الوقت- طلب وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري وخلال لقاء له مع نظيره التركي مولود تشاوش أوغلو في العاصمة التركية أنقرة الدعم العسكري الدائم منها فيما يخص محاربة الجماعات التكفيرية المتواجدة في بعض المناطق العراقية، يأتي الطلب العراقي هذا في جو أصبحت تدرك فيه بعض الدول أن وجود داعش أصبح يشكل تهديدا وخطرا ليس على العراق وسوريا وحدهما بل على دول المنطقة بأسرها، إلا أن هذا الطلب يحيطه جو من الإستغراب خاصة مع الثبوت بالوثائق دور النظام التركي الحاكم بدعمه للجماعات التكفيرية وتغاضيه وتسهيله بل وتسيره عمليات نقل الأشخاص والأعتدة والمؤن والأسلحة إلى هذه الجماعات عبر حدودها إلى سوريا والعراق حتى أصبحت الحدود التركية تعد النقطة الأبرز والرئيسية لعبور التكفيريين إلى سوريا بالخصوص.
الدعم التركي للجماعات التكفيرية ومنافعها خارج السلطة العراقية
إذن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة حول الترابط بين طلب العراق من تركيا الدعم العسكري وبين إدراك الحكومة العراقية وامتلاكها الوثائق التي تثبت الدعم التركي لجماعات التكفير في كل من العراق وسوريا؟ ففي إطلالة موجزة لأهم العناوين التي لعبت عليها تركيا خلال السنوات الأخيرة والتي تبين تورطها في دعم التكفيريين في العراق نعرض النقاط التالية:
- الوثائق التي تمكن الجيش العراقي من الحصول عليها خلال مواجهته للتنظيمات التكفيرية في الموصل بالإضافة إلى الإعترافات التي أدلى بها عناصر من الجماعات التكفيرية وقعوا في قبضة القوات العراقية، من أن داعش وقبل دخوله الموصل خضع لتدريبات في مدينة غازي عنتاب التركية ولمدة تجاوزت السنتين، وحيث أشارت الوثائق إلى أن دولاً كالسعودية وقطر بالإضافة إلى الكيان الإسرائيلي هم من مولوا هذه التدريبات على الأراضي التركية.
- الدور التركي في زعزعة الواقع الأمني في الأنبار وهو ما أثبتته الوثائق التي عثرت عليها قوات الجيش العراقي والتشكيلات الشعبية والتي توصي خلالها تركيا جماعات التكفير بممارسة مختلف أشكال الإرهاب لتهجير الطائفة السنية من المناطق المختلطة لبث الحرب الطائفية، بالإضافة إلى الأسلحة والمعدات التركية والأردنية والإسرائيلية، كل هذا وما رشح عنه من قتل وخطف وتدمير وتشريد للكثير من العوائل العراقية، مضافا إلى ذلك تدمير الكثير من المتاحف والآثار العراقية التي تعود إلى حقبات تاريخية قديمة وتمثل كافة العصور الماضية والتي عدت على مدى أزمن إرثا تاريخيا كبيرا يحتفى به.
- العقود التجارية وخاصة النفطية التي أبرمها النظام التركي مع أقليم كردستان العراق بمعزل عن الحكومة المركزية وهو ما عد نقضا للإتفاق الذي كان موقعا بين الحكومة العراقية والتركية، هذا بالإضافة إلى الكثير من الإخلالات التي تقوم بها الشركات الحكومية التركية المتواجدة على الأراضي العراقية للبنود والقوانين العراقية المتفق عليها.
في أي سياق يوضع الطلب العراقي؟
إذن جملة النقاط سابقة الذكر وبكل ما تحتويه وتشير إليه من دلالات واضحة تعد أمرا متناقضا بكل ما للمعنى من كلمة بين الطلب العراقي من النظام التركي وبين التجاوزات الواضحة والعلانية التي تقوم بها تركيا على الأراضي العراقية وهو ما يشكل إبهامات حول مدلولات هذا الطلب من دولة داعمة للتكفير والإرهاب ولها علاقات واضحة ومتشعبة مع الكيان الإسرائيلي. ولذلك ومع الاخذ بعين الإعتبار دولة العراق وشعبها الساعي دوما للتخلص من جماعات التكفير على اراضيه يمكن وضع الطلب في السياق التالي:
- سعي جاد من قبل الحكومة العراقية في سبيل التواصل والإلتقاء مع دول المنطقة والجوار على أطر مشتركة في العمل، وتحفيز دول الجوار وإخراجها من ضمن دائرة الدول الداعمة للجماعات التكفيرية إلى دول محاربة له، وذلك على أسس أن هذه الجماعات تطال بخطرها كل دول المنطقة، وأن تمددها وتوسعها لن يكون في صالح أحد حتى الدول الداعمة لها، وهو بالفعل ما أثبتته الوقائع العملانية على الأرض وبرزت أولى ملامحه في بعض الدول كالكويت والسعودية وفرنسا.
- الإنفتاح التركي الأخير والذي برز من خلال رغبة تركية في المشاركة بعمليات تحرير الموصل من عناصر الجماعات التكفيرية، وإن كان الطلب التركي يصب في إطار المصلحة والمنفعة التركية من إثبات وجود فعال لها في المنطقة خاصة في مدينة الموصل وما لها من تأمين المصالح التركية في إقليم كردستان العراقي، إلا أن الحكومة العراقية وفي دعوة منها لمشاركة جميع الدول في جهود تحرير العراق من هذه الجماعات رحبت بالرغبة التركية في المشاركة.
أمام هذا العرض المتشعب من التدخلات التركية في الشأن العراقي ودعم جماعات التكفير وتدريبهم والمصالح التركية الخارجة عن إطار ورقابة الحكومة العراقية من جهة، والطلب العراقي من الحكومة التركية الدعم العسكري الدائم من جهة أخرى وما له من تبريرات والسياق والقالب الذي يوضع فيه، يبقى على القارئ والمتتبع للشان العراقي في تشخيص الطلب بصوابه من خطأه.