الدولة لتحقيق التنمية المستدامة والمشروع القومي لتنمية سيناء.
وصول المياه إلى سيناء فتح باب التكهنات حول ما إذا كان مقدمة لإيصال مياه النيل إلى "إسرائيل"، خاصة وأن الأخيرة تسعى لهذا المشروع منذ 100 عام، فهل يحقق لها السيسي هذا الطموح؟.
ثمة اعتقاد لدى الإسرائيليين بأن حدود الدولة العبرية في المستقبل ستمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات، وهو ما أشارت إليه الكتابات التوراتية اليهودية، وكُتب على لوحة توراتية في مدخل الكنسيت الإسرائيلي بأن "حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل".
ويظل نهر النيل أحد الأهداف الإسرائيلية الاستراتيجية المهمة، حيث طالما سعت الدولة العبرية للاستفادة منه عن طريق تحويل حصة من مياهه في أنابيب إلى تل أبيب عبر القاهرة، وهو الأمر الذي فشل تماماً إلى الآن.
وبصفة عامة، ارتكزت السياسة الإسرائيلية على مبدأ نهب الموارد المائية العربية، والاقتتال من أجلها، ففي تصريح لأحد المسؤولين الإسرائيليين، وهو «زيئيقي أوتنبيرج»، رئيس هيئة بحيرة طبرية الأسبق، بأنه "إذا زاد نقص المياه في إسرائيل، ولم نستطع حل المشكلة بالطرق السلمية، فلا بد حينها من حلّها بالحرب، وهل هناك حل آخر؟، المياه كالدم لا يمكن العيش بدونها".
لذلك فقد خاضت "إسرائيل" من أجل ذلك عدة حروب تمكنت فيها من احتلال ضفاف بحيرة طبرية، ومنابع نهر الأردن عام 1948، كما شاركت في العدوان الثلاثي على مصر من أجل قناة السويس عام 1956، وسيطرت على منابع ومياه حوض نهر الأردن عام 1967، بالإضافة إلى اجتياحها لجنوب لبنان من أجل السيطرة على نهر الليطاني ووصول مياهه إلى "إسرائيل" عام 1982.
ترجع المطامع الإسرائيلية في مياه النيل إلى بدايات القرن الماضي، حيث تمثّلت في عدد من المبادرات والمشروعات التي قدمتها "إسرائيل" خلال تلك المرحلة، والتي باءت جميعها بالفشل حتى وقتنا الحالي.
وتتمثل أهم تلك المبادرات والمشروعات المائية الإسرائيلية في:
1- المشروع المائي الذي قدمه تيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، في عام 1903 إلى الحكومة البريطانية –في فترة الحماية البريطانية على مصر –يتم من خلاله نقل مياه النيل عبر قناة السويس إلى سيناء، ومنها إلى فلسطين، بحجة تنمية شمال سيناء، إلا أن هذه الدراسة لاقت احتجاجاً بالغاً من الحكومة المصرية، فضلاً عن قلق بريطانيا من تقليص كمية المياه بما يؤثر على زراعة القطن، ومن ثَمَّ فقد تم إهمال مشروع هرتزل.
2- خلال سير مفاوضات كامب ديفيد بين مصر و"إسرائيل"، تقدم الخبير الإسرائيلي «شاؤول أولوزورف»، النائب السابق لمدير هيئة المياه الإسرائيلية، بمشروع إلى الرئيس الأسبق السادات، في إطار مشروعات مشتركة لتطوير مياه النيل، يهدف إلى نقل مياه النيل إلى "إسرائيل" من خلال شق ست قنوات تحت قناة السويس، بحيث ينقل حوالي مليار متر مكعب لري صحراء النقب، منها 150 مليون متر مكعب لقطاع غزة.
3- مشروع قناة السلام: جاء رد فعل الرئيس السادات على المبادرة الإسرائيلية في خطاب له بمدينة حيفا بأنه سوف ينقل مياه النيل إلى صحراء النقب عبر قناة السلام، ووعد آنذاك بأن تصل القناة إلى القدس، وأرسل خطاباً إلى مناحم بيجين كانت مجلة أكتوبر الأسبوعية –الناطقة باسم الحزب الديمقراطي آنذاك- قد نشرته في عددها بتاريخ 16 كانون الثاني 1979 بعنوان مشروع زمزم الجديد.
وفي سبيل ذلك، طلب السادات آنذاك من المختصين الشروع في عمل دراسة علمية كاملة لتوصيل مياه النيل إلى القدس، إلا أنه وبعد احتجاج الرأي العام الداخلي في مصر، تم التراجع عن فكرة توصيل المياه لـ "إسرائيل"، خاصة وأن رئيس الوزراء آنذاك «مصطفى خليل» قد صرّح بأن تصريحات الرئيس السادات لا تتجاوز إظهار النية الحسنة، وبالفعل فقد تم تجميد العمل بتنفيذ حفر قناة السلام.
خلال عهد الرئيس الأسبق مبارك، وبعد افتتاحه للنفق الثالث تحت قناة السويس في نوفمبر 1996، أُشيع أن الغرض منه إمداد قطاع غزة و"إسرائيل" بمياه النيل تحت الإشراف الفني للحكومة الإسرائيلية، وهو ما لم يثبت صحته آنذاك.
ويشتمل المشروع المائي الإسرائيلي للاستفادة من مياه نهر النيل وفقاً لدراسة متكاملة نُشرت عام 1990، على أركان أربعة، تمثّل أحدها في نقل مياه نهر النيل إلى شمال النقب، وزعمت الدراسة أن كميات ضئيلة من المياه بالمقياس المصري –تبلغ حوالي 0.05% من الاستهلاك– لا تشكّل عنصراً مهمّاً في الميزان المائي المصري، بالإضافة إلى إمكانية مد مياه النيل التي ترغب الحكومة المصرية في تحويلها لتنمية سيناء إلى "إسرائيل".
لم تنته المخططات الإسرائيلية عند هذا الحدّ، امتدت إلى حد التقارب مع دول حوض النيل في الشرق الإفريقي، من أجل الضغط على مصر وتطويق دورها، والعبث بأمنها المائي من ناحية، والسعي نحو تحويل جزء من مياه النيل إلى "إسرائيل" عبر مصر من ناحية أخرى، من خلال إثارة المشكلات بين دول حوض النيل، وخاصة بين مصر وإثيوبيا، والعمل على شيطنة مصر في العقل الجمعي لشعوب شرق إفريقيا وحكوماتها، ما يسهّل من مخططاتها بشأن مياه النيل، والتأثير على الدور المصري في المنطقة بما يحقق مصالحها ويبسط من نفوذها.