الوقت- قبل أسبوع واحد من الانتخابات البرلمانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تزايدت جهود نتنياهو (المعروف باسم الملك بيبي) لجذب آراء المستوطنين الصهاينة، وخاصةً اليهود الراديكاليين، بشكل كبير، ما أدّى إلى تصاعد التوتر بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي في الأيام الأخيرة.
في هذا السياق، وبعد دخول نتنياهو المثير للجدل إلى مدينة الخليل بالقدس الأسبوع الماضي، وإعلانه فرض سيادة الكيان على حي "الخليل" التاريخي، والذي واجه المعارضة الشديدة من مختلف الفصائل والشخصيات والمنظمات الفلسطينية، أعلن نتنياهو في خطوة مماثلة خلال مقابلة تلفزيونية، أن احتلال منطقة "الغور" الأردنية سيكون أول إجراء له بعد الفوز في الانتخابات.
وأضاف في المقابلة: يمكننا إعلان سيادتنا على هذه الأرض بعد الانتخابات مباشرةً، وتابع: شريطة أن "تعطوني ثقتهم وأصواتكم ... أعلن اعتزامي تعزيز السيادة الإسرائيلية على غور الأردن والضفة الغربية، هذا مهم جداً".
تجدر الإشارة إلى أن مساحة "غور الأردن" أو وادي الأردن تبلغ حوالي 2400 كيلومتر مربع، وتغطي حوالي 30٪ من الضفة الغربية، وقد تم توطين حوالي ستة آلاف يهودي في منطقة غور الأردن، والتي تمتد على طول الحدود الشرقية المحتلة للضفة الغربية.
احتل الكيان الإسرائيلي الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، خلال الحرب الإسرائيلية العربية في عام 1967، ولم يُعد هذه الأرض إلى الأردن على الرغم من قرارات مجلس الأمن المختلفة.
إدانة دولية للاحتلال
بعد تصريحات نتنياهو التوسعية مباشرةً، أدانت حركة حماس وفصائل المقاومة الإسلامية في غزة والسلطة الفلسطينية في رام الله، وكذلك إيران وحزب الله وتركيا والأمم المتحدة والكويت وقطر والسعودية والعديد من الدول العربية الأخرى، هذه التصريحات ووصفوها بالخطيرة.
وفي واحدة من أهم ردود الفعل، أدان وزير الخارجية الأردني "أيمن الصفدي" وعد نتنياهو بضم أجزاء من الضفة الغربية إذا فاز في الانتخابات، داعياً المجتمع الدولي إلى رفض الاحتلال.
وكتب في رسالة عبر تويتر صباح يوم الأربعاء أن الجامعة العربية تدين بالإجماع وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بضم المستوطنات ووادي الأردن في الضفة الغربية المحتلة.
كما أثارت تصريحات نتنياهو المهددة ردّاً من الأمم المتحدة أيضاً. حيث قال "ستيفن دوجاريك" المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" خلال مؤتمر صحفي في مقر المنظمة في نيويورك: "لقد اطلعنا على بيان رئيس وزراء (إسرائيل)، وموقف الأمين العام واضح ومستمر، ومفاده أن الأعمال الأحادية الجانب لا تفيد أبداً عمليات السلام"، وأضاف "دوجاريك" إن موقف الأمين العام من هذه المسألة لم يتغير".
وتابع المتحدث: "نعتقد أن هذا الاحتمال (الذي يتحدث عنه نتنياهو) سيكون مدمّراً لإحياء المفاوضات والسلام الإقليمي وحل الدولتين".
وقال إن "أي قرار إسرائيلي بتطبيق قوانينها وأحكامها وسيادتها على الضفة الغربية المحتلة ليس له أي أساس قانوني دولي."
وفي ردة فعل مهمة أخرى، هدد "محمود عباس" رئيس السلطة الفلسطينية الذي أوقف المحادثات المباشرة مع تل أبيب بعد تولي ترامب منصبه، ورداً على تصريحات نتنياهو الجديدة، بأنه في حال فرض السيادة الإسرائيلية على أي جزء من الأرض الفلسطينية بما في ذلك غور الأردن، سيلغي جميع الاتفاقات الموقعة مع الكيان الإسرائيلي.
كذلك حذّر الاتحاد الأوروبي من إضعاف عملية السلام في المنطقة عقب تصريحات نتنياهو، حيث نقلت وكالة "فرانس برس" عن متحدث باسم الاتحاد الأوروبي قوله: "إن ادعاء نتنياهو الأخير، وفقاً للقانون الدولي، وسياسة بناء وتوسيع المستوطنات ... غير قانوني، واستمرار الإجراءات التي تتم في هذا السياق، تقوّض حل الدولتين وإمكانية السلام الدائم".
جهود المنافسين الإقليميين لعدم خلوّ الساحة الفلسطينية منهم
لقد عادت القضية الفلسطينية الآن إلى دائرة الضوء والاهتمام في المنطقة والعالم الإسلامي، وقد ردّت دول المنطقة المتنافسة على تصريحات نتنياهو للحصول على مكانة دولية وموطئ قدم في هذه القضية المهمة في العالم الإسلامي.
قطر هي واحدة من هؤلاء اللاعبين النشطين في قضية فلسطين. حيث قالت وزارة خارجيتها في بيان، إن إعلان نتنياهو "امتداد لسياسة الاحتلال القائمة على انتهاك القوانين الدولية وممارسة كل الأساليب الدنيئة لتشريد الشعب الفلسطيني الشقيق وسلب حقوقه دون وازع من أخلاق أو ضمير".
واعتبر بيان الخارجية القطرية تصريحات نتنياهو بأنها "انتهاك تام لحقوق الشعب الفلسطيني بهدف تحقيق إنجازات انتخابية"، وأضاف إن: "استمرار الاحتلال في ازدراء القوانين الدولية وفرض منطق القوة والأمر الواقع سيقضي تماماً على فرص السلام المنشود."
لقد قامت قطر بزيادة مشاركتها في القضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة، وقد وصف العديد من الخبراء هذه السياسة بأنها تنافس بين الدوحة والرياض، ذلك أن سياسات "محمد بن سلمان" في التقرّب من الصهاينة قد حدَّت من تأثير الرياض التاريخي على القضية الفلسطينية.
لكن على الرغم من التقارب السعودي الإسرائيلي الصريح والمخفي، أدانت السعودية في بيان لها تصريحات نتنياهو، وهي خطوة يبدو أنها تهدف لتحسين صورتها في العالم الإسلامي، والتي تشوهت الآن بشدة، بسبب تعاونهم مع الصهاينة في قمع الشعب اليمني ومماشاتهم مع صفقة القرن.
وفي هذا البيان، دعت السعودية إلى عقد اجتماع استثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي على مستوى وزراء الخارجية لمناقشة هذه المسألة.
كما دعت الرياض إلى خطة عمل عاجلة ومراجعة نهج الدول الإسلامية تجاه الكيان الإسرائيلي لمواجهة مثل هذا الوعد الذي قطعه رئيس وزراء الكيان، وكذلك اتخاذ التدابير اللازمة.
في غضون ذلك، ردّت تركيا باعتبارها منافساً إقليمياً للسعودية، على تصريحات نتنياهو ووصفتها بأنها عنصرية، حيث قال وزير خارجية أنقرة "مولود جاويش أوغلو" إن رئيس الوزراء الصهيوني يواصل رسائله غير القانونية والتهديدية، مؤكداً "سندافع حتى النهاية عن حقوق إخواننا الفلسطينيين".
وأضاف أوغلو: "كما يتضح من تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن هدفه هو تعزيز أسس الفصل العنصري والعنصرية، لكن تركيا كانت وستظل مع أشقائها الفلسطينيين."
انتحار نتنياهو السياسي.. القضاء على صفقة القرن من جذورها
بقي أسبوع واحد على إجراء الانتخابات ولم يطرأ أي تغيير ملحوظ على حالة نتنياهو وحزب الليكود الانتخابية مقارنةً مع نتائج الانتخابات السابقة.
في هذه الحالة، لم تكن جهود نتنياهو لإضفاء الطابع الأمني على الأجواء في الأراضي المحتلة من خلال تنفيذ بعض الهجمات على لبنان والعراق وسوريا مفيدةً فحسب، بل إن ردّ حزب الله وردّ سوريا الصاروخي الأخير قد أضرا بحظوظه في الانتخابات أيضاً.
وفي ظل هذه الظروف، لجأ نتنياهو مرةً أخرى إلى دعم ترامب لنفسه وخطط ليكود التوسعية في الأراضي الفلسطينية، لتعبئة الأفكار الدينية واليمينية لمصلحته، وقد سبق أن قدّم ترامب هذه الخدمة لنتنياهو من خلال نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف باحتلال مرتفعات الجولان.
وفي هذا الصدد، ادّعى في تصريحاته أن هناك فرصةً تاريخيةً لتعزيز السيادة الصهيونية على مستوطنات الضفة الغربية، وقال: بعد طرح ترامب لخطته، سأعترف أيضاً بسيادة "إسرائيل" على المستوطنات الأخرى.
لكن هذه التصريحات ستدمر بالفعل صفقة القرن التي صممها ترامب لتحسين ظروف الشعب الفلسطيني والمنطقة.
في الواقع، لقد أوضحت تصريحات نتنياهو هذه أن صفقة القرن هي الفرصة الوحيدة للصهاينة لتحقيق أهدافهم الإمبريالية التاريخية في الأراضي الفلسطينية والبلدان المجاورة، وهو الأمر الذي دفع حتى حلفاء أمريكا مثل السعوديين للرد على هذه الخطة.
كما أن تصريحات نتنياهو، من ناحية أخرى، تؤكد من جديد صوابية استراتيجية المقاومة وفشل التفاوض مع الصهاينة، وستغذي روح المقاومة والانتفاضة بين الشباب الفلسطيني.
وفي هذا الصدد، اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية تصريحات نتنياهو إعلاناً للحرب، مؤكدةً أن: "هذه السياسات التي يتبعها الاحتلال هي نتاج صمت العالم عن الجريمة الأبشع التي تمثلت بالنكبة(اليوم الذي تم فيه تهجير الفلسطينيين في عام 1948) وإقامة الكيان الاسرائيلي"؛ وقد تحوّل هذا الصمت إلى "تواطؤ وشراكة من بعض الدول الظالمة في كل ما يرتكبه الاحتلال من جرائم".
وشددت الحركة على أن "الشعب الفلسطيني لن يسمح بالتهجير مرةً أخرى وسيبقى صامداً في وجه كل السياسات الباطلة التي لا تستند لأي مسوغ ولا لأي حق مهما بلغت التضحيات".
وتابعت الحركة أن "أحلام نتنياهو ستنتهي مع كل صرخة ثائر، وبسالة مقاوم، وصمود كل طفل وشيخ وامرأة فوق تراب هذه الأرض التي لا تقبل الغزاة الغرباء الطارئين".
كما أصدرت وزارة الخارجية السورية بياناً ردّاً على تصريحات نتنياهو، قالت فيه إن "خيار المقاومة والصمود وحده الكفيل بالحفاظ على الحقوق العربية والدفاع عن حاضر الأمة وضمان مستقبلها".
وشجب بيان الخارجية السورية محاولات التطبيع العربية مع الكيان الإسرائيلي، مؤكداً أن "بعض العرب الذين يتهافتون ويروّجون للتطبيع المجاني مع هذا الكيان يتحمّلون مسؤوليةً تاريخيةً في سلوك كيان الاحتلال المارق".