الوقت- تتواصل الأزمة الخليجية فصولاً، فبعد أيام على دخول هذه الأزمة عامها الثالث، أصدرت قطر جملة من رسائل القوّة الموجّهة إلى دول الحصار الأربع، ومن بين هذه الرسائل كلام وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الذي يمكن القول إنه الأقوى والأكثر صراحة تجاه السعودية منذ بدء الأزمة.
تطرّق الوزير القطري إلى السعودية على أكثر من صعيد، في حين تواجه الدوحة، الإمارات في المحاكم الدوليّة، كلام الوزير آل ثاني بدا شاملاً هذه المرّة، ومن جملة ما قال في المؤتمر الصحفي الذي عقده في العاصمة البريطانيّة لندن:
أوّلاً: تمثّل السعودية قوة لإثارة الاضطرابات في الشرق الأوسط، وغالباً ما تستعمل الابتزاز والضغط الاقتصادي لفرض حكمها الاستبدادي، السعودية والإمارات تصنّفان أي بلد لا يحكمه مستبدون على أنّه دولة إرهابية، صفة إرهابي يمكن أن تشمل أي شخص يختلف معهم.
لم تؤدِ السياسة الخارجية السعودية، خلال السنوات الثلاث الماضية، إلى «شيء إيجابي» في كل من لبنان وليبيا واليمن.
ثانياً: تؤجج الأزمة الخليجية نزاعات أخرى في المنطقة، ما يجعل حلّ تلك النزاعات أكثر صعوبة، مشيراً إلى ليبيا والصومال حيث تسعى السعودية إلى وضع أنظمة موالية لها، إن ابتزاز بعض من الدول التي هي بحاجة إلى الدعم السعودي والإماراتي لاتباع نفس السياسة المناهضة لقطر، خلق كثيراً من الاضطرابات في القرن الإفريقي ومنطقة جنوب الصحراء.
ثالثاً: حاولت دول الحصار استقطاب الجميع لدعم موقفهم، معلقاً: "نجحوا مع البعض بنسبة 100%، والبعض الآخر بشكل جزئي، في حين فشلوا مع آخرين"، مشيداً برفض مقديشو قطع العلاقات مع الدوحة، رغم تعرّضها للابتزاز.
هذا غيض من فيض كلام الوزير القطري، وغيره من المسؤولين القطريين تجاه السعودية التي تتهم قطر بالإرهاب وهو ما تنفيه الدوحة، وتَتهم رباعي الحصار بالسعي إلى فرض الوصاية على قرارها الوطني. اليوم، لم تعد السعوديّة الشقيقة الكبرى لا لليمن، ولا قطر، وهي ليست كذلك بالنسبة لسلطنة عمان منذ زمن، وأما بالنسبة للإمارات فالتنافس الخفي القائم لن يلبث أن يخرج إلى العلن بعد فترة لا نراها ببعيدة.
قطر التي وقفت إلى جانب السعودية في عدوانها على اليمن، ولو اقتصر الأمر على الحدود الجنوبية للسعودية، وجدت نفسها أمام عدوان مرتقب وفق ما سرّبت مصادر أمريكية منذ بدء الأزمة الخليجية، اعتبرت الدول الأربع الحصار أفضل وسيلة لدفع قطر للتنازل عن مواقفها، ظناً منهم أنه أفضل وسيلة من أجل دفع قطر إلى التوقيع على شروط تسلبها كثيراً من سيادتها واستقلالها، راهنوا على ليّ ذراع الدوحة، لكن الأخيرة صمدت لأكثر من عامين، وباتت أكثر منعة من الناحيتين السياسية والاقتصاديّة.
اليوم، وبعد أكثر من عامين على الحصار يبدو أن الدوحة قد نجحت وبالتعاون مع كل من تركيا وإيران في تحويل هذا التهديد إلى فرصة، وخير دليل على ذلك هو ما كتبه موقع فير أوبزرفر بأن قطر تجاوزت الحصار وقلّصت الهيمنة السعودية.
تقول الباحثة ليا هيكيرت في تقرير نشره موقع "فير أوبزرفر": انتصرت قطر على التأثير الاقتصادي للحصار، بحلول نوفمبر 2018، ولم تعد قطر تنفق أيّاً من احتياطيّاتها المالية لموازنة الآثار الضارة للحصار، ونتيجة لذلك تبدو آفاقها الاقتصادية واعدة.
إذن، نجحت قطر في تحويل التهديد إلى فرصة، وليس ليس لدى أبوظبي والرياض ما يبرهن نجاحها في جهود تحالفهما للضغط على قطر للاستسلام، لم تقتصر النجاحات القطرية على الشق السياسي ولاسيما بعد قضية خاشقجي التي أتقنت الدوحة الاستفادة منها، وتشويه سمعة السعوديّة، بل تعدّته إلى الشق الاقتصادي حيث تعزز أوضاعها وارتقاءها في المنافسة الإقليمية.
في الخلاصة، إن كلام الوزير القطري يفسّر كل الأزمات الإقليمية التي تعدّ السعودية أحد أطرافها، فالمشكلة مع اليمن لأنه لا يريد أن يكون تابعاً، وهو الحال مع العديد من الدول العربيّة، قطر ليست عن هذا الأمر ببعيد، فكل من لا يوافق على البيان السعودي المعدّ مسبقاً لأي قمّة فهو يعارض المصالح العربية، وأما من يطالب بالاطلاع عليه فهو متّهم بالتغريد خارج السرب الخليجي!