الوقت- لا تزال المعادلات السياسية في العراق في فترة عودة السلام النسبي إلى هذا البلد، بعد انتهاء الخلافة التي أعلنتها داعش بقيادة أبو بكر البغدادي، تواجه مجموعةً واسعةً من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
الخلافات بين التيارات السياسية العراقية، استمرار الخلافات بين الحكومة المركزية العراقية وحكومة إقليم كردستان، الأزمات الاجتماعية بعد فترة حكم إرهابيي داعش في مناطق من العراق، أزمة عودة اللاجئين إلى مناطقهم، مشكلة إعادة بناء المدن التي مزّقتها الحرب، والأهم من كل ذلك الديون المالية الخارجية الثقيلة، هي من بين القضايا التي لا تزال تثقل كاهل العراق المتعب من الإرهاب وسفك الدماء.
في هذه الأثناء، فإن مسألة الديون المالية الثقيلة للحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، هي المستوى الملموس أكثر، حيث بناءً على التقارير المقدمة، فإن الحكومة المركزية مع حوالي 85 مليار دولار من الديون، يقع على عاتقها المسؤولية الأكبر في إدارة الاقتصاد العراقي في العصر الجديد.
مع ذلك، فإن الحكومة المركزية وفيما يتعلق بعائدات النفط، والقدرة على الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية، يبدو أنها ستكون قادرةً على إدارة هذا الظرف في المستقبل غير البعيد.
لكن الأهم من ذلك هو ديون حكومة إقليم كردستان البالغة 17 مليار دولار، الأمر الذي يبدو أنه سيصبح قريباً أزمة كبرى في شمال العراق، ونظراً لقيود أربيل في كسب إيرادات خاصة، يبدو من الصعب للغاية تعويض هذا المستوى من الديون.
اقتصاد إقليم كردستان تحت أنقاض الديون المالية الثقيلة
في السنوات القليلة الماضية، تم نشر العديد من التقارير حول حجم الديون الخارجية لإقليم كردستان العراق، والتي يؤكد معظمها على ديون "أربيل" الثقيلة التي تبلغ حوالي 20 مليار دولار للشركات والبلدان الأجنبية.
ما هو واضح أن معظم ديون إقليم كردستان يأتي من ديون هذه المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال العراق لتركيا، كما استلم إقليم كردستان عدة مليارات من الدولارات من شركة "روس نفط" الروسية لبيعها النفط مسبقاً.
في هذا الصدد، قدرت مؤسسة "يوروموني" المالية والمصرفية الأوروبية المرموقة في تقرير، ديون إقليم كردستان بـ 17 مليار دولار، لكنها أكدت على عدم وجود شفافية مالية كافية في الإقليم. لذلك، قد تكون ديون إقليم كردستان أعلى من المقدر.
وقد حذّرت "يوروموني" أن هذا المبلغ من الديون الخارجية لمنطقة يقطنها 5 ملايين نسمة، يعادل تقريباً حوالي 100٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وإذا فشل إقليم كردستان العراق في حل هذه المشكلة، فسوف يواجه مشكلات أكبر في المجال الاقتصادي.
كما حذّرت "يوروموني" أيضاً أنه بالنظر إلى أن إقليم كردستان العراق لا يمكنه إصدار سندات دون الرجوع إلى الحكومة المركزية العراقية، أو الحصول على قروض دولية، فلن تتمكن "أربيل" من جذب الأموال ذات المنشأ الدولي بسهولة.
اقتصاد الإقليم ضحية النزعة الاستقلالية الفاشلة
مما لا شك فيه أنه يمكن تتبع أهم عامل في الحالة الراهنة لاقتصاد إقليم كردستان في الخطة الطموحة لبعض قادة أربيل للانتقال إلى مرحلة الاستقلال والانفصال عن العراق.
حيث اتبع قادة الإقليم في منتصف عام 2013 استراتيجية البيع المستقل للنفط من خلال خط أنابيب النفط بين كركوك-ميناء جيهان التركي، عبر خطة وزير الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان "آشتي هورامي".
وفي أعقاب هذا القرار، قطعت حكومة بغداد بقيادة "نوري المالكي" في الإجراء الأول حصة الإقليم البالغة 17٪ من الميزانية العراقية السنوية، علاوةً على ذلك، وصل مستوى العلاقات مع بغداد إلى أدنى مستوى له في جميع الأبعاد.
كذلك، فإن إجراء الإقليم الأخير للمضي قُدماً نحو استفتاء حول الاستقلال في 25 سبتمبر 2017، ضاعف المشكلات الاقتصادية لحكومة الإقليم.
وخلال هذه الفترة، سلك الأكراد طريق الاقتراض من شركات النفط، من أجل تأمين حد أدنى للأجور للعاملين في إداراتهم.
كما حصلوا على قروض ثقيلة من حكومة أنقرة، بدعم من صادرات النفط عبر تركيا.
ومع ذلك، في الحالة الجديدة، أخبر المصرفيون الدوليون هذه المؤسسة الدولية بأن القضية الأكثر أهميةً هي أن إقليم كردستان له مستويات عالية من الديون للدول الأجنبية ولكنه لا يزال يسعى إلى الاستقلال عن العراق، وسيكون لهذا الأمر تأثير سلبي على اقتصاد إقليم كردستان.
ونتيجةً لذلك، ما يبدو مؤكداً في الوضع الجديد، هو ضرورة تغيير الإقليم لنهجه حيال القضايا المقبلة والعلاقات مع بغداد، ومع وصول "مسرور بارزاني" لرئاسة الوزراء في الإقليم، يبدو أن هذا النهج لتغيير الإجراءات في طور التكوين.
وفي هذا الصدد، أشارت "يوروموني" إلى مقال كتبه رئيس وزراء إقليم كردستان في إحدى الصحف الأمريكية مؤخراً، حول نسيان الاستقلال واعتماد التفاعل الشامل مع الحكومة المركزية العراقية، معتبرةً أن هذا النهج هو المناسب لمعالجة الضيق الاقتصادي الذي تعاني منه هذه المنطقة الكردية في العراق.