الوقت- عندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987- 1993) ومن ثم الانتفاضة الثانية (2000- 2004)، لم تكن الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني بأسوأ من اليوم، حيث أن التجارب التاريخية تشير بشكل جلي، إلى أنه كلما ازدادت حالة القمع والإذلال، والأعمال العدوانية المتطرفة التي يتعرض لها الفلسطينيون من قبل المستوطنين الاسرائيليين وقوات الکيان الاسرائيلي، تكون الأوضاع مرشحة بشدة لنشوب انتفاضة جديدة.
واليوم يمر الشعب الفلسطيني بظروف عصيبة على نحو غير مسبوق، في ظل ارتفاع لوتيرة أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون الاسرائيليون بحق الفلسطينيين، بالتزامن مع موجة حادة من التطرف وخطاب الكراهية، تسود الأوساط الاسرائيلية الرسمية وغير الرسمية.
فبعد العدوان الاسرائيلي الأخير على غزة العام الماضي، بدأت الجرائم الاسرائيلية تتخذ مساراً مضطرداً، بدءاً من الجريمة المروعة بإحراق الفتى الفلسطيني "محمد أبو خضير" حيًا في القدس على يد مستوطنين ارهابيين، إلى جريمة قتل الطفل "علي الدوابشة" بعد أن أشعل مستوطنون اسرائيليون النار في منزله الواقع في الضفة الغربية ليلحق به أبوه فيما بعد متأثراً بجروحه.
ومؤخراً جاءت حادثة دخول الأسير الفلسطيني "محمد علان" في غيبوبة بعد اضراب عن الطعام استمر شهرين، ليؤجج بذلك حالة الغضب الفلسطيني، مما ينذر حسب مراقبين باندلاع وشيك لانتفاضة فلسطينية ثالثة.
وقال تقرير صادر عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين إنّ "الکيان الاسرائيلي" يشهد في السنوات الأخيرة موجة متصاعدة من التطرف والعنصرية ضد الفلسطينيين بشكلٍ عامٍ وضدّ الأسرى بشكلٍ خاصٍ ليصبح التطرف والكراهية سياسة معتمدة في حكومة الکيان ومؤسساته.
وقد فاقم من حالة الاحتقان الفلسطيني القوانين الإسرائيلية السائدة، التي أصبحت أداة لتكريس وتعميق الاحتلال والسيطرة على الشعب الفلسطيني، خاصة دعمها للمستوطنين وعصاباتهم وللتنظيمات الإرهابية اليهودية في القدس والضفة الغربية. وقد رصدت هيئة الأسرى عددًا من التشريعات والقوانين العنصرية الانتقامية من الأسرى مثل قانون التغذية القسرية، وقانون إعدام الأسرى، وقانون منع الاتصال الهاتفي للأسرى بعائلاتهم، وقانون منع التعليم للأسرى، وقانون عدم توثيق التحقيق بالصوت والصورة، وقانون تسهيل الاعتقالات دون شهود إثبات، وقانون رفع الأحكام بحق الأطفال لتصل إلى 20 عامًا وغيرها.
وقد صاحب هذه القوانين والتشريعات الجائرة، تصريحات عدائية من مسؤولين إسرائيليين ومن رجال الدين موجهة للفلسطينيين وللأسرى القابعين في السجون تمتاز بالدعوة للعنف والقتل والكراهية، كتصريحات تدعو إلی عدم الاستجابة لمطالب الأسرى المضربين عن الطعام حتى موتهم، وتصريحات تُطالب بإعدام الأسرى، وتصريحات تصف الأسرى بالصراصير، ودعوات لخنق الأسرى بالغاز، ودعوات لإقامة معسكرات إبادة للفلسطينيين وغيرها.
وليس بمستغرب الأحكام القضائية الجائرة بحق الفلسطينيين، طالما أن الجهاز القضائي الاسرائيلي نفسه يتبنى الخطاب العدائي ضد الشعب الفلسطيني، حيث دعت وزيرة القضاء في الکيان الإسرائيلي، "أييليت شاكيد"، العنصريّة-المُتطرّفة من حزب البيت اليهوديّ، من خلال موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إلى إبادة جماعية للفلسطينيين. وبررت شاكيد دعوتها لإبادة الفلسطينيين آنذاك بأنّ الشعب الفلسطيني بأكمله عدو، ويشمل ذلك حسبما كتبت المسنّين والنساء، المدن والقرى، المباني والبنى التحتية. وحصد ما كتبته شاكيد على “فيسبوك” وقتها الآلاف من علامات الإعجاب، كما تمت إعادة نشره لأكثر من ألف مرة.
هذا ويأتي هذا التصعيد في الأعمال العدائية الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين، وسط سكوت اقليمي ودولي، حيث أن الأحداث التي تعصف بالمنطقة، والمساعي الاعلامية الموجهة، جعلت القضية الفلسطينية ذات اهتمام ثانوي في المنطقة العربية، وهو بالتالي ما زاد من شعور المواطن الفلسطيني بالتخاذل تجاهه، وبضرورة أن يقوم بمبادرات تعيد له حقوقه بمعزل عن الآخرين.
تحذير اسرائيلي:
الکيان الاسرائيلي بدأ يستشعر الخطر من جراء الاحتقان الفلسطيني من الأعمال العدوانية الاسرائيلية، حيث صرح المستشار السابق لرئيس وزراء الکيان، بنيامين نتنياهو، "يوعاز هندل"، في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنّ وفاة الأسير "محمد علان"، المُضرب عن الطعام، يحمل في طياته جميع الإمكانيات لاندلاع الانتفاضة الثالثة، التي ستكون عنيفة جدًا برأيه، وستخلط جميع الأوراق على الساحتين الإسرائيليّة والفلسطينيّة على حدٍ سواء.
كما حذر زعيم المعارضة الاسرائيلية "إسحاق هرتزوغ" من اندلاع انتفاضة جديدة، ودعا الحكومة الاسرائيلية إلى العمل مع السلطة الفلسطينية لمنع ما قال إنها قد تكون انتفاضة فلسطينية ثالثة.
وقال رئيس المعسكر الصهيوني خلال لقاء نادر جمعه مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إنه: "علينا منع انتفاضة ثالثة. هنالك تدهور أمني في الميدان. علينا فعل كل ما بإستطاعتنا".
في هذه الأجواء المتوترة، يبدو أن الأوضاع مرشحة لمزيد من التصعيد في ظل اخفاق جميع مساعي التسوية مع الكيان الاسرائيلي التي لم تجلب للشعب الفلسطيني أي شيء يذکر، أمام عدو أثبت بالدليل القاطع أنه لا يفهم سوى منطق القوة.