الوقت- لعلّ أحد أهم الأخبار التي تصدّرت أخبار العالم خلال الساعات القليلة الماضية، هو الاعتراف الأكثر جرأة لولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" وإقراره بأنه كان له دور غير مباشر في جريمة قتل الصحفي السعودي المعارض "جمال خاشقجي" في قنصلية بلاده في اسطنبول.
وحول هذا السياق، كشفت شبكة "بي بي إس" الأمريكية أن ولي العهد السعودي تحدّث لأول مرة عن دوره في مقتل الصحفي السعودي "خاشقجي"، جاء ذلك في لقاء حصري مع "مارتن سميث"، مراسل برنامج "فورت لاين" الذي تبّثه الشبكة، حيث سيتزامن بثّ الحلقة كاملة مع ذكرى اغتيال "خاشقجي" في الأول من أكتوبر القادم، ويكشف عن صعود ولي العهد ومدى تورّطه بالجريمة.
وقالت الشبكة: "منذ عام تقريباً، أدّى مقتل كاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست، جمال خاشقجي، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول إلى صدمة عالمية".
وأضافت تلك الشبكة الأمريكية أنه منذ ذلك الحين كان "ابن سلمان" صامتاً بشأن تورّطه في العملية، التي قالت وكالة الاستخبارات الأمريكية إنه من أمر بتنفيذها، وأشارت الشبكة إلى أنه الآن، وبعد مرور عام على مقتل الرجل، أعترف "ابن سلمان" أخيراً قائلاً: "إن هناك مسؤولية، فالجريمة حدثت في عهدي".
وفي الفيلم الوثائقي، الذي تغطيه أيضاً صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، نفى "محمد بن سلمان" أي علم له بالتخطيط لاغتيال الصحفي "خاشقجي"، حيث قال: «لقد وقعت جريمة الاغتيال تحت إشرافي ولهذا فأنا أتحمل كل المسؤولية".
** مكانة السعودية المهتزّة في العالم في ظلّ حكم "ابن سلمان"
كانت السعودية، قبل تولي "محمد بن سلمان" السلطة، أفضل حالاً مما هي عليه الآن في المنطقة والعالم وذلك لأنه كان لديها بعض السياسات المحافظة.
وحول هذا السياق، ذكرت العديد من المصادر الإخبارية بأن "ابن سلمان" بصفته أميراً شاباً ومغامراً، أتبع سياسات الحرب ضد دول المنطقة منذ توليه منصب ولاية العهد في السعودية.
وهنا يمكن القول بأن جميع المشكلات المثيرة للجدل التي تحاول السعودية حالياً التعامل معها بحكمة وصبر لإيجاد حلول جذرية لها، هي نتيجة لسياسات هذا الأمير المتهور الذي قام بشنّ حرب عبثية في اليمن، والذي دخل في مواجهة مع إيران، والذي بذل الكثير من الجهود لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، ودعم الخطة الأمريكية الموسومة بـ"صفقة القرن"، ومقاطعة قطر وتكثيف الخلافات مع الإمارات.
** التطورات الداخلية في السعودية وضغوط الرأي العام السعودي
فيما يتعلق بالرأي العام في السعودية، فإن نظرة الناس إلى تصرفات "ابن سلمان" فيما يتعلق بالمجال الداخلي ليست إيجابية، وذلك لأن ولي العهد السعودي من ناحية يزعم بأنه يبذل الكثير من الجهود لعمل الكثير من الإصلاحات الداخلية، ومن ناحية أخرى، قيام هذا الأمير المتهور بسجن وإعدام الكثير من معارضيه في العديد من مناطق السعودية، وخاصة في المناطق الشرقية التي يسكنها أبناء المذهب الشيعي.
لقد حاول "ابن سلمان" كسب رضا الجمهور السعودي منذ توليه منصبه في السعودية من خلال تنفيذ سلسلة من الإصلاحات السطحية التي فشلت.
يذكر أن "ابن سلمان" تحدّث عن حزمة من الإصلاحات الخاصة المتعلقة بعدد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وفقاً للعديد من النشطاء والخبراء السعوديين، فإن تلك الإصلاحات تغطي معظم القضايا الاجتماعية وقضايا المرأة، مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة، وفتح دور السينما، إلى جانب إطلاق احتفالات مختلطة وإصدار تصاريح لإطلاق الكازينوهات في هذا البلد.
ولكن أولئك الخبراء لفتوا إلى أن تلك الإصلاحات لن تساعد على تحسين الأوضاع الاقتصادية في هذا البلد وأكدوا بأن "ابن سلمان" قام بتلك الإصلاحات للتستر على الكثير من الإخفاقات التي مُني بها في الماضي.
** الهجمات الناجحة على شركة "أرامكو" السعودية وتزايد الضغوط الداخلية
أدّت العملية الناجحة الأخيرة التي نفّذها سلاح الجو المسيّر التابع لقوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية على مصفاتي "بقيق" و"خريص" التابعتين لشركة "أرامكو" السعودية إلى انخفاض إنتاج النفط في المنطقة إلى نسبة وصلت إلى حوالي 50 ٪، وهذا الأمر تسبّب في تعرّض الحكومة السعودية إلى انتقادات شديدة اللهجة من قبل الرأي العام في الداخل، وذلك لأن معظم أبناء الشعب السعودي يرون بأن القادة السعوديين ولا سيما "ابن سلمان"، أدخلوا السعودية في حرب استنزاف لا نهاية لها في اليمن، الأمر الذي أدّى إلى تزايد عدد الهجمات اليمنية على قلب الاقتصاد في هذا البلد.
يذكر أن هذه القضية إلى جانب الإنفاق العسكري الكبير على الجيش السعودي الذي تسبّب في حدوث أسوأ أزمة إنسانية في اليمن منذ قيامه بغزو هذا البلد قبل نحو خمس سنوات، تسببا بتزايد انتقادات الرأي العام في السعودية ووسائل الإعلام المستقلة للأوضاع الاقتصادية المتردية في السعودية.
** محاولة "ابن سلمان" لإغلاق إحدى القضايا المثيرة للجدل وتبرئة نفسه
لقد دفعت المكانة المهتزة للسعودية في العالم، إلى جانب وجود الكثير من الضغوطات الداخلية وتنامي سخط الرأي العام السعودي حول أداء الحكومة السعودية، إلى بذل "ابن سلمان" الكثير من الجهود لإغلاق قضية مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" المثيرة للجدل.
إن مقاربة "ابن سلمان" لإغلاق هذه القضية جديرة بالملاحظة، لكن ولي العهد السعودي يسعى إلى تقديم نفسه كشخص مسؤول، وذلك من أجل أن يبرّئ نفسه بطريقة ما وسط الرأي العام السعودي.
وهنا لا ينبغي لنا أن ننسى، بالطبع، أن خطوة "ابن سلمان" هي أيضاً شكل من أشكال الامتنان للدول الغربية، لأنه انتهى بها الأمر باتهام إيران بالتورط في الهجمات الأخيرة على شركة "أرامكو" دون تقديم أي أدلة واقعية إلى الرياض.
في النهاية، ينبغي القول بأن هدف "ابن سلمان" في الإشارة إلى مسؤوليته غير المباشرة في جريمة اغتيال الصحفي السعودي المعارض "جمال خاشقجي" جاءت لعدة أسباب: أولاً.. تحسين وتلميع صورة السعودية في المنطقة والعالم أجمع، وثانياً.. تعزيز صورته بين الدول الغربية التي دعمت الرياض أمام إيران خلال الهجمات الأخيرة على شركة "أرامكو"، ثالثاً.. تقليل ضغط الرأي العام المحلي والدولي على الحكومة السعودية، ورابعاً.. تبرئة نفسه من مسؤولية هذه القضية، لأنه صرّح ضمنياً بأنه كان له مسؤولية غير مباشرة في هذا الاغتيال.