الوقت- السعودية تهتز من جديد اثر الانفجار الذي وقع نهار الخميس الفائت في مدينة "ابها" بمنطقة عسير. هذا التفجير وان حمل توقيع تنظيم داعش الإرهابي واسلوبه الاجرامي كما تفجيري الدمام والقطيف، الا انه يختلف عن التفجيرين السابقين في الشكل والمضمون، ويعتبر نقلة نوعية كبيرة في استراتيجية التنظيم الارهابي. وقد يؤدي هذا التفجير الى تحول كبير على صعيد الوضع الامني في السعودية.
التفجير الانتحاري استهدف مسجدا تابعا لقوات الطوارئ السعودية في مدينة "ابها" بمنطقة "عسير" جنوب غرب السعودية، بحسبما اعلنت وزارة الداخلية. وقال المتحدث الأمني باسم الوزارة في تصريحات نقلتها وكالة الانباء السعودية الرسمية ان تفجيرا وقع اثناء قيام افراد من الشرطة وقوات الطوارئ الخاصة باداء الصلاة في مسجد داخل مقر هذه القوات، ما اسفر عن مقتل 15 عنصرا من قوات الامن اضافة الى ثلاثة من العاملين في الموقع وإصابة تسعة آخرين اصابة بعضهم خطرة.
تفجيرات عدة وقعت في السعودية وتبناها تنظيم داعش الارهابي، الا ان عوامل عدة تجعل هذا التفجير مختلفا عن سابقاته، اولا: التفجير لم يستهدف مسجدا شيعيا فيه مدنيون، كما التفجيرات السابقة، بل استهدف رجال امن سنة، ثانيا: التفجير ضرب في عاصمة منطقة عسير في العمق السعودي في ظروف امنية استثنائية تعيشها السعودية خاصة بعد تفجيري القطيف والدمام. هذا ما يعكس ضخامة اختراق عناصر تنظيم داعش الارهابي للامن السعودي وقدرتها على الوصول الى جميع الاهداف التي تريد استهدافها. وياتي التفجير الاخير في ظل توقيف المئات من المنتمين الى تنظيم داعش الارهابي بعد حملات امنية واسعة قامت بها وزارة الداخلية والمخابرات السعودية.
بالاضافة الى ما سبق، اعاد هذا الانفجار الصراع على السلطة داخل السعودية الى الواجهة من جديد، خاصة وان اكبر المتضررين من العمليات التفجيرية المتصاعدة هو الامير "محمد بن نايف" ولي العهد السعودي ووزير الداخلية ورئيس المجلس الامني والسياسي الاعلى، الذي حظي بتقدير سعودي واجنبي خاص بعد نجاحه على مدى السنوات العشر الماضية في التصدي لتنظيم "القاعدة" داخل السعودية، وتقليص هجماته في الداخل السعودي. اما المستفيد من هذه التفجيرات فهو "بندر بن سلطان" الذي يعتبر مقربا من الارهابيين وكان له دور اساسي في صناعة ودعم تنظيم داعش الارهابي. وقد يسعى بندر للعودة الى السلطة من بوابة التفجيرات الارهابية عبر التشكيك بقدرة الاجهزة الامنية على التصدي للتحديات الراهنة، وعبر طرح نفسه كمن يملك مفاتيح الحل الامني في الداخل.
في سياق متصل، اثبت التفجير ان الدعم الذي قدمته السعودية ولا تزال تقدمه لتنظيم داعش الارهابي، لن يجعلها بمنأى عن اعماله الارهابية فلن تسلم السعودية من خطر داعش. ويزيد من خطورة الوضع في السعودية الشعبية التي يحظى بها التنظيم الارهابي في الداخل السعودي، خاصة في اوساط الشباب السعودي المحبط، والعاطل عن العمل، والمبعد عن المشاركة في تقرير مصيره من قبل صناع القرار في بلاده. وقد اظهرت بعض استطلاعات الراي ان اكثر من ستين في المئة من الشباب السعودي جاهزون للالتحاق بتنظيم داعش الارهابي، بل ان استطلاعات غير رسمية جرت على مواقع التواصل الاجتماعي اثبتت ان النسبة تقدر بحوالي 92 بالمئة، ومعظم هؤلاء الشباب في العشرينات من اعمارهم. وتتوافق هذه الاستطلاعات مع العديد من الدعوات التي وجهها قادة غربيون الى السعودية، محذرين اياها من الخطر الداخلي.
يوما بعد يوم يدرك الجميع ان تنظيم داعش الارهابي هو الخطر الاكبر على الدول الخليجية والمنطقة بأسرها، فقد ثبت لدينا بالاحداث القاطعة ان هذا التنظيم لا يفرق في ارهابه بين الاعمار والاجناس ولا بين الطوائف والمذاهب، حتى الدول التي ربته صغيرا تمرد عليها وباتت ضمن اهدافه الاستراتيجية. اليس حري بالسعودية الكف عن خلق اخطار وهمية والتفرغ بجدية لمحاربة الخطر الحقيقي؟