الوقت- يعود الصراع بين امريكا وكوريا الشمالية الى خمسينيات القرن الماضي، حيث دارت بين الجهتين وبمشاركة دولية حرب شبه عالمية على أراضي شبه الجزيرة الكورية أدت في نهايتها الى بدء الحرب الباردة بين القطبين الامريكي والروسي، والى بدء صراع امريكي – كوري شمالي تسعى أمريكا من خلاله الى قمع وتقييد كوريا الشمالية من خلال وسائل كثيرة سيتم ذكرها. مقابل سعي كوري شمالي الى مواجهة الحصار الامريكي والقيام بنهضة علمية خاصة في مجال التسلح وبالخصوص في المجال الصاروخي الذي قطعت فيه الاخيرة أشواطا كبيرة.
وضمن سياق السياسة الامريكية التي اعتمدتها اتجاه كوريا الشمالية منذ نهاية الحرب عام 1953 الى اليوم، المبتنية على حصار كوريا الشمالية سياسيا واقتصاديا، وفرض عقوبات صارمة امريكية ودولية على الدول والجهات التي تتعاون مع الاخيرة، بالاضافة الى تقوية الجارة الكورية الجنوبية عسكريا واقتصاديا، والانفتاح عليها وتوقيع معاهدة صداقة ودفاع، بالاضافة الى مناورات عسكرية شبه مستمرة بين الطرفين. والهدف الاصلي يبقى تهديد كوريا الشمالية وضبط تصرفاتها ومراقبة نشاطاتها العسكرية.
اما في المقلب الآخر فسعت كوريا الشمالية الى تعزيز قدراتها العسكرية الدفاعية والهجومية، في وجه التهديدات الامريكية المستمرة، وخصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 بدأت مرحلة الشد والجزر مع امريكا. وخلال الاعوام العشرة الماضية تمكنت كوريا الشمالية من تثبيت نفسها من بين الدول التي تمتلك اسلحة نووية. مما قلب المعادلة وأعطاها قوة دفع في وجه التهديدات الامريكية، خاصة أن الاخيرة اعلنت ايضا عن تجارب ناجحة على صواريخ بالستية قادرة على ان تطال السواحل الشرقية لامريكا. وهذا ما تؤكده التقارير الامريكية الصادرة عن مراكز ابحاث علمية ومنها المعهد الامريكي الكوري الذي يؤكد أن لدى بيونغ يانغ صواريخ عابرة للقارات يصل مداها الى اربعة الاف كيلومتر. بالاضافة الى التحدي الحقيقي الذي تشكله كوريا الشمالية اليوم على امريكا على الصعيد الالكتروني (السايبري) والامثلة كثيرة لقرصنة مواقع حكومية امريكية اساسية من قبل قراصنة كوريين شماليين.
وفي نفس السياق تأتي التقارير الاخيرة التي تتحدث عن بدء العمل في منشأة صاروخية تقع شمال كوريا الشمالية وبالقرب من الحدود مع الصين. تقع القاعدة في منطقة "سوهاي" ونقلا عن تقارير صحفية امريكية فان القاعدة يجري العمل فيها منذ اكثر من عقد من الزمن، وتقع تحت الارض. وميزة هذه المجموعة الصاروخية أنها تؤدي الى عمي كامل للتجسس الامريكي الالكتروني عبر الاقمار الصناعية والطائرات الامريكية. وذلك لان هذه المجموعة مجهزة بانفاق وسكك حديدية تربط بين كافة اقسامها مما يسمح بنقل مواد وتجهيزات صاروخية تحت الارض وبعيدا عن اعين الامريكان، بالاضافة الى مستودعات ومخازن ضخمة كفيلة بدمج اكثر من مرحلة سويا خلال عملية تصنيع الصواريخ البالستية والتجهيز للتجارب الكورية الشمالية.
وسابقا كان الامريكيون يعلنون مسبقا عن احتمال تجارب كورية شمالية وذلك من خلال مراقبة الحركة في المنشآت الصاروخية وحركة نقل الوقود الضخمة التي كانت تستمر لايام قبل اي تجربة صاروخية. وهذا المجمع الجديد يشكل تهديدا كبيرا للقدرات الامريكية في التجسس على نشاطات الكورية الشمالية الصاروخية.
الخلاصة
ان السعي الامريكي لتقييد انجازات الدول النامية عبر أنواع الحصار الاقتصادي والعسكري والسياسي باء بالفشل. وأدى في معظم الاحيان الى اعتماد الدول على مقدراته الداخلية. وبالثقة بقدرات شعبها تمكنت من الاستمرار في مسيرة التقدم محققة انجازات علمية في كافة المجالات. وكوريا الشمالية واحدة من هذه الدول التي تسعى امريكا ومنذ خمسينيات القرن الماضي الى اضعافها عبر الحصار المطبق الاقتصادي والمالي والسياسي بالاضافة الى العسكري وفرض العقوبات لمنعها من التطور في كافة المجالات، ولعزلها عن العالم الخارجي ما أدى الى اصرار من الشعب والحكومة الكورية الشمالية على خرق الحصار والقيام بالنهضة العلمية للبلاد بما في ذلك النهضة في التكنولوجيا العسكرية، في تحدٍ واضح وصريح لامريكا وحلفاءها في شرق اسيا. وبالفعل اصبحت امريكا تستشعر أن الخطر يداهمها يوما بعد يوم. خصوصا أنها اصبحت في مرحلة لم يعد بامكانها فرض الحروب ساعة تشاء وفي اي نقطة من العالم.
ويضيف محللون أنه من المؤكد لو أن امريكا لم تعتمد هذه السياسات مع دول كايران وكوريا الشمالية لما وصلت الى ما وصلت اليه اليوم من تقدم وتطور. ومن المؤكد ايضا أن مرحلة التهديد والحصار الامريكي الفاعل قد ولت الى غير رجعة. وهذا ما يتضح يوما بعد يوم ومن مؤشراته السياسة الامريكية الجديدة التي بدأها اوباما. سياسة المفاوضات والتفتيش عن الحلول السلمية بعد أن كانت امريكا في السابق تشن الحروب ودونما تردد ولا مفاوضات.