الوقت- تتصاعد وتيرة الصراع الدائر بين الفنان المصري صاحب شركة المقاولات محمد علي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إذ يأخذ هذا الصراع الذي بدأ الكترونياً طابعاً أكثر جدية، حيث بدأ محمد علي بالانتقال من الحديث عن فساد السيسي والرشاوي وبناء القصور على حساب شعب مصر الذي يعيش في أغلبيته ظروفاً معيشية صعبة إلى الدعوة لتنحي السيسي والإفراج عن جميع المعتقلين يوم الخميس المقبل، مؤكداً أن "يوم الجمعة سيكون هو نهاية السيسي"، وتوعّد علي بتنظيم ثورة على الرئيس السيسي، فمن أين يستمد الفنان والمقاول المصري كل هذه القوة وما هو موقف الأجهزة المصرية وهل ستتمكن هذه الأجهزة من إفشال تحركات محمد علي أم سنشهد ثورة جديدة كتلك التي شاهدنها في يناير 2011؟.
لا شك بأن السيسي يمرّ بأسوأ مرحلة على الإطلاق منذ توليه السلطة، إذ لم يتمكن لا هو ولا الأجهزة الأمنية ولا الحكومية وما يتبعها من أجهزة إعلامية محسوبة على النظام المصري من إيقاف محمد علي عن بث فيديوهاته على فيسبوك والتي يذكر فيها علي الوقائع بالتفاصيل وأسماء المسؤولين المنحرفين بل تطرق إلى ولع السيسي الغريب ببناء القصور الرئاسية التي بلغت تكلفتها مليارات الجنيهات في بلد يعيش معظم سكانه في البؤس.
السيسي في البداية لم يعرف كيف يمكنه احتواء هذه الأزمة لذلك وجدناه صامتاً، ويبدو أن هذا الصمت جاء نتيجة تحذيرات أجهزة الأمن من الحديث عن الموضوع علّه يُنسى ويكون مجرد فقاعة تنتهي خلال فترة قصيرة، إلا أن الأمر لم يكن كذلك إذ تحوّلت فيديوهات محمد علي إلى كرة ثلج تكبر أكثر فأكثر، هنا خرج السيسي عن صمته، منذ أيام في مؤتمر الشباب ولأول مرة يرى المصريون رئيسهم مرتبكاً فاقداً للسيطرة على أعصابه حتى أنه صاح فجأة: نعم لقد بنيت القصور الرئاسية ولسوف أستمر في بنائها لكنني لا أبنيها من أجلي ولكن من أجل مصر"، هكذا اعترف السيسي علناً بإهدار المال العام الذي يحصل عليه من الاستدانة حتى وصلت ديون الدولة المصرية إلى أرقام فلكية غير مسبوقة.
كلام السيسي لم يهدّئ من غضب الشارع المصري بالرغم من كل الجهود التي بذلتها الأجهزة الإعلامية التابعة للسلطة بما فيها الذباب الالكتروني، وبقيت تعيش حالة من التخبّط في ظل تزايد الغضب الشعبي، وغياب آلية يمكن التعامل بها مع ما يقوله علي، وذلك رغم ظهور عبد الفتاح السيسي وردوده الضعيفة على قضايا المخالفات المقدّرة بالمليارات والتي كشفها محمد علي.
حلول السيسي
البداية كانت عبر استدعاء أقرباء محمد علي واستقبالهم في برامج تلفزيونية لاحتواء الحدث والقيام بهجمة مضادة علّها تفي بالغرض وعلى هذا الأساس، استضافت قنوات تلفزيونية مصرية والد وشقيق محمد على، اللذين اتهماه بتعرّضه لعملية "غسيل مخ"، وشكّكا في نزاهته واتهماه هو بالفساد في قضايا عائلية.
بالتوازي مع ذلك بدأ مثقفو السلطة وفنانوها بمهاجمة محمد علي لكن دون جدوى، وقال وائل لطفي في "الوطن" المصرية إن "أتفه ما في ظاهرة المقاول الهارب هي محاولة إلباسها ثوباً من الوجاهة، بعض (المعارضين) حاول القيام بهذا.. قالوا إنه شاهد على ما اعتبروه وقائع فساد، والحقيقة أنه شاهد فعلاً، لكنه شاهد زور .. حصل على رشوة من دولة معادية كي يضرب العلاقة بين الجيش والشعب".
جميع هذه الحلول باءت بالفشل، ليتجه السيسي إلى محمد علي مباشرة في مكان إقامته في مدريد، والبدء بمحاولة استدراجه من خلال تقديم وعود بحل مشكلاته جميعها، وفي هذا الإطار قال محمد علي خلال إحدى مقاطع الفيديو التي بثها إنه يتعرّض للتهديد بالقتل، مشيراً إلى أن السيسي أرسل له عبر السفارة المصرية بإسبانيا طلباً لحل مشكلته، معتبراً أنها "محاولة فاضحة لاستدراجه"، كما أبدت السفارة المصرية بمدريد استعدادها الكامل لدفع كل المستحقات المالية المتأخرة لمحمد علي، نظير مشاريعه التي نفّذها لمصلحة الجيش، مقابل اعتذاره عن جميع اتهاماته بحق السيسي وزوجته.
واعترف الشاب، الذي يملك شركة مقاولات عملت سنوات طويلة مع الجيش المصري، بأن مصيره قد يكون القتل، وأن اللعبة التي بدأت بينه وبين السيسي ستنتهي على الأرجح بمصرعه.
إلى ذلك، توافد عدد من رجال الاستخبارات المصرية من عدد من الدول الأوروبية إلى إسبانيا، حيث يقيم علي، وفق معلومات حصلت عليها جريدة "القدس العربي" من مصادر رفيعة المستوى في إسبانيا، وذلك من أجل هدفين، وهما: في المقام الأول، محاولة رصد علي وإقناعه بوقف حملاته ضد عبد الفتاح السيسي مع تسوية جميع مشكلاته وتلبية جميع مطالبه.
وفي هدف آخر، معرفة هل تجمعه علاقات بدول يفترض أنها معادية لمصر تقف وراءه وتموّله مالياً، حيث تراقب الاستخبارات المصرية بعض الدبلوماسيين العرب ومن دول إسلامية بشكل أثار قلق مدريد.
خوف السيسي ظهر في إصدار تعليمات بمنع سفر جميع المقاولين المصريين المتعاقدين مع القوات المسلحة، وإعادة التحريات الأمنية بشأنهم واحداً واحداً، لتجنّب تكرار أنموذج المقاول والفنان محمد علي.
في حال لم يتمكن السيسي من احتواء هذه الأزمة خلال الفترة القليلة المقبلة ستتطوّر الأمور وتصبح في مكان لا يريده السيسي لأن الشعب المصري على ما يبدو متعاطف مع محمد علي أكثر من السيسي وكمية التفاعل معه ومع الوسوم التي تنشر على التويتر تظهر هذا الأمر، خاصة أن محمد علي يعرف تماماً كيف يخاطب الشعب وكيف يستخدم لغة جسده ولغة كلامه وكيف يتحدث بصيغة تصل إلى جميع طبقات وفئات الشعب دون أي تكلّف، وفي حال نزل المواطنون المصريون إلى الشارع سيكون السيسي في ورطة غير معلومة نتائجها.