الوقت- نفّذت قوات الجيش الإسرائيلي العديد من الحملات خلال الأسبوع الماضي لهدم الكثير من منازل الفلسطينيين التي تعتبرها غير قانونية والواقعة إلى جنوب القدس، وتولّت عشرات العناصر من الشرطة والقوات الإسرائيلية تطويق أربعة مبانٍ على الأقل في منطقة صور باهر وباشرت جرافة بهدم بناء من طابقين قيد الإنشاء.
وحول هذا السياق، أعرب "نبيل أبو ردينة"، المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، بأن القيادة ستعقد خلال الأيام القليلة المقبلة سلسلة من الاجتماعات المهمة للرد على عمليات الهدم للأحياء والمنازل الفلسطينية في قرية "صور باهر" في القدس المحتلة والخروقات المتواصلة في الأراضي الفِلسطينية.
مضيفاً: إن القيادة الفلسطينية ستتّخذ خلال هذه الاجتماعات قرارات مصيرية بشأن العلاقة مع "إسرائيل" والاتفاقات الموقّعة معها. والسؤال المطروح الآن هو، هل السلطة الفلسطينية جادة في قراراتها، وما هي عواقب ذلك على الفلسطينيين والإسرائيليين وغيرهم من الجهات الفاعلة المعنية في هذه المسألة؟
الاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية
تؤكد السلطة الفلسطينية على ضرورة الالتزام بقرار الأمم المتحدة رقم 242 وقرار أصدره مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1976 الذي جاء تعبيراً عن الخلل الخطير في ميزان القوى في الصراع العربي الإسرائيلي، وهو الذي لا شك كان نتيجة الهزيمة التي مُني بها العرب في الحرب العربية الإسرائيلية الثالثة (يونيو/ حزيران 1967).
وقد جاء هذا القرار كحل وسط بين عدة مشاريع قرارات طرحت للنقاش بعد الحرب، ومن أبرزها مشروع القرار السوفييتي والأمريكي وذلك تفادياً لإقدام أي من الدولتين الكبيرتين على ممارسة حق النقض.
واشترط واضع القرار اللورد "كارادون"، مندوب بريطانيا آنذاك لدى مجلس الأمن، على أن القرار لا يقبل أي تعديل أو مساومة فإما أن يقبل كما هو وإما يرفض، لأن أي تعديل ولو طفيف كان من شأنه نسف المشروع من أساسه.
ولكن الكيان الاسرائيلي لم يلتزم بذلك القرار ولهذا تم التوقيع على اتفاقية أو معاهدة أوسلو، والمعروفة رسمياً باسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي وهو اتفاق سلام وقّعته "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطن الأمريكية في 13 سبتمبر 1993 بحضور الرئيس الأمريكي السابق "بيل كلينتون" وسمي الاتفاق نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التي تمّت فيها المحادثات السرية عام 1991، وقد أفرز هذا الاتفاق ما عرف بمؤتمر مدريد، وتعتبر اتفاقية اوسلو، التي تم توقيعها في 13 سبتمبر 1993، أول اتفاقية رسمية مباشرة بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية.
العواقب المترتبة على إلغاء الاتفاقيات والمعاهدات
1- عودة الانتفاضات والاحتجاجات الجماهيرية: لقد تم التوقيع على اتفاق "أوسلو" بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وحول هذا السياق، ذكر موقع صحيفة "فلسطين اليوم" أنه بعد الإعلان عن موقف "محمود عباس"، عادت الاحتجاجات الشعبية بشكل واسع إلى الشوارع الفلسطينية لفك الحصار المفروض على قطاع غزة.
ولقد شارك الآلاف من الفلسطينيين في مسيرات العودة التي تم تنظيمها للخروج أسبوعياً بالقرب من الحدود الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة، وذلك من أجل إثبات زيف إسطورة الكيان الصهيوني الذي لا يُقهر.
2. تحالف الجماعات الفلسطينية تحت مظلة واحدة: في أعقاب اتفاق "أوسلو"، نشبت بين السلطة الفلسطينية والحركات الجهادية وحركة حماس، الكثير من الخلافات التي استغلها الكيان الصهيوني لمصلحته. يذكر أنه في أعقاب قرار السلطة الفلسطينية، أكدت حركة حماس في بيان لها تأييدها لقرار "أبو مازن" وقالت: "الشعب الفلسطيني يتحرك نحو إجراءات عملية وواقعية، تصبح فيها القرارات لفظية قابلة للتنفيذ".
كما صرّحت الجمعية الوطنية الفلسطينية بأن "قرار الحكومة بإلغاء العقود هو مرحلة جديدة من المقاومة والصمود، وتدعو جميع الفلسطينيين إلى الاتحاد لدعم هذا القرار".
وفي هذا الصدد قال "أندريه شوبرين"، الأستاذ بكلية الأبحاث بشرق روسيا: إن هذه الخطوة من جانب "عباس" ستؤدي إلى الاتحاد الكامل بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس وقد تغير ميزان القوى في المنطقة.
3. إضعاف مكانة الكيان الصهيوني: إن أهم امتياز حصلت عليها "إسرائيل" بعد التوقيع على معاهد "أوسلو"، كانت تتمثل باعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بها.
ولقد تمكّن الكيان الصهيوني في عام 1997، بعد التوقيع على اتفاق أوسلو من إقناع منظمة التحرير الفلسطينية بالتوقيع على اتفاقية "الخليل" وتمكّنت أيضاً من إعادة قواته الأمنية للانتشار في هذه المدينة، وبعد ذلك قامت "إسرائيل" بخرقِ تدريجيِ لجميع الوعود بتشكيل حكومتين.
وفي سياق متصل قامت الدول العربية التي ما زالت تأمل في أن تفي "إسرائيل" بجميع الاتفاقيات السابقة، بإطلاق العديد من اتفاقيات السلام منذ عام 2002 وحتى الآن، والتي كان آخرها "صفقة القرن" ومؤتمر "المنامة".
ومع ذلك، فإنه يمكن القول بأنه عندما تصطف كل الجماعات الفلسطينية تحت مظلة واحدة ضد "إسرائيل"، فإن الدول العربية لن تكون قادرة على بناء علاقات جيدة مع هذا الكيان الغاصب وسيتعيّن على القادة في "تل أبيب" اتخاذ خيارات صعبة، وستضطر "إسرائيل" لفقد الكثير من امتيازاتها السياسية والأمنية.
4. إضعاف المكانة الانتخابية لـ"ترامب": قام "كوشنر" صهر الرئيس الأمريكي بعد فشل مؤتمر "المنامة"، بزيارة عدد من الدول العربية من أجل إجراء المرحلة الثانية من "صفقة القرن"، للتعويض عن ذلك الفشل.
يذكر أن الرئيس "ترامب" قدّم الكثير من الدعم لرئيس الوزراء الإسرائيلي للفوز في الانتخابات الماضية، وبذل الكثير من الجهود لتنفيذ صفقة القرن وذلك من أجل أن يأخذ هذه الإنجاز كمثال ناجح على الوفاء بوعوده الانتخابية السابقة.
ولكن مع تصاعد التوترات بعد بيان منظمة التحرير الفلسطينية الجديد، يواجه الرئيس "ترامب" حالياً تهديداً جديداً، وكما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية رداً على قرار من السلطة الفلسطينية: "نأمل أن يقوم الفلسطينيون، بدلاً من إرسال إشارات غير بناءة، الانضمام إلى العملية السياسية بشكل إيجابي ".