الوقت-"الصين شقيقة فنزويلا الكبرى"، بهذه الكلمات وصف الرئيس الفنزويلي "نيكولاس مادورو" التنين الصيني خلال اجتماع له مع الرئيس الصيني “شي جينبينغ" على أمل الحصول على دعم اقتصادي ودبلوماسي لبلاده التي تمرّ بأزمة اقتصادية خانقة بفعل العقوبات الأمريكية التي أدّت إلى تضخم كبير في البلاد الذي قد يصل إلى 1 مليون في نهاية هذا العام بحسب الخبراء، أسباب هذه الرحلة كانت واضحة للجميع، وهي اقتصادية بامتياز، ومن أجل عدم الغرق أكثر في هذه الأزمة انطلق الرئيس اليساري في رحلة مستعجلة إلى عملاق آسيا لطلب الدعم والعون، ومن هنا قد يرى البعض أنه ليس هناك محاولة لبناء تحالف استراتيجي بين الطرفين، إلا أنه إذا أخذنا بعين الاعتبار السياسة الخارجية الصينية هذه الأيام ومحاولاتها التوسع والانفتاح على دول العالم، نرى أن احتمال إنشاء هكذا تحالف بين الدولتين الشيوعيتين المطلتين على المحيط الهادئ كبير جداً.
توسيع الداعمين للصين في العالم
يرى محللون وخبراء سياسيون عالميون أنه بقدر ما نما الاقتصاد الصيني على مدى العقود الماضية، استطاع نظامها الشيوعي تخليص ملايين الصينيين من الفقر، إضافة الى تعزيز دور الصين الحمائي في العلاقات مع الدول الأخرى، فمنذ خمسينيات القرن، تقدّم الصين العون لكثير من البلدان الآسيوية ووصل هذا الدعم أيضاً إلى بلدان في إفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي وأماكن أخرى، وكان هدف الصين من هذه الخطوات هو تقديم نموذج مختلف للتعاون مع الدول النامية التي تعاني من غطرسة وتسلّط أمريكا وحلفائها الغربيين، حيث كانت الصداقة والأهداف المشتركة هي أساس هذه العلاقات.
في عام 2004، ضرب زلزال كبير بقوة 9.3 على مقياس ريختر جميع سواحل آسيا وإفريقيا المطلة على المحيط الهندي، حيث كان أقوى زلزال شهده العالم في الأربعين سنة الماضية، وأدّى إلى قتل أكثر من 220 ألفاً في عشرة من بلدان المحيط الهندي، بينهم 170 ألف إندونيسي، بعد هذا الحادث، قدمت الصين نفسها كلاعب كبير على الساحة الدولية وقدّمت حزمة غير مسبوقة من الدعم للضحايا، تبلغ قيمتها 62 مليون دولار، وفي نفس العام، زار الرئيس الصيني "هو جين تاو" البرازيل والأرجنتين وشيلي وكوبا، ووقع 39 اتفاقية تعاون مع هذه البلدان الأربعة، وعلى مدى العقدين الماضيين، قامت الصين بتقديم المساعدة في بناء مدارس ومستشفيات وجسور وطرق ومرافق رياضية كثيرة في العديد من البلدان الإفريقية، وجزر المحيط الهادئ، وكذلك بعض البلدان الآسيوية وأمريكا الوسطى.
ومن ناحية أخرى، ومع وصول دونالد ترامب إلى مركز الرئاسة في أمريكا، ورفعه شعار أمريكا أولاً، وقيامه بخفض التكلفة المالية لدعم الحلفاء وتقليل دور أمريكا الأممي، أصبحت بكين الآن في وضع يسمح لها بتوسيع عمقها الاستراتيجي وملء الثغرات التي قد تتولد جراء هذه السياسة الأمريكية، ومن هنا سيتم تتبع سياسة الدعم الفنزويلية في هذا الاتجاه، وفي هذا السياق أعلن موقع بلومبرغ الأمريكي في يوليو الماضي أن بنك التنمية الصيني وافق على قرض بقيمة 5 مليارات دولار لدعم صناعة النفط الفنزويلية، ووفقاً للتقارير، فإن حجم القروض والتبرعات والاستثمارات الصينية في فنزويلا خلال العقد الماضي قد بلغ أكثر من 65 مليار دولار.
حاجة الصين إلى تحالفات استراتيجية عالمية
تدرك بكين جيداً أنها لتصبح قوة عالمية وتستطيع أن تقف في وجه أمريكا على الساحة الأممية، تحتاج إلى إنشاء روابط استراتيجية مع دول أخرى في العالم علاوة على القوة الاقتصادية، وفي الوقت الحالي وبعد تغيير الموازنة الأمريكية لمواجهة الصين والتي بدأت منذ عهد أوباما واشتدت خلال عهد ترامب، تسعى الصين إلى التوسع والنفوذ في الحديقة الخلفية لأمريكا أي أمريكا الجنوبية من أجل تحقيق التوازن بينها وبين واشنطن، ووفقاً للجنة الاقتصادية في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي (المجلس الأطلسي)، ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر للصين في المنطقة إلى 70 مليار دولار منذ عام 2012، بينما انخفضت حصة أمريكا إلى 20 ٪ في عام 2016، وفي عام 2015 انخفضت إلى 25.7 ٪، وفي 2012 بلغت 24 ٪.
كما أن أمريكا تحاول في العقود الماضية تقوية وجودها في بحر الجنوب وتقدم الدعم الكبير لمنافسي الصين التقليديين مثل الهند واليابان، وتقوم بتطوير التعاون مع تايوان (التي لديها حساسية عالية لبكين) من خلال افتتاح السفارة الفعلية (12 يوليو 2018)، في المقابل ترفض الصين السياسة الأمريكية العدائية تجاه دول قارة أمريكا الجنوبية ويمكن اعتبار استقبال مادورو "المعادي الكبير لأمريكا" في الصين دليلاً على ذلك.
ضمان منابع الطاقة
تسعى الصين إلى ضمان موارد الطاقة وذلك للحفاظ على استمرار تقدّم النمو الاقتصادي الصيني، الذي يعدّ أحد أبرز الاهتمامات الرئيسية لقادة الحزب الشيوعي الصيني وذلك من أجل تكثيف التنافس الاقتصادي مع القوى الغربية، وخاصة مع أمريكا، التي تمكّنت بفضل تكنولوجيا إنتاج النفط الصخري من تلبية احتياجاتها من النفط ما دفعها إلى تقليص استيراده من دول الشرق الأوسط لتصبح أكبر منتج له في العالم متخطية السعودية، وفي الحقيقة إن الحرب على الطاقة ستحدد مصير المنافسات بين القوى الدولية من أجل اكتساب أو الاحتفاظ بمركز رفيع في النظام الدولي، وفي هذا السياق، تعتزم الصين تشكيل علاقات استراتيجية مع الدول الرئيسية المنتجة للنفط والتي لديها عداء مع أمريكا، مثل إيران وفنزويلا، إضافة إلى تفعيل خططها التنموية الرئيسية، مثل استكمال مشروع "الحزام والطريق".
طريق الحرير الصيني في أمريكا اللاتينية
عُقد الاجتماع الثاني لوزراء خارجية الصين و33 عضواً من مجموعة أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي في شيلي في مارس 2012 بهدف إقامة تجارة حرة بين الصين ودول أمريكا اللاتينية. وخلال الاجتماع، دعا وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، دول أمريكا اللاتينية إلى لعب دور جريء في مشروع طريق الحرير الجديد المعروف باسم "الحزام والطريق"، وتتمثل الخطة الكبرى للصين في أمريكا اللاتينية بالتجارة والاستثمار في إطار خطة 1 + 3 + 6، التي قدمها الرئيس الصيني شيه جين بينغ عام 2014 في قمة برازيليا، والتي سيركز فيها على مشاريع محددة ذات طموح كبير بدأ العمل فيها عام 2015، ومن المتوقع أن يصل حجم التجارة بين هذه الدول والصين إلى 500 مليار دولار بحلول عام 2019.
وبناء على ذلك، فإن التحالف مع دول مثل فنزويلا، تعاني من ظروف اقتصادية صعبة للغاية، يمكن أن يكون جزءاً من طموحات بكين لإنشاء طريق جوي بحري أرضي كبير لتحويل الصين إلى قوة عليا عالمية في المستقبل.