الخطوة البحرينية الجديدة تأتي قبل أقل من شهرين على حلول العام الهجري الجديد وشهر محرّم الحرام الذي يحيي فيه شيعة آل محمد (ص) مراسم عاشوراء، لتميط اللثام عن مدى خشية النظام من هذه المراسم التي تمثل أحد اجنحة الطائر الشيعي، كما يقول فوكوياما، المنظر الامريكي الشهير صاحب كتاب نهاية التاريخ.
لم تكن خطوة الوزير البحريني في محاربة الدين، والمذهب الشيعي على وجه الخصوص، الاولى من نوعها، فهناك العديد من نماذج الاضطهاد الطائفيّ التي تمارسها السلطات الخليفية، فعلى سبيل المثال لا الحصر قد تم هدم 38 مسجدًا، واتُخذ قرار بحلّ المجلس الإسلاميّ العلمائيّ، وحظر تعليم الفقه الجعفريّ في المدارس العامّة والخاصّة، وإسقاط جنسيّة علماء دين من مكوّنٍ وطنيٍّ واحدٍ، إضافةً إلى استمرار الإعلام شبه الرسميّ في التوهين المذهبيّ والازدراء الدينيّ، وتفشي سياسة التمييز الطائفيّ في بعض الدوائر الرسميّة، وحرمان المواطنين من حقوقهم الدينيّة والثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والمدنيّة لانتمائهم الدينيّ، فضلاً عن امتلاء السجون بالشيعة وعلمائهم.
خطوة وزير الداخلية قابلها العديد من الخطوات التي صدرت عن علماء البحرين، والذين أكّدوا في بيان لهم، أنه "في ضوء التصريح الأخير لوزير الداخلية بشأن الخطاب الدِّيني، فالعلماء يجدون أنفسهم بين تكليفين؛ التكليف الرسمي بأخذ تصريح لمزاولة الخطاب الدِّيني، والتكليف الإلهي الذي يتنافى مع هذا النوع من التكليف، ولا يسع العلماء ومن المنطلق الديني إلا أن يقدِّموا التكليف الإلهي، والخطابة الدينيّة وفق التكليف الإلهيّ لا تتطلّب إذنًا من أحد. كذلك، وقّع 100 من رجال الدين وأئمة المساجد والخطباء عريضة ترفض تصريحات وزير الداخلية بشأن الخطاب الديني ومساعي السلطة السياسية للمساس باستقلالية الشأن الديني، معلنين دعمهم لموقف كبار العلماء في البحرين الذين أصدروا البيان في وقت سابق.
تعيد خطوة النظام الخليفي إلى الأذهان تلك الخطوة التي قام بها شاه ايران تجاه الإمام الخميني (رض) حيث طالبه بعدم التعرّض للكيان الإسرائيلي، أو نظامه، إلا أن الإمام الخميني رفض طلب الشاه وأصر حينها على المضي قدماً بمشروعه حتى نجح في إسقاط النظام البهلوي وإرساء الدولة الإسلامية.
إن مطالبة وزير الداخلية البحريني بتقیید الخطاب الدیني الناقد بداعي المحافظة علیه وإبعاده عن الخلاف السیاسي، وتحديد شروط بأنه "لابد من الحصول على تصریح لمزاولة الخطابة وأن لا یکون الخطیب منتمیا إلى أحد الجمعیات السیاسیة"، تهدف لترويض الثورة البحرينية السلمية والحد من تأثيرها تارةً، باعتبار أن قيادتها تتخذ من المساجد والحسينيات مراكز للإنطلاق في أي شكل من أشكال المواجهة السلمية، ولتسليط الضوء أكثر فأكثر على بعض الأصوات الشيعية المقرّبة من النظام الخليفي تارة أخرى.
إن القيادة الرشيدة للثورة البحرينية التي تدرك من أين تؤكل الكتف إتخذت قرارها تجاه الخطوات الخليفية الجديدة، وأكّدت على المضي بثورتها السلمية دون قيد أو شرط حتى تقتنع حكومة آل خليفة بمطالبهم. في المقابل يعود السبب الرئيسي للخطوة البحرينية الجديدة المتمثلة بتقييد الخطاب الديني إلى إقتراب مراسم عاشوراء حيث تكون ذكراها في كل عام ناراً وشناراً على حكومة آل خليفة وأعوانها، كيف لا وعاشوراء يوم إنتصار الدم على السيف.