الوقت- تتزايد حدّة الأعمال الإرهابية في العالم في الوقت الذي يعلو فيه خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن الإدارة الأمريكية ومنذ وصوله إلى السلطة استطاعت القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي متباهياً بهذا الإنجاز أمام عدسات الكاميرات متحدثاً عن أن "داعش" أصبح نقطة صغيرة على الخريطة قد تختفي الليلة، ولكن المسؤولين الأمريكيين والمراسلين الصحفيين لا يرون ذلك على الإطلاق ويعتقدون أن "داعش" لا يزال يشكّل خطراً على منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع، ورأينا جميعنا يوم الأحد الماضي كيف انتقل هذا الفكر المتطرف الإجرامي إلى سريلانكا الدامية ليحصد أرواح أكثر من 349 شخصاً من خلال اعتداءات تبناها التنظيم يوم أمس استهدفت كنائس وفنادق.
ضياع داخل سريلانكا
لا تزال التحقيقات جارية لكشف هوية منفّذي هذه العمليات الإرهابية ومن هي الدول المتورطة معهم.
وجّه مسؤولون في وقت سابق أصابع الاتهام لجهة إسلامية محلية تدعى جماعة "التوحيد الوطنية"، بيد أن السلطات نفت اتهامها رسمياً لتلك الجماعة بالمسؤولية، وربط المتحدث باسم الحكومة الوزير راجيثا سيناراتني هذه التفجيرات أنها جرت بمساعدة شبكة دولية، وقد طلبت السلطات مساعدة أجنبية لتتبع الروابط الدولية للتفجيرات، وقال سيناراتني، "لا يمكنني أن أتخيّل كيف استطاعت جماعة محلية تنفيذ مثل هذه الهجمات دون دعم دولي".
تحميل الحكومة مسؤولية هذا العمل الإجرامي لجماعة "التوحيد الوطنية" لم يكن أمراً جيداً خاصة وأن التحقيقات لم تكن قد انتهت، وهذا الأمر قد يزيد من حدّة التطرف في البلاد في الوقت الذي كانت فيه البلاد تعيش أجمل مراحلها التاريخية وتقدّم رسالة "سلام" للعالم أجمع في العيش المشترك في بلد متعدد الأديان والمذاهب والطوائف، وكان من المستغرب جداً توجيه أصابع الاتهام إلى هذه الجماعة في الوقت الذي لم تقم فيه هذه الجماعة بأي نشاط متطرف أو عمل عنيف منذ نشأتها عام 2009، أي بعد انتهاء الحرب الأهلية في البلد الآسيوي، ولم يرصد لها نشاط أكثر من كونها منظمة سلفية متشددة تبحث عن تطبيق الشريعة الإسلامية في البلد الملاصق للهند.
على الجانب الآخر قال وزير الدولة لشؤون الدفاع أمام البرلمان إن "التحقيقات الأولية كشفت أن ما حدث في سريلانكا كان ردّاً انتقامياً على الهجوم ضد المسلمين في كرايست تشيرتش"، حيث قتل 50 شخصاً في مجزرة استهدفت مسجدين بالمدينة النيوزيلندية يوم 15 آذار الماضي.
ورغم كل التصريحات التي أدلى بها المسؤولون في سريلانكا إلا أن الغموض لايزال يلفّ هذه القضية، كما حملت الحكومة نفسها مسؤولية ما جرى على اعتبار أنها تلقّت تحذيرات بحصول أعمال عنف في البلاد إلا أن الشرطة لم تتخذ الإجراءات اللازمة لمنع هذه الكارثة، وضمن السياق ذاته اتهم لاكشمان كيريلا، مسؤولين كبار في الاستخبارات بإخفاء المعلومات الاستخباراتية عن الهجمات المحتملة عمداً، قائلاً: " كانت المعلومات موجودة، لكن كبار مسؤولي الأمن لم يتخذوا الإجراءات المناسبة، شخص ما يسيطر على كبار مسؤولي الاستخبارات... نحن بحاجة إلى التحقيق في هذا".
داعش والغرب
لم يتوانَ تنظيم "داعش" الإرهابي عن استغلال ضياع الحكومة السريلانكية في تحديد هوية منفذي التفجيرات الإرهابية، ليسارع ويتبنّى هذه الاعتداءات على الفور، علماً أن بيان "داعش" جاء مرفقاً بعدة تشكيكات، حيث نقل موقع "نيوز فيرست" الإخباري السريلانكي، نبأ تبنّي داعش الهجمات، لكنه قال إن التنظيم لم يقدّم أي أدلة على مزاعمه.
بكل الأحوال وجد هذا التنظيم الإرهابي الفرصة سانحة الآن لكي يشحذ همم مقاتليه ويخبر العالم أجمع بأنهم لايزالون موجودين ومؤثرين على الأرض وأنهم لم ينتهوا كما ادّعى الرئيس ترامب، وهذا يوحي بأن شرق آسيا بأكمله مهدد بخطر انتشار هذا التنظيم الذي يشكّل هناك خلايا نائمة والسبب يعود في ذلك على سياسة أمريكا والغرب عموماً، للأسباب التالية:
أولاً: قد يكون الرئيس الأمريكي المتباهي بالقضاء على "داعش"، ساهم حقيقة في محاربة "داعش" في كل من سوريا والعراق على أرض الواقع ولكنه لم يخطُ خطوة واحدة نحو تجفيف منابع الإرهاب في العالم بل على العكس تماماً، اعتمد سياسة قطع الذيل وليس الرأس، وهذا أمر طبيعي لأن أمريكا والغرب عموماً لا يريد للشرق الأوسط أن يعيش في حالة استقرار وثبات وإلا كيف ستبيع هذه الدول منتجاتها من الأسلحة وغيرها، ومنذ دخول أمريكا إلى منطقة الشرق الأوسط وحتى اللحظة لم يشهد هذا الشرق لحظة استقرار واحدة، ابتداءً من التدخل السافر في أفغانستان مروراً بالعراق وصولاً على سوريا، ناهيك عن بناء قواعد في هذه المنطقة أكثر مما تملكه واشنطن في بلادها نفسها، وهنا نسأل هل غاية هذه القواعد توزيع الحلوى على السكان أو عقد جلسات مصالحة أم تفجير الأوضاع الأمنية ومنعها من التحسّن، نظرة عامة على ما يجري في الشرق الأوسط توضّح نتائج السياسة الأمريكية وادعاءاتها المستمرة من نشر الديمقراطية.
ثانياً: الكثير من المحللين الغربيين ومسؤولي المنطقة حذّروا الإدارة الأمريكية بأن استهداف عناصر داعش دون استهداف فكرهم المتطرف وتجفيف منابع تمويلهم وتغذيتهم طائفياً لن يجدي نفعاً، وها هم اليوم يتحوّلون إلى قنابل موقوتة قد تنفجر في بقعة جغرافية من هذا العالم، خاصة بعد أن تشتتوا في سوريا والعراق وبدأ بعضهم يعود إلى المناطق التي جاؤوا منها سواء في الغرب أم الشرق، وما جرى في سريلانكا قد يكون أحد نتائج فشل السياسة الأمريكية وتراخيها المتعمّد في القضاء على ايديولوجية "داعش".
ثالثاً: الايديولوجية التي يتبنّاها الرئيس الأمريكي في التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط والإسلام خاصة وكذلك العنصرية تؤكد أن ترامب لا يريد إحلال السلام في هذا العالم تحت أي ظرف، وجميعنا سمعنا خطاب الكراهية الذي تبناه ترامب تجاه المسلمين والمهاجرين والسود خلال حملته الانتخابية، والذي كان نتيجته أن سفاح نيوزيلندا كان يتباهى بالرئيس ترامب وبكلماته التي كان يستخدمها ضد المهاجرين ووصفهم بالغزاة، واعتبرت "واشنطن بوست" "أنه من غير المناسب تحميل ترامب مسؤولية المجزرة، رغم تصريحاته وتغريداته المتكررة المعادية للإسلام".
وأضافت: "سمعنا قول الرئيس، أمس الجمعة، بأنه لا يعتبر أيديولوجية القومية البيضاء مشكلة، وهذه بالطبع رسالة خاطئة، لأن عليه أن يُعلن بكل وضوح أن أيديولوجية مهاجم المسجدين في نيوزيلندا مرفوضة بتاتاً".
من جانبها، رأت صحيفة "نيويورك تايمز" أن "أيدي جميع الذين أسهموا في نشر الخرافة بأن المسلمين يشكّلون خطراً ملطخة بالدماء". وأضافت: "إذا كانت فكرة أن المسلمين يشكلون خطراً أصبحت منتشرة، فإن ذلك يعود إلى استعمال مثل هذا الكلام من قبل الرئيس ترامب".
ولفتت الصحيفة إلى تصريحات ترامب التي قال فيها: إن "الإسلام يكرهنا"، مؤكدة أنه "من غير المفاجئ أن نرى الإرهابي الذي استهدف المسجدين في نيوزيلندا يشيد بترامب كرمز للهوية الجديدة للبيض والهدف المشترك".