الوقت- تستضيف العاصمة الباكستانية "إسلام آباد" هذه الأيام ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" وتأتي هذه الزيارة تحت أشدّ الإجراءات الأمنية الصارمة التي يراقبها رئيس الوزراء الباكستاني شخصياً وتعتبر هذه الزيارة السعودية ذات أهمية كبيرة بالنسبة لباكستان التي تعاني الكثير من الأزمات الاقتصادية، حيث تؤكد العديد من المصادر الإخبارية بأن "إسلام آباد" تعاني من عجز في الميزانية يقدّر بأكثر من 7 مليارات دولار ولهذا فإنها تأمل من هذه الزيارة السعودية أن تتلقى المزيد من التمويل المالي. يذكر أنه في العام الماضي، أعلن وزير المالية الباكستاني بأن باكستان ستحصل على 6 ملايين دولار كقروض من الرياض، وهذا الرقم يمكن أن يكون له تأثير كبير على معالجة عجز الميزانية في البلاد ولو بشكل بسيط.
لذلك، وبالنظر إلى الأهمية الاقتصادية للسعودية بالنسبة لباكستان، فلقد قرر "عمران خان" صرف الكثير من الأموال لاستقبال ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، لعلّه يتمكّن من الحصول على المزيد من الدعم المالي السعودي.
أهمية باكستان في الاستراتيجية السياسية للسعودية
تعود المرة الأخيرة التي زار فيها مسؤول سعودي كبير، باكستان إلى عام 2006، عندما قام "عبد الله بن عبد العزيز"، ملك السعودية في ذلك الوقت بزيارة رسمية لإسلام آباد، ومنذ ذلك الحين، كانت العلاقات بين إسلام أباد والرياض متقلبة، ولكنه خلال تلك السنوات كان لباكستان دائماً مكانة خاصة في سياسات القادة السعوديين.
إن السعودية على رغم امتلاكها ثروة طائلة، إلا أنه ليس لديها جيش قوي ولهذا فإن الرياض تحاول التعتيم على هذا الضعف من خلال تزويد جيشها بأحدث المعدات العسكرية، إلا أن ذلك لا يكفي لأن العامل الأساسي والمهم في المجال العسكري هو العامل البشري. لذا، تأمل الرياض في استخدام القوات الباكستانية لتحقيق أهدافها في المنطقة، على الرغم من رفض المسؤولين الباكستانيين لهذا الطلب جملة وتفصيلاً، لكن سياسة الدفاع السعودية، لا تزال معتمدة على خدمة المرتزقة الأجانب، وبالتالي، فمن المرجّح أن تكون إحدى نتائج هذه الزيارة هي قيام الرياض بتخصيص المزيد من الأموال لإسلام أباد لإقناعها بإرسال جنودها إلى السعودية.
وبينما تسعى السعودية إلى تطوير وتوسيع قدراتها النووية، فإنه يمكن لباكستان، بصفتها تملك العديد من القنابل النووية، أن تلعب دوراً مهماً في هذا الصدد، ولقد خلقت هذه القضية الكثير من مخاوف السعوديين، خاصة عقب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني وهذا الأمر يمكن اعتباره أحد أهم العوامل التي دفعت ولي العهد السعودي للقيام بزيارة لإسلام آباد.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحوار بين قادة البلدين بشأن مسألة المفاوضات مع طالبان هي قضايا أخرى تهم السعودية، ففي الوقت الذي بدأت فيه محادثات أمريكا وباكستان والهند مع طالبان، بدأت إيران بعقد لقاءات مع هذه الجماعة في العاصمة الأفغانية "كابول"، ولهذا فإن الرياض قلقة من أن يصبح الهيكل المستقبلي للسلطة في أفغانستان موالياً للمصلحة الإيرانية، وبالتالي، فلقد ذكر ولي العهد السعودي كل هذه المخاوف لعمران خان خلال اجتماعاتهما.
إن إرساء الأمن والسلام في أفغانستان يمكن أن يصبّ في مصلحة أمن جمهورية إيران الإسلامية، وهذا أمر لا يغفل عن السعوديين. ولهذا فلقد قامت الرياض ببناء وتوسيع المدارس الدينية الوهابية لاستهداف الجماعات المتطرفة والإرهابية في باكستان وفي هذا الصدد، يمكن اعتبار تخاذل وتهاون إسلام آباد تجاه تحركات الجماعات الإرهابية مثل جيش "العدل" و"جند الله" على الحدود الشرقية لإيران، سياسة باكستانية يمكن أن تخدم الرياض.
والنقطة الأخيرة هنا هي أنه يبدو أن "ابن سلمان" يسعى في رحلته هذه إلى أداء خدمة أخرى لأصدقائه الأمريكيين والإسرائيليين، تتمثل في تطبيع العلاقات بين إسلام آباد وتل أبيب وهذا الأمر أعلن عنه وزير الخارجية الباكستاني "شاه محمود قريشي" الليلة الماضية. ولذلك فإنه يمكن القول هنا بأن "ابن سلمان" يلعب دور الوسيط، وربما يكون قد دفع جزءاً كبيراً من تكاليف هذا التطبيع من الخزانة السعودية.
إن تنفيذ هذا المشروع يمكن أن يساعد في إكمال خطة القبول بإسرائيل في المنطقة، وهي الخطة التي كانت تنتهجها حكومة "ترامب" بشكل كبير خلال العامين الماضيين.
أخيراً يمكن القول بأن كل هذه الآمال والتطلعات السعودية، ستجبر باكستان و"عمران خان" على التنازل عن الكثير من الأشياء لكسب الدعم المالي من الرياض وهنا تذكر العديد من المصادر الإخبارية بأن الدول المجاورة لباكستان والدول الغربية ولا سيما أمريكا، اتهموا جهاز الاستخبارات الباكستاني بتقديمه للكثير من الدعم للجماعات الإرهابية ولهذا فلقد شهدت علاقات باكستان مع تلك الدول خلال الفترة الماضية الكثير من التوترات، ويمكن أن يكون لتلك الجماعات الإرهابية والأمن الداخلي الهش لباكستان، تأثير سلبي على عملية تعاون إسلام أباد المستقبلية مع الصين.
وفيما يتعلق بتطبيع العلاقات، فإن الشعب الباكستاني يرفض بشدة عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني.