الوقت- لم يكن كلام الرئيس الإيراني حسن روحاني حول منطق الحوار الذي تعتمده الجمهورية الإسلامية الإيرانية نغمة شواذ في الأوركسترا الإيرانية، بل جاء ليرسخ سنوات من الرصانة السياسية لبلاده في التعاطي مع أزمات المنطقة. وبالفعل نجحت طهران في تكريس مبدأ حوار جديد مع الدول الست (5+1) على أساس رابح-رابح من خلال توقيع الإتفاق النووي في فيينا.
في المقابل لم تكن العلاقات الإيرانية السعودية في احسن أحوالها لاسيّما بعد عدوان الاخيرة على اليمن، وهذا ما إنعكس سلباً على علاقات طهران مع كافّة دول مجلس التعاون ما عدا سلطنة عمان، مع العلم أن طهران دعت السعودية في أكثر من موضع للحوار الصريح والتعاون الشفاف بدءاً من سوريا مروراً بمكافحة الإرهاب وصولاً إلى اليمن، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود.
لم تكتف الرياض بتجاهل مطالبات طهران في حوار شفاف يصب في صالح شعوب المنطقة، بل حاولت بين الفينة والأخرى طرح بعض الشروط التعجيزية، إما لإدراكها المسبق بضعف منطقها الحواري، أو لأنها لا تعترف به في الأصل. ومن يطالع واقع العلاقات السعودية مع حلفائها، سواء البحرين، مصر سابقاً، تيار المستقبل بلبنان..، تظهر لديه معالم الحقيقة الجهورية لمنطق آل سعود النفطي، إلا أننا عندما نقرأ فضائح ويكليكس نذعن بأن العمود الفقري لمنطق آل سعود هو البترودولار.
المشكلة الأخرى أن قرار السعودية للدخول في حوار مع طهران، أو غيرها، أصعب بأضعاف من قرارها بعدم الحوار، أي أن الرياض تعتمد تطرفها المعهود هنا أيضاً فلا تقبل بالدخول إلى الحوار ما لم تحصل على مكاسب ميدانية قابلة للتفاوض، واذاما حصلت على أي مكسب ميداني تنسف كلامها السابق بالحوار، لإعتقادها بإستعادة زمام الامور. فعلى سبيل المثال، رفضت السعودية الدعوة الإيرانية لوقف عدوانها على اليمن وبدء الحوار بإعتبار أنها لا تملك أي نصر ميداني يمكن التفاوض عليه، في المقابل وعندما نجحت في السيطرة على بعض المناطق جنوب اليمن، رفضت مجدداً الحديث عن أي حوار أو مبادرة لوقف العدوان تارةً تحت ذريعة إستكمال العدوان لإستعادة "الشرعية"، وأخرى عبر الترويج أن طهران تدعو للحوار حالياً بسبب تراجع أنصار الله ميدانياً.
وتحاول الرياض إلصاق العديد من التهم إلى طهران، بدءاً من دعم الإرهاب، وليس إنتهاءً بإحتلال أربع عواصم عربية (بيروت- دمشق – بغداد – صنعاء)، في المقابل تنزّه نفسها رغم كافّة الفضائح التي نشرت مؤخراً ولحنها الدبلوماسي الضعيف الذي يطغى عليه طابع العلاقة بين الملك والرعيّة، وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى الأمور التالية:
أولاً: لطالما أعلنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إستعدادها للحوار مع كافّة دول المنطقة، وعلى رأسهم السعودية، لحل الأزمات الإقليمية، كما أن القيادات الإيرانية جدّدت تأكيدها، لاسيّما بعد الإتفاق النووي، على الحوار مع دول مجلس التعاون والسعودية تحديداً.
ثانياً: أعلنت السعودية مؤامرة واضحة تجاه طهران عبر تعزيز إنتاجها النفطي، كما أنها لا تزال تستهدف الشعب اليمني منذ أكثر من 140 يوماً، ناهيك عن خذلانها للقضية الفلسطينية، ولكن هل كانت مواقف طهران مشابهة؟ لماذا؟
ثالثاً: تطرح السعودية العديد من الشروط التعجيزية عند الحديث عن أي مبادرة إيرانية أو غير إيرانية في الازمة السورية، فترفض القبول بأي مبادرة عنوانها الحل السياسي إلا إذا حصلت على ضمانات مسبقة برحيل الرئيس الأسد في المرحلة اللاحقة، في المقابل أعلنت طهران ومنذ بداية الازمة أن حق تقرير المصير في سوريا هو بيد الشعب السوري حصراً عبر إنتخابات نزيهة تحت إشراف دولي لإنتخاب رئيس جديد للبلاد.
رابعاً: تشير الشروط المسبقة للسعودية إلى هزل سياسي، بعكس الرصانة السياسية، وعدم واقعية في سياستها الخارجية. لم يفقه ساسة آل سعود في يوم من الأيام منطق الحوار داخل بلاد الحجاز، وهذا ما إنعكس سلباً على سياستهم الخارجية، كذلك قد لا يكون ساسة آل سعود ملامين على رفضهم لجعل مصير الرئيس الأسد بحق الشعب السوري، بإعتبار أن حكومتهم لا تعير أي إهتمام لشعبها في تقرير مصيره، وهي بالتالي تتعاطى بالأسلوب نفسه في الأزمة السورية.
خامساً: على صعيد الإرهاب، ثبت للجميع وبإعتراف الرياض دعمها للجماعات التكفيرية في المنطقة سواءً عبر السلاح أو الأموال أو العديد، في المقابل قدّمت طهران الدعم الكامل لأعداء هذه الجماعات الإرهابية، مثل حزب الله، الجيش السوري، الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي والأكراد.
سادساً: تتقاطع السياسة السعودية مع حليفتها الأمريكية في الضرب على وتر الفتنة المذهبية والتفرقة بين أبناء الأمّة الإسلامية، مما يصب بشكل مباشر في صالح الجماعات الإرهابية والكيان الإسرائيلي. وإن مشكلة الرياض تكمن في التعاطي مع الأزمات الإقليمية وفقاً للمصلحة الأمريكية التي تهدف لتدمير البلاد والعباد.
للأسف، إن السعودية ونظراً لطبيعة نظامها الملكي الإستبدادي تتسم سياستها الخارجية بـ"الهزلية"، في المقابل بنت طهران علاقاتها الخارجية على أساس الإحترام المتبادل ومنطق الحوار المقتدر الذي أفضى إلى رصانة سياسية، جعلت من الجمهورية الإسلامية الإيرانية أقوى لاعب إقليمي حالياً.