الوقت- يبدو أن الأوضاع في داخل الكيان الإسرائيلي أخذت منحىً آخر بعد جريمة إحراق منزل عائلة الدوابشة في بلدة (دوما) بالضفة الغربية على يد المستوطنين الصهاينة والتي راح ضحيتها الرضيع الفلسطيني (علي الدوابشة) حرقاً وهو نائم في مهده.
فهذه الجريمة أثارت موجة واسعة من الغضب والاستياء بين الفلسطينيين ولا تزال تشهد تفاعلاً وحراكاً قانونياً وسياسياً على المستويين الاقليمي والدولي.
وخلال الأيام الماضية شهدت بلدة (دوما) مواجهات عنيفة بين الفلسطينيين وقوات الكيان الإسرائيلي تم خلالها إلقاء الحجارة على عناصر الجيش الإسرائيلي وإشعال الإطارات المطاطية وإغلاق الشوارع، ما أثار حالة من الهلع لدى السلطات الإسرائيلية من امكانية اندلاع انتفاضة عارمة في عموم الضفة الغربية.
وفي وقت سابق شبّه رئيس الكيان الإسرائيلي (رؤوفين ريفلين) جريمة احراق الدوابشة بألسنة اللهب التي ستحرق هذا الكيان، فيما زعم رئيس حكومة الكيان (بنيامين نتنياهو) بأنه أصيب بصدمة نفسية جراء هذا الفعل الإرهابي المشين.
ووصفت الكثير من وسائل الاعلام الاقليمية والدولية تصريحات نتنياهو بأنها مجرد هراء وكلام فارغ ومحاولة بائسة لتحسين سمعة الكيان الإسرائيلي في الخارج، مؤكدين بأنه كان ينبغي على نتنياهو وحكومته اتخاذ خطوات عملية جادة وملموسة ضد هذه الجريمة بدلاً من إطلاق التصريحات.
وأعرب المراقبون عن إعتقادهم بأن لا شيء سوف يتغير بعد هذه الجريمة على مستوى الإجراءات التي يجب أن تتخذ لحماية الفلسطينيين العزل من اعتداءات المستوطنين الصهاينة، منوّهين إلى أن الجناة إعتادوا أن يفلتوا من العقاب بعد كل جريمة أو تصدر بحقهم احكام خفيفة من قبل سلطات الكيان الإسرائيلي ثم سرعان ما يفرج عنهم قبل انتهاء المدة.
أمّا زعيم المعارضة الإسرائيلية ورئيس حزب العمل (إسحاق هرتسوغ) فقد أكد من جانبه أن النار التي أحرقت الدوابشة ستهدد الكيان الإسرائيلي برمته، معترفاً بأن من قام بهذه الجريمة هو إرهابي مهما كان انتماؤه ومهما كانت الجهة التي تقف وراءه، محذراً من تداعيات هذا الإرهاب المتوحش، ومطالباً في الوقت نفسه باتخاذ إجراءات عملية لمنع تكرار هذه الجريمة قبل فوات الأوان.
والسؤال المطروح هو: هل تعكس تصريحات حكومة الكيان الإسرائيلي والمعارضة اليسارية أن هناك استنكاراً حقيقياً لجريمة حرق الدوابشة أم أن الأمر لايعدو كونه محاولة لذر الرماد في العيون للتنصل من المسؤولية ورمي الكرة في ملعب الآخر لتحقيق مكاسب سياسية على حساب الدم الفلسطيني الذي يراق في كل يوم على يد المستوطنين بذرائع واهية.
وتحسباً لاحتمالات واقعية بانفجارٍ فلسطيني كبير احتجاجاً على جريمة إحراق الدوابشة رفع الجيش الإسرائيلي حالة التأهب في صفوفه خصوصاً في الضفة الغربية. وتعترف أوساط إسرائيلية بأن الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس هي مَن تحول دون انفجار الوضع في الضفة حتى الآن.
وتشير التقارير الواردة من داخل الكيان الاسرئيلي إلى ان حكومة نتنياهو تواجه حالياً ظروفاً متزايدة التعقيد على الصعيدين السياسي والأمني وعلى المستويين الداخلي والخارجي.
ويؤكد جميع المراقبين أن ما يجري من اعتداءات ضد الفلسطينيين في عموم الاراضي الفلسطينية المحتلة والضفة الغربية على وجه الخصوص سببه الحكومة المتطرفة التي يقودها نتنياهو التي تتبنى الاستيطان استراتيجية لاستكمال الهیمنة على الأرض الفلسطينية، مشددين على أن هذه الجرائم هي نتاج طبيعي لعملية حقن المستوطنين بالكراهية ضد الفلسطينيين.
فما زرعته سلطات الكيان الإسرائيلي على مدار سنوات حكمها البغيض ورعايتها للإرهاب الذي بدأ يتصاعد يوماً بعد آخر وخاصة بعد حرق الفتى (محمد ابو خضير) في القدس المحتلة قبل نحو عام لم يُواجه من قبل العالم بأي إجراء عملي لتوفير الحماية للفلسطينيين العزل. كما لم يُقدم القتلة إلى المحاكمة ولم يتم اطلاع العالم بشكل كافٍ على ملف هذه الجرائم التي تتم تحت إشراف وحماية جيش وشرطة ومخابرات الكيان الإسرائيلي وكأن من يُقتل ويُحرق حياً من الفلسطينيين على يد الإسرائيليين ليس بشراً في زمن كثرت فيه الادعاءات الزائفة من قبل الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا بالدفاع عن حقوق وكرامة الانسان.
ومنذ زمن ليس بالقريب أدرك العالم أجمع ان نتنياهو وحكومته يقودان الكيان الإسرائيلي عن طريق الإرهاب. ولو كان المجتمع الدولي قد وقف بوجه الانتهاكات الإسرائيلية البشعة في الأراضي المحتلة لما تواصلت هذه الجرائم التي يدفع بسببها الفلسطينيون حياتهم وحياة أبنائهم كل يوم. ولهذا ينبغي مطالبة كافة المنظمات الدولية (الحقوقية والقانونية) وأكثر من أي وقت مضى بتحمل مسؤولياتها لوقف القتل والاستيطان وانتهاك حقوق الانسان في فلسطين المحتلة والتي تتم وفق مخططات رسمية تنتهجها سلطات الكيان الإسرائيلي.
فنتنياهو وحكومته في الحقيقة هم من يتحمل المسؤولية الكاملة عن قتل وحرق عائلة الدوابشة لأنهم هم من حرض وغض الطرف عما جرى وهم من وفّر الحماية للمستوطنين القتلة، ولهذا يجب تقديمهم للمحاكمة لارتكابهم جرائم لاتعد ولاتحصى بحق الانسانية والتي يصنف معظمها كجرائم حرب ضد المدنيين الأبرياء من الفلسطينيين العزل.