الوقت- مسألة تشكيل نسخة عربية من حلف شمال الأطلسي تعود إلى الواجهة الإعلامية من جديد في ظل الاحتقان السياسي الذي تشهده المنطقة والذي يعمل على تصعيده بشكل مباشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشتى السبل الممكنة، لغايات وأسباب معروفة إن كانت على الصعيد العربي أم على صعيد استهداف إيران ومعاقبتها قدر المستطاع عبر دول المنطقة التي تدعمها واشنطن، دون أن تصرف الأخيرة بنساً واحداً.
الدول التي تم طرح اسمها في هذا الناتو تشمل الدول الخليجية مضافاً إليها مصر والأردن، وسيتم الإعلان عن هذا الحلف الجديد، خلال الاجتماع الذي دعا فيه الرئيس الامريكي دونالد ترامب رؤساء وملوك وأمراء هذه الدول للمشاركة فيه أواسط شهر تشرين الأول / أكتوبر القادم.
نفقات ضخمة سيتم صرفها على هذا التحالف تصل إلى مئات مليارات الدولارات، حيث سيتم إنشاء شبكة ضخمة للدفاع الصاروخي، ووضع استراتيجية لمكافحة الإرهاب، وتطوير القواعد الأمريكية المنتشرة في المنطقة، وإقامة منشآت عسكرية جديدة وبيع أسلحة واستشارات أمريكية.
واشنطن لن تساهم مادياً في هذا الحلف، وسيكون بمثابة كنز جديد بالنسبة لها كي تحصل على أكبر قدر ممكن من أموال السعودية والإمارات على وجه الخصوص، وسيكون "شيكاً" مفتوحاً لأمريكا للحصول على المزيد من الأموال عبر بيع الأسلحة ونفقات الحضور العسكري وغيرها من الأمور التي لن تدّخر واشنطن جهداً في إيجادها حتى لو كانت غير موجودة مثل هذا الحلف.
العقبات والتحديات
الحديث عن هذا "الحلف" ليس بالجديد وقد سمعنا مراراً وتكراراً بأحلاف مشابهة له، لم ينتج عنها أي شيء يذكر، ويمكن القول صراحةً إن الحديث عن تشكيل "ناتو عربي" وما شابهه مكرر وغير قابل للتطبيق نظراً لكثرة المحاولات السابقة.
ويمكننا تلخيص أسباب العجز عن تشكيل هذا الحلف بالتالي:
أولاً: هناك شرخ واضح بين الدول العربية في هذا الحلف، حيث يبرز التباين السياسي الواضح في مواقف دول مثل سلطنة عمان وقطر والكويت من جانب وبين السعودية والإمارات والبحرين من جانب آخر، بالإضافة إلى الموقف المتشكك لمصر والأردن من هذا الحلف، وعدم تطابق المواقف السياسية لهذين البلدين مع المواقف السياسة للسعودية والإمارات إزاء أغلب القضايا الإقليمية.
وهناك علاقات طيبة لأغلب هذه الدول العربية مع إيران وبالتالي من الصعب إقحامها في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، وبالتالي لم يبقَ في الميدان سوى "الإمارات والسعودية".
ثانياً: لأي درجة تستطيع السعودية أن تدخل في هكذا حلف وهي تعاني أزمات خارجية وداخلية في الاقتصاد والعسكر لا حدود لها، وفي حال أجبرها ترامب على المشاركة ستكون التكلفة باهظة وقد تدخل العائلة الحاكمة في السعودية دوامة لا حصر لها.
ثالثاً: بعد تركيا وسياسة إما معنا أو علينا المتبعة من قبل السعودية، وخلاف الإمارات مع تركيا تأكد لنا أن أعداء هذا الناتو من العرب وغير العرب هم أكثر من حلفائه بكثير.
رابعاً: سياسات السعودية في سوريا والعراق لن تجعل لهذا الحلف حاضنة شعبية عربية، وبما أن الشعب رافض لمثل هذا التحالف سيكون مصيره الفشل، ولا أحد يستطيع تحمّل تبعات ذلك، واشنطن لم تستطع تحمّل ذلك فكيف بالعرب.
خامساً: لا يطرح هذا التحالف أيّاً من المسائل التي قد تدغدغ الشارع العربي من قبيل القضية الفلسطينية أو الدفاع عن قضايا الأمة، بل يردد سمفونية قديمة ملّ منها الناس، والأحرى بهم أولاً أن يحلّوا مشكلاتهم الداخلية ومن ثم يفكروا في تحالفات خارجية مشتركة.
بكل الأحوال هذا التحالف يذكر بالتحالف العسكري الإسلامي الذي أعلنه محمد بن سلمان قبل سنوات ولم يبصر النور على أرض الواقع.
الأمريكي يركز اليوم على هذه المسألة لجلب المزيد من الأموال من السعودية وابن سلمان التائه في أزمات الخارجية، دولياً وإقليمياً، مع قطر واليمن وسلطنة عمان والداخلية مع الهيئة الدينية وأبناء العائلة الحاكمة فضلاً عن الوضع الاقتصادي المتردي.
ولا يخفى على أحد أن واشنطن تعمل على تقسيم المنطقة على أساس طائفي ومذهبي وعرقي ولو نجح هذا المشروع في سوريا والعراق لكان سيمتد إلى حلفاء واشنطن أنفسهم، وبالتالي على هذه الدول أن تصبّ تركيزها على مواجهة التطرف والجماعات الإرهابية المسلحة التي قسمت ظهر المنطقة وكادت تفتك بها لولا تضافر جهود الجيشين السوري والعراقي وحلفائهما، ومن العار أن تدعم بعض الدول الجماعات المسلحة وتمدها بالمال والسلاح ومن ثم تدّعي أنها تحاربها.
نحن اليوم في زمن أصبح الجميع ينقل الحدث ثانية بثانية ومن موقع الحدث بسبب كثرة وسائل الاتصال ولاسيما شبكات التواصل الاجتماعي التي جعلت العالم أشبه بقرية صغيرة لا يستطيع أحد أن يخفي ما يجري داخلها، وبالتالي اللعب خلف الكواليس لم يعد مجدياً وقد كشفت الصحف العالمية مؤخراً حجم التعاون بين السعودية على سبيل المثال وتنظيم القاعدة في اليمن، وهذا كفيل بالتشكيك بالتحالف الجديد وأهدافه وغاياته وبرنامجه المستقبلي.
بالمختصر يصح في الناتو العربي القول: النقر في الميت حرام!