الوقت- على وقع الحديث عن استلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مسودّة القرن، وقبل أيام من انطلاق مؤتمر وارسو الذي دعت إليه الإدارة الأمريكية لبحث القضية الفلسطينية، تستفحل القنوات الإسرائيلية في الحديث عن العلاقة بين الكيان الإسرائيلي وبعض الدول الخليجية، في مقدّمتها الإمارات والبحرين.
في الشكل، تبدو الخشية واضحة من هؤلاء الحكّام على إبقاء هذه التحرّكات سريّة خشية ردود الأفعال العربية، في ظل هجمة شرسة لآلتهم الإعلاميّة تهدف لشيطنة المقاومة وإزالة القدسية عن القضية الفلسطينية من جهة، والترويج للتطبيع تحت شعار السلام وغيرها من الشعارات البرّاقة من جهة أخرى.
في الشكل أيضاً تؤكد المعلومات المستجدّة الواقع الشعبي العربي الرافض لأي تطبيع مع الكيان الإسرائيلي دعماً لقضيّة العرب والمسلمين الأولى، القضية الفلسطينية، حيث لطالما حاول "إعلام التطبيع" الترويج لها على أنها قضيّة فلسطينية حصراً، والصراع فلسطيني إسرائيلي، لا عربي إسرائيلي وفلسطيني إسرائيلي.
وأما في المضمون، بدا واضحاً الإزدراء الإسرائيلي لهؤلاء المطبّعين الذي يعتبرون أن ورقة قطع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي هي ورقة قوّة يمكن استثمارها للحصول على مكاسب من الكيان الإسرائيلي، فقد ألغى الكيان الإسرائيلي في اللحظات الأخيرة صفقة غلب عليها الطابع السري، وتم التوافق بشأنها في 2009، وفق ما ذكر باراك رافيد، المحلل السياسي للقناة الإسرائيلية الـ13 لاحقاً وعلى وقع العلاقات السرية بين نتنياهو ومحمد بن زايد، لم يعر الموساد أيّ اهتمام لأسس هذه العلاقة، هذا لو نفينا أي تورّط للإمارات في عملية الاغتيال وصدّقنا ما ذكره السفير الإسرائيلي في واشنطن سالي مريدور الذي قال: "في تلك الآونة (بين عامي 2009 و2010)، تحدث دبلوماسيون أمريكيون عن لقاءات مكثفة عقدها الإماراتيون والإسرائيليون في الموضوع الإيراني، لكن شهر العسل الذي مرت به الدولتان شهد عاصفة غير متوقعة، وضعت نهاية له، حين تمت عملية اغتيال قائد حماس العسكري في إمارة دبي محمود المبحوح في يناير 2010".
بعيداً عن أبعاد الشكل والمضمون، وبصرف النظر عن اتصالات ولقاءات بن زايد مع الإسرائيليين تحمل هذه الأحداث، وما تسعى لتحقيقه من أهداف متعلّقة بصفقة القرن، جملة من الرسائل والدلالات يمكن الإشارة إليها بجملة من النقاط، أبرزها:
أولاً: يرتبط هذا الوثائقي بشكل كبير بالوضع السياسي الداخلي في الكيان الإسرائيلي حيث تتشكّل التحالفات الانتخابية، هناك سعي واضح من قبل نتنياهو على الترويج لنفسه كمنجٍ لسكان الكيان الإسرائيلي، سواءً عبر تهديد إيران كما فعل بالأمس، أم عبر عرض إنجازات وهمية كما حصل في عملية درع الشمال ومؤتمره الصحفي المشترك مع رئيس الأركان السابق غادي إيزنكوت، أم من خلال الإيحاء أنه على بعد خطوات من تحقيق السلام مع الشعوب العربية، وبالتالي يحتاج إلى مزيد من الوقت.
يتساءل موقع المصدر عن أسباب شعور الإسرائيليين بنشوة النصر كلما رأوا وفداً إسرائيلياً أو مسؤولاً حطّ في عاصمة عربية، ليجيب: "بعد أن كانت "إسرائيل" لاعباً سياسياً غير مرغوب فيه، ومتهمة بأنها مصدر المتاعب في الشرق الأوسط، هناك تحوّل كبير في هذه الفرضية"، وفق زعم الموقع الإسرائيلي، ونتنياهو يلعب اليوم على هذا الوتر.
ثانياً: لا تنفصل حلقات هذا الوثائقي عن قضايا فساد نتنياهو التي كانت الشغل الشاغل للإسرائيليين، في الحقيقة، يصبّ هذا الأمر أيضاً في بوتقة الانتخابات عبر محاولات حثيثة من قبل نتنياهو لحرف نظر الرأي العام الإسرائيلي عن قضايا الفساد المتهم بها، لاسيّما أن رئيس الوزراء الحالي يعتقد أن ثمة مؤامرة تحاك ضده لانتزاع الحق في تشكيل الحكومة منه، والنتائج الداخليّة لانتخابات الليكود قد أسقطت رجالاته وجعلت خصومه في مواقع متقدّمة.
ثالثاً: لا ترتبط معلومات هذا الوثائقي التي رفعت الرقابة الحظر عنها مؤخراً بالوضع الداخلي فحسب، بل إنّ هذا الأمر على صلة مباشرة مع صفقة القرن، والاستراتيجية الإعلامية التي تتبنّاها كل من وسائل الإعلام الإسرائيلية والخليجية (التطبيعية منها) بإدارة أمريكية، هناك دول عربية تتبنى مشروع ترامب في صفقة القرن أبزرها السعودية والإمارات، وأما النظام البحريني يؤدي دور فأر التجارب في جسّ نبض الشارع العربي.
اليوم، ومع اقتراب المشروع من نهايته، لا بدّ من الحديث بصراحة أكبر في إطار وضع الشارع العربي مقام المسلّم بهذا الأمر، لا شكّ أن مفتاح القضيّة الفلسطينية، ليس بأيدي ترامب، ولا ابن زايد ولا لبن سلمان، وكل هذا المحاولات رغم خطورتها يبدو أنها لن تنجح في محاولات تصفية القضيّة الفلسطينية.
رابعاً: في السابق، اعتاد الشارع العربي على نفي السياسيين لأي علاقة مع الكيان الإسرائيلي حتى وإن تمّت، ولكن سكوت ابن زايد وغيره اليوم على هذه المعلومات إنّما يندر في الإطار الإعلامي الذي أسلفناه.
المرحلة اليوم هي مرحلة الانتقال من التطبيع السرّي نحو التطبيع العلني، ليس آخرها، الزيارة الرسمية التي أجرتها وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية، لمسجد "الشيخ زايد بن سلطان" في أبو ظبي، بدعوة رسمية من الشيخ محمد بن زياد.
في الخلاصة، لطالما حاولت أمريكا، ومن خلفها "إسرائيل" الإشارة إلى "البعبع الإيراني" تحت شعار "عدو عدوي صديقي"، رغم أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومنذ التأسيس إلى ذكراها الأربعين لم تقم بالاعتداء على أي دولة عربية، بل على العكس كانت هذه الدول العربية هي الداعم الأكبر لصدام حسين ضد إيران، ولهذا السبب تحديداً وضعت واشنطن مؤتمر وارسو تحت عنواني "الموضوع الإيراني والقضية الفلسطينية".
يخطئ من يعتقد أن بإمكانه تمرير صفقة القرن، لا ننكر خطورتها، لكن الفلسطينيين قيادةً وشعباً، ومن خلفهم الشعوب العربية كافّة وأغلب الأنظمة ترفض هذه الصفقة.