الوقت- إذاما كانت الدول الغربية وكذلك الانظمة العربية صامتة إزاء الترسانة النووية الإسرائيلية، فلماذا كل هذا الصمت من قبل النخب في العالم العربي والإسلامي دون أن يثيروا ضجة إعلامية وسياسية، ضد هذه الترسانة، التي باتت تهدد أمن العالم بأسره، فضلا عن تهديدها المباشر لمنطقة الشرق الاوسط. العالم الذي نعيش فيه هو في الحقيقة عالم التناقضات، فالجميع رأی كيف مارست أمريكا والدول الغربية بالاضافة الی الكيان الإسرائيلي، شتی أنواع الضغوط الإقتصادية والسياسية علی الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بسبب برنامجها النووي السلمي، الذي تخضع جميع أنشطته الی إشراف "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، دون أن يكون له أي بعد عسكري، كما اثبتت ذلك تقارير هذه الوكالة الدولية. وللأسف معظم الانظمة العربية خاصة السعودية بدل دعم حق إيران في إمتلاك برنامج نووي للاغراض السلمية، سخّرت جميع إمكانياتها بدءاً من الاعلام، ووصولا الی البترول، لمواجهة برنامج إيران النووي. لكن وبعد أن توصّلت إيران الی إتفاق مع المجموعة السداسية الدولية، تم إبرامه في فيينا، اقتنع العالم ما عدا الكيان الإسرائيلي والانظمة التي تدور في فلك السعودية، بان الضجة الدولية تجاه برنامج إيران النووي، كانت عارية عن الحقيقة. وفي ظل هذه الاحداث يتبادر سؤال مهم إلى أذهان شعوب المنطقة، وهو: متى يری العالم تفكيك ترسانة الكيان الإسرائيلي النووية؟ وما هو موقف النخب في العالم العربي تجاه هذه الترسانة؟
في غضون ذلك نشرت يوم أمس جريدة «دار الخليج» الاماراتية، حوارا مع وزير الخارجية المصري السابق، الدكتور «نبيل فهمي»، تطرق فيه الی البرنامج النووي العسكري الإسرائيلي، حيث أشار إلى أن «أخطر برنامج نووي في الشرق الأوسط هو البرنامج النووي الإسرائيلي، وتجاهل هذا البرنامج يعني فقدان الصدقية لأي مبادرة أو دعوة لمنع السلاح النووي في الشرق الأوسط». مضيفا أنه «ليس هناك أي مبرر لإعطاء استثناء لإسرائيل في الجانب النووي». وفي مقال له نشر بتاريخ (21 أبريل 2015) في جريدة الاهرام، قال فهمي أیضا في هذا السياق: «إن تركيز الدول الصناعية P5+1 على البرنامج النووى الإيرانى (..)، دون اعطاء اي اهتمام يذكر للبرنامج النووي العسكري الاسرائيلي، رغم اعتراف وزارة الدفاع الأمريكية بقدرات اسرائيل التكنولوجية الهائلة في تقرير بعنوان (تقييم تكنولوجي دقيق في اسرائيل ودول حلف الأطلنطي)، إنما هو دليل قاطع على ان هدفها تأمين نفسها ومصالحها وحلفائها في اسرائيل، وليس ضمان الأمن ومنع انتشار النووي العسكري في الشرق الأوسط». مثل هذه التصريحات التي تصدر عن شخص مطلع علی مجريات امور المنطقة وهو الدكتور نبيل فهمي، يشير وبوضوح الی الخطر الذي يهدد أمن وإستقرار منطقتنا من قبل الكيان الإسرائيلي والقلق الذي یراود النخب في العالم العربي، بسبب إمتلاك هذا الكيان، بين 200 الی 400 رأس نووي.
وفي هذا السياق تدعم معظم النخب السياسية والاكاديمية في العالم العربي، رغم الهجمة الإعلامية التضليلية من قبل وسائل الاعلام العربية ضد البرنامج النووي الايراني، تدعم برنامج إيران النووي السلمي، وتعتبره مصلحة استراتيجية للعالم العربي والإسلامي. وقبل حوالي خمسة أشهر، كتب «محمد البرادعي» الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية، أن برنامج إيران النووي يعتبر نواة لنظام أمن إقليمي شامل، وانتقد امتلاك الكيان الإسرائيلي للسلاح النووي، باعتباره الجهة الوحيدة في الشرق الاوسط التي تمتلك مثل هذا السلاح.
وهناك الكثير من النخب في العالم العربي تدعم البرنامج النووي الإيراني السلمي، من بينهم الدكتور «يسري أبو شادي» كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية ورئيس قسم الضمانات السابق في هذه الوكالة، حيث أكد في إحدى حلقات برنامج «بلا حدود» الذي تعرضه قناة الجزيرة، بعد انتقاده الشديد لسياسات أمريكا التي تتحكم في سياسات الوكالة الدولية للطاقة النووية، ضد الدول التي لا تتماشی سياساتها مع واشنطن، دون أن تمارس أي ضغوط علی الكيان الإسرائيلي، فقال باللهجة المصرية الدارجة، إن أمريكا تمارس ضغوطا «ضد إيران، ضد كوريا الشمالیة وضد سوريا وضد مصر وضد العراق طبعا أيام العراق وشوية ليبيا يعني كان لها وضع خاص، إذاً كل الدول دي اللي هي على غير وفاق مع أمريكا، هي دي حقيقة، عمرها طلعت تقرير ضد إسرائيل وجميع مخلفاتها النووية مالیش دعوة بالإنسانية وغيره، لا، النووية، إسرائيل عندها مخلفات نووية جسيمة وعندها منشأة نووية بتطلع قنابل وبلوتونيوم». وأشار أبو شادي خلال هذا البرنامج إلى أن الإشعاعات النووية الإسرائيلية أصبحت عاملا لنشر الامراض السرطانية بين الشعوب العربية الواقعة بالقرب من المنشآت النووية الإسرائيلية، مؤكدا أن «مصر عندها حساسية شديدة من قرب الموقع ده واحتمال تأثيرات الإشعاعات علیها في ناس كثير بتتكلم على أنه في ناس تأثروا من الإشعاعات اللي طالعة من ديمونة بصورة خاصة».
ومن بين الكتاب والمحللين العرب هنالك كثيرون لديهم انزعاج كبير من البرنامج النووي الإسرائيلي وسياسة أمريكا في التغطية علی هذا البرنامج، ويمكن الإشارة في هذا الصدد الی الصحفي والكاتب الفلسطيني الذي يحمل الجنسية اللبنانية «جهاد الخازن» والذي يكتب كثيرا حول سياسة إيران، حيث يقول في إحدى مقالاته الاخيرة، حول الازدواجية الأمريكية في التعامل مع البرنامج النووي الايراني والبرنامج النووي العسكري الإسرائيلي: «إن عند إسرائيل ترسانة نووية، فقد أغمضت الإدارات الأمريكية عيونها، وعملاء إسرائيل يسرقون المواد النووية من مختبرات أمريكية، وفرنسا العضو في مجموعة الست أهدت إسرائيل مفاعل ديمونا، ثم يكون الحديث عن نوايا إيران في المستقبل، وتهمل الدول الست ما تملك دولة محتلة مجرمة الآن. ثم إن من حق دول المنطقة، أو واجبها، أن تمتلك سلاحاً نووياً لمواجهة خطر إسرائيل، وإذا كان هناك من إرهاب فهو إسرائيلي قبل أي إرهاب آخر».
إذاً بات من الواضح جدا أن عشرات الآلاف من النخب والسياسيين والإعلاميين والأكاديميين في العالم العربي، بل لعل العدد أكبر من ذلك، أصبحوا يعارضون سياسة التغطية والتستّر من قبل أمريكا علی البرنامج النووي العسكري الإسرائيلي، وينتقدون عدم ممارسة الضغوط من قبل المجتمع الدولي لاجبار الكيان الإسرائيلي علی فتح منشآته للتفتيش، فضلا عن أن هذه النخب لم تكتف بالمطالبة بتفتيش منشآت هذا الكيان، بل أصبحت تطالب بتدمير الترسانة النووية الإسرائيلية بالكامل، لذا یجب القول إن موقف النخب العربية تجاه الترسانة الإسرائيلية يختلف تماماً عن الموقف المتواطیء من قبل النظام الرسمي العربي.