الوقت- في خطوة فاجأت الكثيرين، أصدر الملك البحريني قراراً بتثبيت الجنسية لـ 551 سجيناً كانوا قد تعرّضوا لإسقاط الجنسيّة في وقت سابق.
ورغم أنّ تثبيت الجنسيّة لا يعدّ مكرمة ملكية، وهذا ما حاول الإعلام الملكي إظهاره، إلا أن هناك الكثير من اللغط طرأ بعد القرار في محاولات اللعب الإعلامي على الحكم ومفاعليه، فلا ندري لماذا حوّل الملك هذا الأمر لوزير الداخلية، لا وزير العدل. القرار بدا مبهماً من الناحية القانونيّة من خلال عدم ترقيم هذا الأمر الملكي، الأمر الذي يشير إلى احتمال وجود حيلة إعلاميّة، فهل هو أمر ملكي، أم توجيهات ملكيّة.
بعيداً عن مفاعيل القرار، نجحت السلطة البحرينية في تحويل حقّ المواطنة إلى ألعوبة بيد القضاء، ولعل أهمّ موضوعين يتعرّض لهما البحرين للضغط على الصعيد الحقوقي هما الإعدام وإسقاط الجنسيّة، وقد وجّهت مفوضية حقوق الإنسان عشرات الإنذارات للبحرين على هذا الصعيد.
إن قرار الملك الذي يفتح الباب على الكثير من المحاكمات التي حصلت منذ العام 2011، وعمليات إسقاط الجنسية التي قاربت الـ1000، وهنا تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أوّلاً: أصدر القضاء مئات الأحكام القاضية بتجريد الجنسية، رغم أن الجنسية حقّ وليست هبة تعطى وتسلب كما ورد في المادة السابع عشر من دستور البحرين.
إن حق المواطنة هو حقّ مكفول وسحب الجنسيّة هو أمر محظور بموجب القانون الدولي، لكنّ الخلل القضائي وعملية التسييس القائمة دفع بالقضاء لاستسهال تجريد المواطنين من جنسياتهم، بل إن قانون الجنسية أصبح بيد وزير الداخلية وليس القضاء كما هو مفترض.
ثانياً: يأتي القرار بعد أيام من إعراب الأمم المتحدة عن قلقها تجاه أحكام سحب الجنسية في البحرين، فقد أبدت المفوضية العليا لحقوق الإنسان مؤخراً قلقها البالغ حيال قرار إسقاط الجنسية عن المجموعة الأخيرة (أكثر من 130 شخصاً)، وقالت إن المحاكمة الجماعية لم تتمتع على ما يبدو بالضمانات الإجرائية الضرورية لتنظيم محاكمة عادلة، يجب الالتفات إلى أن الكمّ الهائل من السجناء في بلد صغير مثل البحرين أثار موجة ضغط حقوقية على الملك.
المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيل قالت يجب ألّا يكون الحرمان من الجنسية تعسفياً، لا سيما لأسباب تمييزية على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره من الآراء أو بسبب الجنسية أو الأصول الاجتماعية أو الممتلكات أو الوضع عند الولادة أو أي وضع آخر. فالحرمان التعسفي من الجنسية يضع الأفراد المعنيين وأسرهم في ظروف يزداد فيها خطر تعرّضهم لمزيد من انتهاكات حقوق الإنسان. لذلك، يسعى الملك من خلال هذه الخطوة لتلميع صورته رغم أنّه المسؤول الأول عن كل جرائم القتل والتعذيب والأحكام ومنها إسقاط الجنسية.
ثالثاً: هناك من يتحدّث عن وساطة عراقيّة دفعت بالملك لاتخاذ الخطوة الأخيرة حيث تسعى بعض الشخصيات في بغداد لحلحلة الأوضاع في البحرين، من بينها وزير الخارجية العراقي السابق إبراهيم الجعفري الذي زار المنامة في كانون أول 2014على رأس وفد وزاري رفيع من أجل الوساطة بين الحكومة والمعارضة، لا ندري إذا ما كانت الوساطة العراقيّة خلف هذا الأمر، وحتى لو كانت كذلك، لماذا وافق عليها اليوم، ولم يوافق عليها بالأمس؟ شعب البحرين لم يكلّ، لأن الملك وجد أن هذا السلاح قد ارتد عليه.
رابعاً: إن إسقاط الجنسية هو إجراء تعسفي ترفضه كل القيم الإنسانية والمواثيق الدولية، ولعلّ هذه الإجراءات قد زادت من سمعة البحرين السيئة أمام المنظمات الحقوقية والدولية، الأمر الذي حدّ من الاستثمارات الأجنبية.
في السابق، كان الدعم السعودي والإماراتي كفيل بتعويض هذا النقص، لذلك عمد الملك إلى الضرب بيد من حديد، ولكن اليوم، وفي ظل عملية التقشف التي تعيشها المملكة، والالتزامات التي تقدّمها إلى دول أكثر أهمية كالسودان ومصر إلى جانب التكلفة الباهظة في اليمن، باتت البحرين في عجز أكبر من السابق، وهذا أحد الأسباب التي عزّزت توجّهات الملك نحو هذه الخطوة، يسعى الملك من خلال هذه الخطوة لتعزيز الاستثمارات في بلده العاجز اقتصادياً، فكيف له أن ينهض اقتصادياً ونصف السكان ليسوا بحرينيين من وجهة نظر نظامه؟
خامساً: رغم اشتهار البحرين بمسألة إسقاط الجنسيّة، إلا أنها في الحقيقة ليست أول من يستخدم هذه السياسية، بل هو إجراء قد اتخذ في ثمانينيات القرن الماضي من قبل السعوديّة، وقبل سنوات من قبل الإمارات، لقد استخدمت كل هذه الدول هذا الأمر كوسيلة ضغط على أي معارضة، تأتي عملية سحب الجنسيّة في إطار التنسيق الأمني في الأنظمة الخليجية لردع أيّ حراك مطلبي.
لم يكن الملك البحريني ليصدر هذا الأمر لولا إصرار الشعب البحريني على حقوقه المشروعة، فقد أدرك أن هذه الخطوة لم تجدِ نفعاً، بل زادت المعارضة إصراراً على المطالبة السلميّة بقيام دولة مدنية تُحقّق العدالة والمساواة الاجتماعية، مقابل هذا التعسّف السياسي السلطوي تجاه مطالب سلمية.