الوقت-بدأ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان جولته الآسيوية يوم الأحد الماضي وكانت أولى محطاته إسلام آباد، حيث وقّع مع الحكومة الباكستانية مجموعة من العقود بلغت 20 مليار دولار أمريكي على شكل استثمارات في مجالات عدة من بينها البتروكيماويات والطاقة والمعادن والتكرير والطاقة المتجددة والرياضة.
محطته الثانية كانت نيودلهي حيث استمرت يومين وقّع خلالها الأمير الشاب مجموعة من العقود الاستثمارية أيضاً، لينتقل بعدها إلى الصين ومن هناك سيطير إلى ماليزيا واندونيسيا.
يهدف ابن سلمان من خلال هذه الجولة الكبيرة إلى تحقيق طموحاته على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.
فعلى الصعيد الاقتصادي تعدّ الصين والهند من أبرز المستوردين للنفط السعودي، وخلال الفترة الماضية انخفض شراء النفط السعودي من قبل هذين القطبين ، فبحسب التقارير السعودية فقد صدّرت السعودية في ديسمبر الماضي 7 ملايين و687 برميل نفط، بانخفاض قدره 548000 برميل يومياً مقارنة بصادرات نوفمبر من العام الماضي.
وربط وزير الطاقة السعودي، هذا الأمر بسبب تراجع أسعار النفط، إلا أن محللين يرون أن سوء الإدارة وحرب اليمن وقضية خاشقجي وارتفاع الميزانية الدفاعية للسعودية من العوامل الأبرز التي أثّرت على إنتاج النفط السعودي.
وعلى الرغم من إعلان الأمير محمد بن سلمان بعد وصوله إلى ولاية العهد عام 2015 خطة طويلة الأجل لقطع الاعتماد الاقتصادي على عائدات النفط في إطار رؤية السعودية لعام 2030، والتي تتضمن أهدافاً أخرى كخفض البطالة وزيادة نمو القطاع الخاص وتنمية المراكز الصناعية والسياحية والترفيهية في العقد القادم، إلا أنه لم يحقق شيئاً فعلياً حتى الآن وذلك بسبب تعرّض مشاريعه الخارجية إلى الانكسار بسبب توتر العلاقات الخارجية للرياض مع الدول الغربية بعد جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلادة أواخر العام الماضي، الأمر الذي دفع بالسعودية للتوجّه نحو الشرق، وخاصة نحو الصين والهند وباكستان.
كما أن فشل مؤتمر دافوس للصحراء للاستثمار في نوفمبر 2018 كان له أثر كبير أيضاً، هذا المؤتمر الذي عقد من أجل دعوة الشركات الغربية الكبرى للاستثمار والمشاركة في مشروع "نيوم" شكّل هزيمة كبيرة لمشاريع ابن سلمان الاقتصادية، حيث غابت الشركات الكبرى عن الحضور، وكان أبرز الغائبين وزير الخزانة الأمريكي، ووزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، ديان غرين الرئيسة التنفيذية لشركة غوغل، رئيس مجموعة البنك الدولي جون يونغ كيم، ورئيس مجموعة “فرجين غروب” ريتشارد برنسون، والرئيس التنفيذي لشركة “جي بي مورغان تشيس” جيمي ديمون، ورئيس شركة “فورد موتير” بيل فورد، كذلك رفض الحضور كل من شركة "بلاك روك" وهي من أكبر شركات الاستثمار في القطاع التكنولوجي حول العالم، وشركة بلاكستون، وستقاطع شركة "ايرباص"، ومؤسسة "فياكوم" الأمريكية، وشركة "نيكي" اليابانية للإعلانات الذكية وغيرها من الشركات العالمية، هذا الأمر دفع بالسعودية إلى اقتراض المال من البنك الدولي لتوفير الموارد اللازمة لإنجاح رؤية 2030، حيث أعلن في وقت سابق من فبراير 2019، فهد السيف، مدير مكتب الدين في وزارة المالية، أن الحكومة تخطط لاقتراض 31.46 مليار دولار لتغطية العجز في العام الحالي.
ومن هذا المنطلق، يعتزم ولي العهد السعودي تأمين الاحتياجات التكنولوجية والرأسمالية لإنجاح مشاريعه الداخلية، ما دفعه
إلى توسيع وتطوير علاقاته مع الاقتصادات الناشئة في الصين والهند خاصة أنهما لم تكونا من ضمن الدول التي انتقدت سياساته في المنطقة إضافة لسكوتهما عن تورّطه في جريمة قتل خاشقجي.
كما أنه من الناحية الاقتصادية فإن العلاقات التجارية بين السعودية والهند تتطوّر يوماً بعد يوم، حيث نمت التجارة بين البلدين بنحو 10 في المئة عام 2018 لتصل إلى 27.5 مليار دولار، وتستورد الهند 17 في المئة من نفطها من السعودية، كما وتبلغ استثمارات الهند في السعودية اليوم 1.5 مليار دولار، في حين استثمرت الرياض 16 مليون دولار في الهند.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الحكومة الهندية في نوفمبر الماضي أن دلهي مهتمة باستثمار 500 مليون دولار في مشاريع البنية التحتية في السعودية بما في ذلك السكك الحديدية، والسياحة، والمطار، وتكنولوجيا المعلومات والترفيه وغيره من القطاعات، وتجدر الإشارة إلى أن ما يقرب 3 ملايين من الهنود يعيشون في السعودية، وبفضل هؤلاء تحصل الهند على 10 مليارات دولار سنوياً.
أما الصين فهي أيضاً أكبر شريك تجاري للسعودية، حيث بلغت الواردات من بكين عام 2018 ما قيمته 46 مليار دولار.
كما أن خطة "الحزام والطرق" الطموحة التي تتبناها الصين من أجل توسيع شبكة اتصالاتها الدولية والتجارة الدولية مع أجزاء أخرى من العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط وأوروبا، لاقت اهتماماً كبيراً عند السعوديين، ومن الجدير بالذكر أن السعودية قد انضمت أواخر العام الفائت إلى صندوق الاستثمار الصيني الروسي، الذي سمح قبل انضمام السعودية إليه بالمساهمة في استثمار أكثر من 25 مشروعاً بين الصين وروسيا في قطاعات مختلفة، بما في ذلك الغابات والبنية التحتية والاستهلاك، فضلاً عن تكنولوجيا المعلومات والاستثمار المالي.
وتأمل السعودية أيضاً جذب المزيد من السياح من آسيا، خاصة أنها تعوّل بشكل كبير على السياحة من أجل تمويل مشاريعها الاقتصادية، حيث يزور الملايين من الحجاج المسلمين السعودية كل عام، وتريد الرياض جذب 30 مليون سائح غير ديني بحلول عام 2030.
في الختام.. علاوة على الاهتمام الاقتصادي الكبير الذي تحمله زيارة ابن سلمان إلى دول آسيا، إلا أن هناك هدفاً آخر يسعى الأمير إلى تحقيقه وهو الانتقام من الدول الغربية والتي حسب قوله إنها، "نفذت انقلاباً غربياً ضده"، ويمكن الإشارة هنا إلى أن وجود السعودية في الشرق، إلى جانب الصين وروسيا اللتين تحاولان منذ زمن كسر هيمنة الدولار على التعاملات الاقتصادية العالمية، يمكن أن يساعد في تسريع هذه العملية، إلا أنه ونظراً لاعتماد الأسرة السعودية على الدعم الغربي، فإنه لا يمكن أن نتصور أن يقوم ابن سلمان بذلك.