الوقت- ذكرت وزارة الدفاع التركية أن ضربة جوية وقعت يوم الاثنين الماضي على الرتل العسكري التركي، أسفرت عن مقتل 3 مدنيين، مع تحرك الآليات جنوباً صوب نقطة المراقبة وادّعت الوزارة أن تركيا أرسلت الرتل للإبقاء على طرق الإمدادات مفتوحة، وتأمين موقع المراقبة، وحماية المدنيين، بعد هجوم للجيش السوري في المنطقة.
وحول هذا السياق، قال وزير الخارجية التركي "تشاووش أوغلو"، يوم الثلاثاء الماضي: "على النظام السوري ألا يلعب بالنار.. وسنفعل كل ما يلزم من أجل سلامة جنودنا"، وصعّد الوزير التركي من لهجة التحدي، بتأكيده أن بلاده لن تنقل موقع المراقبة العسكري في شمال غرب سوريا، مؤكداً أن الموقع سيواصل مهمته، وأنه تم اتخاذ التدابير الأمنية والعسكرية اللازمة.
وأشار "جاووش أوغلو"، إلى أن تركيا على تواصل مع روسيا على كل المستويات، لتطبيق وقف لإطلاق النار في محافظة "إدلب"، مضيفاً بالقول: "سنقوم بكل ما يلزم من أجل أمن جنودنا ومواقع المراقبة".
العمليات العسكرية للجيش السوري في مدينة "إدلب"
بدأ أبطال الجيش السوري بمعركة تحرير إدلب الكبرى قبل حوالي أسبوعين وجاءت هذه التطورات بعد اندلاع اشتباكات عنيفة أمس بين قوات الجيش السوري ومسلحي "هيئة تحرير الشام" التي تشكّل "جبهة النصرة" الإرهابية عمودها الفقري في محيط بلدة كفر نبودة الاستراتيجية عند الحدود الإدارية بين محافظتي إدلب وحماة.
وفي هذا السياق، أفادت العديد من المصادر الإخبارية بأن القوات الحكومية السورية وجّهت في بداية هذه العملية العسكرية راميات نارية مركّزة على تحركات مسلحين بين بلدتي الهبيط وكفر نبودة، ما أدّى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوفهم وتدمير آليات وعتاد لهم، بالإضافة إلى كمية من الأسلحة والذخيرة كانت بحوزتهم.
وفي السياق ذاته، ذكر الإعلام السوري أن الكثير من الآليات التركية دخلت سوريا لمساعدة متشددين في مدينة "إدلب" ووصفت سوريا هذا التحرك بأنه عمل عدواني.
ونقل مصدر رسمي في وزارة الخارجية السورية قوله إن "هذا السلوك العدواني للنظام التركي لن يؤثر بأي شكل على عزيمة وإصرار الجيش السوري على الاستمرار في مطاردة فلول الإرهابيين في خان شيخون وغيرها حتى تطهير كامل التراب السوري من الوجود الإرهابي.
في حين تحدث شهود عن دخول العديد من الآليات العسكرية قادمة من تركيا مؤلفة من قرابة خمسين آلية من مصفّحات وناقلات جند وعربات لوجستية بالإضافة إلى خمس دبابات على الأقل إلى الأراضي السورية، في طريقها إلى مناطق متفرقة من مدينة "إدلب" وإلى شمال "خان شيخون" الواقعة في ريف إدلب الجنوبي.
الغموض الذي يكتنف اتفاق سوتشي
إن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هنا، هل اتفاق سوتشي يمنع الجيش السوري من تحرير الأراضي المحتلة من الإرهابيين الأجانب؟ وهل للجيش التركي الحق في إرسال قافلة عسكرية إلى شمال سوريا بحجة حماية نقاط المراقبة التابعة له؟ وفيما يلي سوف نسلط الضوء أكثر على أبرز بنود اتفاق سوتشي وسوف نجيب على جميع الأسئلة التي تم طرحها أعلاه.
بند رقم 1: "ستتم المحافظة على المنطقة المنزوعة السلاح في إدلب وسيتم تعزيز عمليات المراقبة التركية في تلك المناطق".
في هذا الجزء ليس من الواضح إلى متى ستتم إدارة المنطقة بهذا الشكل ومتى سيتم تسليمها إلى الحكومة السورية.
بند رقم 2: "سيتم إنشاء منطقة مدنية من حوالي 15 إلى 20 كيلومتراً في المنطقة المنزوعة السلاح".
بند رقم 3: "كل الجماعات الإرهابية المتطرفة ستغادر المنطقة المدنية بحلول 15 أكتوبر".
في هذا الجزء لم يتم التوضيح ما يجب القيام به إذا لم يتم تنفيذ هذه البنود، كما أن الإرهابيين لم يوفوا بوعودهم بالمغادرة من تلك المناطق، وأنهم من وقت لآخر كانوا يقوموا بشنّ هجمات بقذائف الهاون على الجيش السوري.
بند رقم 4: "جميع الدبابات وأنظمة الصواريخ المتعددة والمدفعية ومدافع الهاون التابعة للأطراف المتنازعة ستتم إزالتها من المناطق المدنية بحلول 10 أكتوبر 2018".
هذا الامر لم يتحقق بالكامل في العام الماضي.
بند رقم 5: "سيتم اتخاذ تدابير فعّالة لضمان استمرار عملية وقف إطلاق النار داخل المنطقة المنزوعة السلاح لتخفيف حدة التوترات في مدينة إدلب وفي هذا السياق، سيتم تعزيز أنشطة مركز التنسيق المشترك بين إيران وروسيا وتركيا".
ما هي التدابير التي اتخذت لضمان استمرار عملية وقف إطلاق النار، وهل هذه الضمانات ستمنع الجماعات المسلحة من شن هجمات غادرة؟
هل الهجوم على الرتل العسكري التركي يتعارض مع اتفاق سوتشي والاتفاقيات الدولية ؟
تعرّض رتل عسكري تركي، يوم الاثنين، لهجوم جوي وهو في طريقه إلى نقطة المراقبة التاسعة جنوبي محافظة إدلب، ما أسفر عن مقتل 3 مدنيين وإصابة 12 آخرين بجروح، كانوا على مقربة من الرتل العسكري التركي.
وفي هذا السياق، وجّه وزير الخارجية التركي "مولود تشاووش أوغلو"، رسالة شديدة اللهجة إلى الحكومة السورية، عقب تعرّض رتل عسكري تركي لهجوم جوي في إدلب. وقال "تشاووش أوغلو": "على النظام السوري ألا يلعب بالنار، وسنفعل كل ما يلزم من أجل سلامة جنودنا".
وأضاف: إن بلاده تجري اتصالات على كل المستويات مع روسيا على خلفية الهجوم على الرتل التركي.
ولفت هذا المسؤول التركي، إلى أن بلاده لا تنوي نقل المراقبة التاسعة في إدلب إلى مكان آخر، في إشارة إلى نقطة "مورك"، التي دخلتها القوات التركية في نيسان 2018.
يذكر أن الجماعات المسلحة والارهابية لم تلتزم باتفاق سوتشي وقامت خلال الفترة الماضية مدعومة بالكثير من المعدات العسكرية التركية بشنّ العديد من الهجمات الغادرة على مقرات قوات الجيش السوري الأمر الذي دفع هذه الأخيرة إلى توجيه ضربه للرتل العسكري التركي الذي كان متوجهاً لتقديم الدعم لما تبقّى من تلك الجماعات الإرهابية.
هل إرسال معدّات عسكرية ثقيلة يُعدّ أمراً قانونياً أم لا؟
على أساس كل ما ذُكر أعلاه، ينبغي القول إنه، أولاً وقبل كل شيء في إدلب، تعتبر سوريا هي المضيفة وشرعية الاتفاقيات يجب أن تنطلق من موافقتها عليها، ويجب القيام بعمليات لتعزيز سيادتها على جميع الأراضي السورية وهذه النقطة كافية لإلغاء هذا الاتفاق.
ثانياً، لقد تعرّض هذا الاتفاق للخطر بسبب تقاعس الإرهابيين عن الوفاء بالتزاماتهم، وهنا يمكن القول بأنه يمكن للطرف الآخر اتخاذ بعض الإجراءات العملية على الساحة السورية.
ثالثًا، لا يستطيع مراقبو عملية وقف إطلاق النار مراقبة الصراعات والإبلاغ عنها وذلك لأن هذا العمل ليس من واجبهم، وحتى لو كانوا هم أنفسهم في خطر، فكان يجب عليهم حماية أنفسهم بالأسلحة الخفيفة وليس إرسال أسلحة ثقيلة تخالف الاتفاقات الدولية.
ردود الفعل المحتملة لتركيا
تدرك تركيا تماماً أنه سيتعيّن عليها عاجلاً أم آجلاً إخلاء جميع المناطق التي تحت سيطرتها بموجب اتفاقية "سوتشي" التي تعتبر الجهة المراقبة لعملية الانسحاب من الأراضي السورية وذلك لمساعدة دمشق على تعزيز سيادتها في تلك المناطق لأن القانون الدولي يمنح سوريا مثل هذا الحق.
ويمكن رؤية رد فعل تركيا في هذا الصدد، يتمثل في خلق دعاية إعلامية كبيرة لممارسة ضغط سياسي على دمشق لوقف العمليات العسكرية في تلك المناطق.
نهاية القصة
من الناحية القانونية والسياسية ليس لدى تركيا أي مبرر معقول لمواصلة وجودها في مدينة "إدلب" السورية، ويبدو أنه من غير المحتمل أن تكون قادرة على اتخاذ أي إجراء مهم في هذا الصدد.
وهنا يمكن القول بأن الإنجاز الوحيد لتركيا هنا يتمثل في إرسال طوفان من اللاجئين من إدلب إلى تركيا، ما قد يضغط على دمشق وموسكو لوقف عملياتهما العسكرية.
على أي حال، هذا هو المسار الذي تتبعه الحكومة السورية وسوف تفوز في معركتها العسكرية وسوف تحرر مدينة "إدلب" من أيدي الإرهابيين عاجلاً أم آجلاً.