الوقت- نعتقد جازمين بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استهلك جميع أفكاره لحشد العالم لمواجهة "إيران" على مستوى الدول الكبيرة والإقليمية والصغيرة ومع ذلك باءت جميع محاولاته بالفشل، ليعود من جديد ويحاول أن يعيد إحياء "الناتو العربي" بعد أن كان هذا الحلف يلفظ أنفاسه الأخيرة في غرفة العناية المركّزة الأمريكية فإلى أي حدّ يستطيع ترامب أن يعيد إحياء هذا الحلف؟.
موقع "المونيتور" تحدّث عن قيام وزارة الدفاع والخارجية الأمريكية بجمع بعض الدول الخليجية منها السعودية والإمارات وقطر، على الرغم من فرض الحصار على الأخيرة، ويبدو أن الغاية من الاجتماع بحث الرد على هجمات 14 سبتمبر على شركة أرامكو، والدعوة إلى تعاون حكومي كامل في الشؤون الاقتصادية والأمنية والطاقة والشؤون السياسية، على خلفية هذه الهجمات.
نعتقد بأن هذا الاجتماع هو مجرد "استعراض" أمريكي لا معنى له، والغاية الوحيدة منه هي إبعاد شبح القلق عن الدول الخليجية بعد أن فقدوا ثقتهم بواشنطن منذ عجزها عن الرد على إسقاط طائرتها المسيرة فوق "إيران".
بعد العملية الأخيرة إذا كانت احتمالية نجاح تشكيل "الناتو العربي" تمثل 50% قبل عام، الآن أصبحت 0%؛ لا إمكانية لتشكيل "الناتو العربي" في ظل المعطيات القائمة، لعدة اسباب:
1- ترامب يمرّ بحالة هشاشة وضعف غير مسبوقة على خلفية الفضائح التي تلاحقه في الوقت الراهن والتي من الممكن أن تؤدي لعزله، إذ أصدر مشرعون ديمقراطيون مساء الجمعة مذكرة استدعاء للبيت الأبيض تلزمه بتقديم جميع الوثائق المتعلقة باتصالاته بأوكرانيا، والتي تحوّلت إلى فضيحة تشغل الكونغرس والوسط السياسي في واشنطن.
ويجري هؤلاء المشرعون تحقيقاً لعزل ترامب من منصبه بعد تسريب مكالمة ضغط فيها على نظيره الأوكراني لإجراء تحقيق حول تهم فساد تتعلق بمنافسه المحتمل في الانتخابات المقبلة جو بايدن.
وبموجب المذكرة الجديدة، بات البيت الأبيض ملزماً بتقديم وثائق بشأن قضية أوكرانيا.
ومن جانبه قال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إنه لا يعرف إن كان سيتعاون مع الكونغرس بشأن التحقيقات البرلمانية التي يجريها نواب بهدف عزله.
وأكد أنه واثق من أنه سينتصر في حال وصلت التحقيقات إلى مجلس الشيوخ.
والطامة الكبرى بالنسبة لترامب أن البنتاغون أعلن استعداده في التحقيق بقضية عزل ترامب، وقال المتحدث باسم البنتاغون جوناثان هوفمان في مؤتمر صحافي "اليوم، أمَرَ المجلس القانوني في الوزارة (...) جميع مكاتب وزارة الدّفاع بتسليمه كل الوثائق والمحفوظات ذات الصلة، من أجل أن تتم أرشفتها ومراجعتها".
إذن ترامب الطامح للبقاء في السلطة لن يعنيه الآن تشكيل "الناتو العربي" وهو على شفا "العزل"، خاصة وأنه حاول كثيراً في تشكيل هذا الحلف إلا أن الوقائع على الأرض تحول دون تشكيله.
2- على الدول الخليجية الشريكة في هذا الحلف أن تحلّ مشكلاتها الداخلية قبل أن تقول إنها تريد أن تشكّل "حلفاً" لمواجهة "إيران"، فهناك شرخ واضح بين الدول العربية في هذا الحلف، ومن أبرزها التباين السياسي الواضح في مواقف دول مثل سلطنة عمان وقطر والكويت من جانب وبين السعودية والإمارات والبحرين من جانب آخر، بالإضافة إلى الموقف المتشكك لمصر والأردن من هذا الحلف، وعدم تطابق المواقف السياسية لهذين البلدين مع المواقف السياسة للسعودية والإمارات إزاء أغلب القضايا الإقليمية.
وهناك علاقات طيبة لأغلب هذه الدول العربية مع إيران وبالتالي من الصعب إقحامها في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، وبالتالي لم يبقَ في الميدان سوى "الإمارات والسعودية".
3- حرب اليمن وغرق السعودية
كيف يمكن للسعودية التي تعاني من مشكلات داخلية جمّة أن تشارك في هذا الحلف قبل أن تنهي مشكلاتها الداخلية، التي قد تؤدي إلى "عزل" ابن سلمان كما هو الحال بالنسبة لترامب لأن هناك حالة من الغضب تجاه ولي العهد السعودي وحالة من عدم الرضا تجاه سياسته التي يتبعها والتي كلّفت السعودية الكثير من المتاعب، لاسيما في حرب اليمن التي أصبحت فيها السعودية "هشّة ضعيفة عاجزة" وغير قادرة على إنهاء هذه الحرب ولم يعد أصلاً بإمكانها الحديث عن الانتصار، وفي حال أجبرها ترامب على المشاركة في هذا الحلف ستكون التكلفة باهظة وقد تدخل العائلة الحاكمة في السعودية في دوامة لا حصر لها.
4- لا يطرح هذا التحالف أي من المسائل التي قد تدغدغ الشارع العربي من قبيل القضية الفلسطينية أو الدفاع عن قضايا الأمة، بل يردد سمفونية قديمة ملّ منها الناس، والأحرى بهم أولاً أن يحلّوا مشكلاتهم الداخلية ومن ثم يفكّرون في تحالفات خارجية مشتركة.
بكل الأحوال هذا التحالف يذكّرنا بالتحالف العسكري الإسلامي الذي أعلنه محمد بن سلمان قبل سنوات ولم يبصر النور على أرض الواقع.
5- مصر انسحبت من الناتو العربي وكانت هي من يمثل الثقل في هذا الناتو على اعتبار أنها تملك الجيش الأكبر بين الدول المشاركة، ولكن بعد انسحابها من أين ستحصل الدول المتبقية على "قوات" عسكرية متدرّبة تشكّل عماد هذا التحالف؟.
الأمريكي يركّز اليوم على هذه المسألة لحلب المزيد من الأموال من السعودية وابن سلمان التائه في أزماته الخارجية، دولياً وإقليمياً، مع قطر واليمن وسلطنة عمان والداخلية مع الهيئة الدينية وأبناء العائلة الحاكمة فضلاً عن الوضع الاقتصادي المتردي.
ولا يخفى على أحد أن واشنطن تعمل على تقسيم المنطقة على أساس طائفي ومذهبي وعرقي ولو نجح هذا المشروع في سوريا والعراق لكان سيمتد إلى حلفاء واشنطن أنفسهم، وبالتالي على هذه الدول أن تصبّ تركيزها على مواجهة التطرف والجماعات الإرهابية المسلحة التي قسمت ظهر المنطقة وكادت تفتك بها لولا تضافر جهود الجيشين السوري والعراقي وحلفائهما، ومن العار أن تدعم بعض الدول الجماعات المسلحة وتمدّها بالمال والسلاح ومن ثم تدّعي أنها تحاربها.