الوقت- يعيش لبنان حالةً من الفراغ الرئاسي والشغور في أغلب المراكز الأمنية الحساسة، دون أن يكون ذلك من الأولويات حسب ما يبدو. فقد إعتاد اللبنانيون على الفراغ والشغور. لكن المشكلة تكمن في تعاطي الأطراف السياسية التابعة لمحور 14 آذار وإرتهانها للخارج لا سيما السياسة الأمريكية. وهنا يأتي الحديث عن الحوار القائم بين طرفين أساسيين قد يمثلان الإصطفاف الداخلي اللبناني، وهما حزب الله وتيار المستقبل. فجلسات الحوار التي أصبحت كثيرة العدد، ليست إلا قليلة التأثير والنتيجة. في ظل تَعنُّت تيار المستقبل ودخوله في الرهان على السياسة السعودية التي أثبتت فشلها. فكيف يمكن توصيف الحال السياسية للحوار بين الطرفين اليوم؟ وما هي دلالاتها التحليلية وأسبابها؟
آخر جلسةٍ للحوار ومستجداتها بحسب المصادر اللبنانية:
أكدت مصادر مواكبة للجلسة الأخيرة من الحوار بين حزب المستقبل وحزب الله أن الإنتظار يبقى سيّد الموقف في ظل عدم التوصل الى مقاربة مشتركة لمواصفات رئيس الجمهورية، تدفع نحو إنهاء الشغور. وقالت إن "الفريقين يتبادلان الآراء في مجمل القضايا المطروحة من دون الوصول الى نتائج". وأكدت المصادر أن المتحاورين لم يتمكنوا من إحداث أي خرق أو ثغرة في جدار الملفات السياسية العالقة، باستثناء التوافق على ضرورة عقد جلسات نيابية لتشريع الضرورة. ولفتت أيضاً الى أن المتحاورين ناقشوا في آلية عمل مجلس الوزراء، ونقلت عن ممثلي المستقبل قولهم: "لسنا ضد الشراكة، وكل قرارات الحكومة حظيت بإجماع أعضاء مجلس الوزراء، ولم يتخذ أي قرار بمنأى عن موافقة تكتل التغيير والإصلاح".
واعتبر ممثلو المستقبل بحسب المصادر أن الشراكة في مجلس الوزراء شيء وآلية إصدار القرارات شيء آخر. واستغربوا إصرار حزب الله على تقديم المشكلة كأنها بين المستقبل وبين تكتل التغيير، وأن حلّها يكمن في الاتفاق بينهما بحسب رأيهم. ونقلت المصادر عينها، عن ممثلي المستقبل قولهم: "إننا جزء من الحكومة، ولسنا من يسيطر عليها والتيار الوطني الحر يتصرف كأنه يعد نفسه باتفاق لا أساس له من الصحة".
كما أشارت المصادر إلى انه لن يتوقف حوار الإنتظار بين "المستقبل" و"حزب الله" الذي قد يُراد منه، التقليل من الأضرار التي يمكن أن تلحق بلبنان نتيجة تعذر انتخاب الرئيس، ومن ناحية أخرى العمل على وأد الفتنة. وهذا يستدعي التواصل لتنفيس أجواء الإحتقان المذهبي والطائفي، خصوصاً بين السنّة والشيعة، مع أنه تغلب على تبادل الآراء الصراحة في العمق وأحياناً لا تخلو من الحدة، وإنما بلا نتائج ملموسة تفعِّل دور المؤسسات الدستورية. وينتظر أن تُعقد الجلسة الـ 16 للحوار في 5 آب المقبل.
الدلالات والتحليل:
منذ اندلاع الأزمة السورية دخل تيار المستقبل في رهاناتٍ خاطئة، لا سيما فيما يتعلق بالرهان على سقوط الأسد. وهو الأمر الذي انعكس على سياساته الداخلية اللبنانية ويؤثر اليوم بالنتيجة على الحوار بين المستقبل وحزب الله. وهنا نقول التالي:
- قام تيار المستقبل بدعم المعارضة واستخدام ذلك كورقة ضغطٍ داخلية على حزب الله. وهو الأمر الذي أدى الى تشكُّل بيئة حاضنة للإرهاب لا سيما في عددٍ من المناطق اللبنانية وبالتحديد عرسال، والتي أصبحت المصدر للإرهابيين والسيارات المفخخة. مما جعل اللبنانيين يدفعون ثمن أعمالٍ إرهابية طالت الكثير من المناطق اللبنانية، وأدت لزعزعة الإستقرار والوضع الأمني. الى جانب ضرب الوحدة الوطنية ودخول البلاد في خطر الحرب المذهبية والفتنة الطائفية.
- بنى تيار المستقبل أساس حركته السياسية على سقوط النظام السوري والرئيس الأسد. ولأنه يعتبر طرفاً وازناً في الحياة السياسية اللبنانية قاد فريق 14 آذار ضمن السياسة السعودية الأمريكية، والتي أدخلته وفريقه السياسي في أزمة الخطأ في الحسابات. مما انعكس على الوضع اللبناني بشتى المجالات.
- وما زاد الأمور تعقيداً، هو وصول الأزمة السورية الى مستوى متقدم من التعقيد، أعاد فرز الإصطفافات الإقليمية، مما جعل السعودية وقطر وتركيا، تختلف في التفاصيل مع الطرف الأمريكي. وهو الأمر الذي أدى بالنتيجة لدخول أعوان وأتباع السياسة الأمريكية في لبنان في مأزق التخلص من الرهانات ومواكبة التطورات الجديدة.
- لذلك تعامل فريق 14 آذار وفق أجنداتٍ مختلفة لم تنجح بأسرها في الجمع بين مصالحها ومصالح الشعب اللبناني. وبالتحديد الأجندة السعودية التي بيَّنت التحقيقات منذ فترة مع الموقوفين الإرهابيين، أن للرياض يداً طولى في دعمهم وتجهيزهم، ليس فقط في سوريا بل في لبنان أيضاً.
إذن إن الدخول في الرهان على الخارج دون الأخذ بعين الإعتبار المصالح الوطنية، يجعل النتائج خطيرة من ناحية ما يتعلق بالإستقرار الأمني بالتحديد. فالأمور منذ 15 شهراً معقدة في ظل الفراغ الرئاسي. والبلاد تغرق في المشاكل كافة بسبب قيام فريق 14 آذار على تعقيد الأمور في المجلس الوزاري. وهو الأمر الذي يعكسه أيضاً، غياب التعيينات الأمنية والعسكرية مما يفاقم الوضع الأمني والإستقرار. لذلك يمكن القول إن فريق المستقبل يتحمل مسؤوليةً كبيرة فيما وصلت إليه الأمور ليس فقط على صعيد الحوار بل على الصعيد السياسي بشكلٍ عام.