الوقت-عُقد الاجتماع الثالث بين إفريقيا والصين للتعاون (FOCAC) في بكين يومي 3 و4 سبتمبر 2018 وذلك لبحث سبل تعزيز الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية بين كلا الطرفين. وحضر الاجتماع 52 دولة إفريقية إضافة إلى أعضاء الاتحاد الإفريقي واللجنة الصينية، ويأتي هذا الاجتماع بعد إعلان الرئيس الصيني، شي جینبینغ، عام 2015 من مدينة جوهانسبرغ الجنوب إفريقية تقديم مساعدات مالية بقيمة 60 مليار دولار أمريكي لإفريقيا.
وفي البيان الختامي للقمة أعلن الرئيس الصيني أن بلاده، ستقدّم تمويلاً بقيمة إجمالية تبلغ 60 مليار دولار لدول قارة إفريقيا، وهي ستكون على شكّل مساعدات حكومية، واستثمارات وتمويلات من جانب مؤسسات مالية وشركات صينية عريقة، وأوضح الرئيس الصيني أن المنح والقروض الميسرة تبلغ قيمتها 15 مليار دولار، وخطوط ائتمان بقيمة 20 مليار دولار، مشيراً إلى إقامة صندوق خاص لتمويل التنمية بقيمة 10 مليارات دولار، وآخر خاص لتمويل الاستيراد من إفريقيا بقيمة 5 مليارات دولار.
مشروع الحزام والطريق
يمكن تقييم الهدف الأول والأهم للصين من تنمية علاقاتها مع الدول الإفريقية فيما يتعلق بتنفيذ المشروع الاقتصادي الضخم "الحزام والطريق"، كما أن الصين تعدّ منذ عام 2009 أكبر شريك تجاري لإفريقيا، وفي عام 2014، زاد حجم التجارة الصينية مع إفريقيا أربعة أضعاف. ومن هنا، تعتزم الصين تركيز اهتمامها على قضية التفوق في النظام السياسي الاقتصادي الدولي من أجل زيادة عمقها الاستراتيجي على مستوى العالم، وفي هذا السياق تسعى الصين عبر مشروعها الاقتصادي الضخم إلى إحياء التجارة العالمية الحرة التي كانت موجودة في القديم، ولذلك، وخلال القمة الصينية الإفريقية أكد الرئيس الصيني أهمية الوجود الإفريقي في مشروع الحزام والطريق كما أكد أن بلاده ستدعم أي دولة إفريقية تنضم إليه.
وتشير الدلائل إلى أن السلطات الصينية أكدت أن قمة هذا العام ستحدد دور إفريقيا في مبادرة "الطريق والحزام" التي يقوم بها شي جين بينغ من أجل ربط الصين بجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا، وذلك عن طريق البحر والجو والبر عبر تعزيز شبكة البنية التحتية، ولتنفيذ ذلك، أكد الرئيس الصيني: "أن البرنامج، الذي تعهدت بكين بالالتزام باستثماره 126 مليار دولار، سيساعد في تزويد إفريقيا بمزيد من الموارد والمرافق وتطوير الأسواق المشتركة".
كما وأعلن الرئيس الصيني في كلمته بالحفل الافتتاحي لقمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي أن بلاده، ستقدّم تمويلاً بقيمة إجمالية تبلغ 60 مليار دولار لدول قارة إفريقيا على شكل مساعدات إنمائية من أجل تطوير البنى التحتية ومشاريع أخرى، وخلال الاجتماع أعلن الرئيس الصيني أن بلاده في صدد بناء مجتمع صيني إفريقي أقوى، داعياً إلى بناء مجتمع صيني إفريقي ذي مستقبل مشترك يتحمّل المسؤولية ويسعى للتعاون المربح للجميع ويتمتع بالازدهار الثقافي ويضمن الأمن، وهذا كان بمثابة رسالة قوية للدول الغربية والعالمية مفادها أن العلاقات الصينية الإفريقية آخذة في التطور، ووفقاً لبرنامج عمل بكين، فإن منتدى التعاون الصيني الإفريقي (2021 - 2019) والذي تم الإعلان عنه في الاجتماع، فإن الصين وإفريقيا ستتبع في السنوات الثلاث القادمة، خطة العمل ذات 8 نقاط من أجل تعزيز التعاون والعمل بطرق متنوعة.
تقديم نموذج جديد للتعاون والتنمية مع دول العالم
ومن بين الأهداف الصينية الأخرى التي تهدف من خلال التعاون الاقتصادي مع الدول الإفريقية هو تقديم نموذج مختلف للتعاون مع الدول النامية، التي لديها مشكلات بشأن مساعدات الدول الغربية، وخاصة مع أمريكا، وتعدّ النزاهة والمساواة والمنفعة المتبادلة والتضامن والتنمية المشتركة من المبادئ الأساسية للتعاون الإفريقي الصيني.
والحقيقة تقول إن أمريكا تقدّم المساعدات لمختلف دول العالم، حتى لأوروبا، لكن تشترط عليهم بالمقابل قبول شروطهم وأهدافهم الاستعمارية، ولكن اليوم، ووفقاً لاستراتيجية بكين المعلنة، فإن تبرعاتها وقروضها للجهات الفاعلة الأخرى في الساحة الدولية، لا تطلب أي متطلبات إلزامية من الطرف الآخر في الساحة السياسية والثقافية.
ومن أجل إثبات ذلك تبنى الرئيس الصيني خلال القمة الصينية الإفريقية "اللاءات الخمسة" في علاقتها بإفريقيا، فلا تدخل في سعي الدول الإفريقية نحو مسارات التنمية التي تناسب ظروفها الوطنية، ولا تدخل في الشؤون الداخلية، ولا فرض للإرادة الصينية على تلك الدول، ولا وضع قيود سياسية فيما يتعلق بالمساعدات، ولا سعي نحو تحقيق مكاسب سياسية أنانية في مجال الاستثمار والتمويل.
وتبيّن سياسة الصين هذه أن الشروط التي أعلنتها بكين جذابة ليس فقط للبلدان الإفريقية، ولكن أيضاً لجميع البلدان النامية، وعلى وجه الخصوص، يعدّ عرض الاستثمار المتبادل من جانب البلدان الإفريقية في الصين أحد القضايا التي زادت بدرجة كبيرة حوافز البلدان الإفريقية للدخول في علاقات أوسع مع بكين.
زيادة البعد الاستراتيجي السياسي والعسكري للصين في الساحة الدولية
إن زيادة العمق الاستراتيجي والسياسي للمجتمع الدولي هدف آخر يسعى إليه الصينيون من خلال التنمية الاقتصادية لعلاقاتهم مع البلدان الإفريقية، حيث تدرك بكين جيداً أنه من أجل أن تصبح قوة مهيمنة وتتحدى دور أمريكا في الساحة الدولية من الضروري إقامة روابط استراتيجية مع دول العالم على المستوى العسكري والأمني والاقتصادي، وفي هذا الصدد، تعتبر الصين إفريقيا واحدة من الأماكن الرئيسية لتعزيز عمقها الاستراتيجي.
وعلى سبيل المثال، بنت الصين في منتصف عام 2017 قاعدتها العسكرية على بعد 8 كيلومترات من القاعدة العسكرية الأمريكية في جيبوتي، كما تعمل بكين على توسيع الأرضية لمزيد من القواعد العسكرية والتعاون الأمني مع الدول الإفريقية، ويعدّ أول معرض مشترك بين الصين وإفريقيا للدفاع والأمن، والذي حضره ممثلون عن 49 دولة إفريقية من 26 يونيو إلى 10 يوليو 2018، رمزاً للعمل الصيني على هذا المستوى، لذلك، يمكن اعتبار قمة التعاون الإفريقية - الصينية الثالثة مهمة على الصعيد الاقتصادي إلا أنها مهمة أيضاً على الصعيدين العسكري والأمني.