الوقت- قامت أمريكا باستخدام العقوبات الاقتصادية كأداة في سياساتها الخارجية خلال العقود الماضية، وكانت هذه الأداة شائعة لدى حكومات البيت الأبيض السابقة، لكنها أصبحت أكثر حدّة في فترة إدارة الرئيس الأمريكي الحالي "دونالد ترامب" ومن أهم العقوبات الاقتصادية التي فرضتها حكومة "ترامب"، عقوبات على تركيا وروسيا وكوريا الشمالية وإيران وفنزويلا.
إن استمرار واشنطن بالاستعانة بسياسة فرض العديد من العقوبات الاقتصادية في سياساتها الخارجية على بعض دول العالم، وخاصة إيران لم تمّكنها من تحقيق أهدافها التي خططت لتحقيقها خلال الفترة الماضية وهذا الأمر ساعد اللاعبين الدوليين على الترصد والبحث لإيجاد طرق لمواجهة العقوبات المفروضة عليها وتعدّ آليات الدفع الجديدة واستبدال العملات الوطنية بدلاً من الدولار في المعاملات التجارية والمالية من أبرز الطرق والأساليب التي تم تنفيذها حتى الآن لمواجهة العقوبات الأمريكية.
إن تبنّي واشنطن لهذا النهج الغبي، كان له آثار قصيرة الأمد، وذلك لأن قادة البيت الأبيض كانوا غافلين عن كثرة الدول التي تقبع تحت وطأة عقوباتهم الاقتصادية، الأمر الذي أدّى إلى تنامي التضامن بين حكومات تلك الدول.
وبالإضافة إلى ذلك، نظراً إلى أن تلك العقوبات الأمريكية كانت أحادية الجانب ولم تتمكن من الحصول على إجماع دولي، فإن تأثيرها على تلك الدول سوف يقلّ خلال الفترة القادمة وسوف تفقد أيضاً الكثير من طابعها القانوني.
يذكر أن أمريكا منذ إنشائها، قامت بفرض 7967 عقوبة اقتصادية للتدخل في شؤون البلدان الأخرى وتشمل هذه العقوبات المفروضة الأفراد والشركات والمؤسسات والحكومات والمتاجر وغيرها.
لكن في حالة إيران، ومنذ انتصار الثورة الإسلامية فيها، استخدمت أمريكا هذه الأداة مراراً وتكراراً لتغيير سياسات جمهورية إيران الإسلامية.
إن رغبة قادة البيت الأبيض في الاستخدام الأحادي الجانب للعقوبات الاقتصادية ضد إيران جعلت حتى بعض حلفاء واشنطن يخشون من تلك العقوبات ويعتبرونها تهديداً لمصالحهم الاقتصادية.
إن التهديدات المتعددة التي ظهرت عقب فرض أمريكا للكثير من العقوبات الأحادية الجانب على إيران قد تجاوزت المجال الاقتصادي وأثرّت على العلاقات الأمريكية مع الدول الأوروبية وحلفائها القدامى.
وحول هذا السياق، أعرب العديد من الخبراء السياسيين والاقتصاديين بأن الحرب التي شنّتها واشنطن اقتصادياً ستترك أثراً سلبياً على النمو الاقتصادي الدولي وعلى أمريكا نفسها رغم مزاعم البعض بأنه سيعود بالنفع على اقتصادها.
كما أكد المحللون على أن الاقتصادات العالمية باتت متقاربة وأي زيادة في التعريفات الجمركية من شأنها أن تزيد من أعباء التجارة الدولية محذرين صندوق النقد الدولي من تداعيات هذه القرارات.
ورأى المحللون أن السياسات الأمريكية كالانسحاب من الاتفاق النووي وشنّ حروب اقتصادية والانسحاب من معاهدة باريس جميعاً تدل على غباء القرارات الأمريكية وغباء قادة البيت الأبيض.
ووفقاً لما صرّحت به "إليزابيث روزنبرغ"، المسؤولة السابقة في وزارة الخزانة الأمريكية والتي كان لها دور مهم في فرض الكثير من العقوبات على إيران خلال فترة إدارة الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما"، فقد تم تكثيف العقوبات ضد طهران من عام 2010 فصاعداً ولفتت تلك المسؤولة الأمريكية بأن واشنطن لم تقم بتقييم صحيح للخسائر الأمريكية التي تكبّدتها جراء فرضها عقوبات اقتصادية على إيران، ووصفت تلك المسؤولة هذه العقوبات بأنها خاطئة ومكلفة ولن تكون لها تأثيرات وخيمة على إيران.
وفي سياق متصل، أشار "بوليتكو" في تقرير له إلى وظيفة وزارة الخزانة الأمريكية وقال بأن تقييم نجاح العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران يجب أن يكون على أساس تأثيرها ودورها في الوصول إلى تحقيق أهداف سياسية محددة وانتقد "بوليتكو" عدم اكتراث وزارة الخزانة الأمريكية بعدم جدوى العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران.
وأضاف "بوليتكو" بأن واشنطن فشلت في تنفيذ الشروط الـ 12 المتعلقة بإيران ولم تتمكن أيضاً من إجبار طهران على الذهاب إلى طاولة المفاوضات لتوقيع اتفاق نووي آخر عقب انسحاب قادة البيت الأبيض من الاتفاق النووي السابق.
وفي نهاية تقريره، كتب "بوليتكو"، إن إيران تواصل حياتها الاقتصادية على الرغم من العقوبات الأمريكية المفروضة عليها وتمكّنت خلال الفترة القليلة الماضية من تحقيق نتائج مرضية على المستوى الاقتصادي والمعيشي.
صحيح أن بعض جوانب النشاط الاقتصادي والاستثماري الأجنبي في إيران قد تأثرت بقوة بفعل تلك العقوبات القاسية، لكن عجلة الحياة ظلّت تتحرك بصورة شبه طبيعية في هذا البلد، بل إن هذه العقوبات دفعت الإيرانيين للاعتماد أكثر على خبراتهم المحلية ومنتوجاتهم الداخلية لتحقيق الاكتفاء الذاتي لمعظم احتياجاتهم في القطاعين الزراعي والصناعي وخدمات البنية التحتية، ونجحت إيران خلال الأعوام الماضية من تصدير ما معدّله مليون برميل من النفط يومياً لتسجّل اختراقاً واضحاً لإجراءات الحصار الأممية والدولية المفروضة عليها.
وقد أكسبت تجارب الحظر والحصار المتكررة مع الغرب، إيران دون شك مناعة إضافية لمواجهة الآثار السلبية للعقوبات الحالية، كما أن جملة الإجراءات الاستباقية التي اتخذتها حكومة الرئيس "روحاني" خلال الأشهر القليلة الماضية وتشجيع الصناعات الوطنية واستخدام العصا الغليظة ضدّ مافيات الفساد الداخلي المرتبطة بإهدار المال العام والنقد الأجنبي، جعلها تبدو مطمئنة إلى قدرتها على تجاوز الحرب الاقتصادية الأمريكية.